بمجرد أن تتأبط حقيبة سفرك لمغادرة البلاد، فالوضع يفرض عليك نزع ثوب المواطن وارتداء عباءة الدبلوماسي، الذي يتقن فن التسويق وأساليب الدعاية ويحسب لكل خطوة يخطوها ألف حساب. أُثير هذه النقطة، لأنَ الشواهد التي أمامي تدفعني لكي ألفت الانتباه إلى واحدة من أكثر المعضلات التي باتت تمس السمعة الوطنية وتستوجب منا النصح والتوجيه. نحن لا ندعي الكمال، فهو صفة ربانية، كما لا ننزه أنفسنا عن الخطأ، فهو صفة من صفات البشر. ما نقوله هنا هو أن أي شخص منا ليس ملكا لنفسه، فلوطنه عليه حق، ومن حق الوطن عليه أن يمثله أحسن تمثيل. الوطنية ليست إحساسا بالانتماء فقط، أو جنسية نحملها، إنما هي ترجمة أحاسيسنا ومشاعرنا الوطنية إلى أفعال. ما نعيبه أن كثيرا منا لا يضع في الاعتبار أننا سفراء فوق العادة وأننا نحن من يرسم صورة بلده عند الآخرين.. فلقد درجت العادة أن الآخرين يأخذون صورة نمطية عن شعب بعينه من خلال أشخاص يصادفونهم لأول مرة حتى لو كانوا لا يتعدون على أصابع اليد الواحدة. ما لا حظته خلال سنوات سبع عشتها خارج الجزائر أن صورتنا لدى الآخرين ليست سوداوية، لكنها في الوقت نفسه ليست صورة وردية.. وهذا أمر طبيعي، فكل شعوب الأرض لها ما لها وعليها ما عليها.. لكن البعض منا كجزائريين من يتجاوز الحدود الدنيا للباقة الدبلوماسية في تصرفاتهم مع الآخرين، وهؤلاء هم من يسيئون لتاريخ الجزائر وشعبه الشهم، والكريم والطيب. ما التمسته من رأي الآخرين بشأننا أننا شعب «دفش» و«عصبي» و«رأسه خشين» و«صعب المراس» وهذه قطعا ليست صفة لكل الشعب الجزائري، إنما نظرة نمطية نتاجا لتصرفات البعض، وتحتاج منا عملا طويلا وجهدا كبيرا لإزالتها، وربما تبقى صفة تلاصقنا، بل تضعنا في خانة الشعوب الفَضَة إن لم نعالجها. (ولو كنت فضا غليظ القلب لانفضوا من حولك). لطالما عبرنا عن اعتزازنا بأننا شعب صاحب آنفة، وهو أمر جميل بما يحمله من كرامة وعزة للنفس.. وكثيرا ما اعتبرنا أنفسنا أصحاب رجولة وشهامة، لا تأخذنا في الله لومة لائم.. صرحاء غير مداهنين. لكن مهلاً.. فهناك شعرة بين الصراحة والوقاحة، وهناك خيط رفيع بين الأدب وقلة الأدب.. خلاصة القول؛ ينبغي علينا أن نفقه فن المعاملات جيدا مع الآخرين، ومهارات التسويق لأنفسنا ووطننا.. فدبلوماسية السلطة السياسية وحدها لا تكفي لتلميع صورة بلد.. وما أُطلقه اصطلاحا: دبلوماسية المواطن هي الكفيلة برسم صورة مشرقة عن الجزائر.