آمنة بولعلوة تغيرت العادات الاجتماعية لدى الجزائريين، فبعد السير على خطى زواج الأقارب لعقود طويلة من الزمن، وتفضيل بنت العم على الغريبة، انقلبت الموازين اليوم وتغيرت معايير اختيار الأنساب، حتى صار هذا النوع من النكاح منبوذا لدى أغلبية العائلات. دخل زواج الأقارب قفص الاتهام من بابه الواسع، فإلى جانب اتهامه بنشر الأمراض الوراثية وإنجاب أطفال يعانون من أمراض وراثية مزمنة وخطرة، صار يخشى منه لإحداثه الشقاق العائلي والوصول بالبعض إلى حد قطيعة الرحم، فبعض الزيجات الفاشلة الواقعة بين الأقارب تتسبب في حدوث مشاكل حادة تصل إلى حد قطيعة الرحم وانشقاق العائلة الكبيرة بأكملها، ما جعل معظم العائلات الجزائرية اليوم لا تحبذه وتبذل قصارى جهدها لتفاديه، حيث تؤكد حورية وهي سيدة في الخمسين من العمر أن عائلتهم تعرضت لمشاكل لها بداية ولا نهاية، والسبب هو تزوج ابن أختها الكبرى نورية بابنة أختها الصغرى، وعلى الرغم من أن الزواج تم بالتراضي بين الطرفين، إلا أنهما لم يستقلا ببيت خاص لعدم قدرة الزوج المادية، وبالتالي كانت تنشب مشاكل صغيرة بين الكنة وابنة خالتها التي هي في الوقت نفسه أخت العريس، ولم تكن والدته تقف مع صاحب الحق وإنما تتعاطف دوما مع ابنتها، ما جعل العروس وأفراد أسرتها الصغيرة يتذمرون من الوضع، وبدأت المشاكل تتفاقم تدريجيا حتى صار العروسان لا يطيقان بعضها وبعد مرور سنة ونصف من الزواج حدث الطلاق، ولم تتقبل والدة العروس الحال الذي آلت إليه ابنتها التي صارت مطلقة في عمر الزهور، وقريناتها من بنات الحي والجيران لا يزلن على مقاعد الدراسة، وبعدها انقسمت العائلة. حيث تعاطف البعض مع عائلة البنت والبعض الآخر مع عائلة الشاب، ولم يهدأ الوضع حتى مرت سنوات طويلة من القطيعة وتدخل العقلاء ليفضوا المشاكل وأقنعوا الأطراف بتجاوز الموضوع. أما سارة وهي شابة في مقتبل العمر فقد روت حكايتها مع ابن عمها، حيث خطبت له لما كانت في التاسعة عشر من عمرها، إلا أن تعسره المادي حال بينه وبين الإقدام على خطوة الزواج، وعلى الرغم من انتظارها له أربع سنوات ونصف، إلا أن حالته المادية لم تتحسن، وإنما زادت تعقيدا بعدما فقد عمله، حيث أثرت هذه الحادثة عليه نفسيا وجعلته عصبيا إلى أقصى الحدود، ونشبت مشاكل وملاسنات بينه وبين أبناء عمه الذين طالبوه بإيجاد حل كونه ترك أختهم معلقة لسنوات وأفضى ذلك إلى فسخ الخطوبة وحدوث قطيعة في العائلة. تتشابه كل قصص زواج الأقارب التي انتهت بالقطيعة الأبدية، حيث تروي مريم 37 سنة كيف أجبرها والدها منذ قرابة 15 عاما من الزواج بابن عمتها، بحجة أنه من لحمها ودمها وهو أولى بها، كما أنه لا يستطيع أن يرد أخته وزوجها اللذين جاءا خاطبان، وما كان منها إلا أن أذعنت لرغبة أهلها بعد أن فهمت من كلام والدها أن لا خيار أمامها سوى القبول بالأمر الواقع، مرت السنوات كما قالت مريم وكثرت الخلافات بينها وبين زوجها بسبب انعدام التوافق الفكري والنفسي، مما دفعها بين الفترة والأخرى إلى ترك بيت زوجها والبقاء في بيت والدها لفترات طويلة، وكان هذا السبب كفيلا بإشعال نار الفتنة بين الأقارب وتفاقمت المشاكل إلى أن بلغت طريقا مسدودا، وكانت نهاية هذا الزواج حتما الطلاق الذي عصف باستقرار الأسرة الكبيرة التي انقسمت إلى شطرين وكانت قطيعة الرحم أسوء نتيجة فاقت في أضرارها أي طلاق بين أي زوجين لا تربط بينهما رابطة الدم. الشيخ عبد الحفيظ صنوصي يؤكد: "اختيار الأزواج على أساس الدين والخلق" أكد الشيخ عبد الحفيظ صنوصي مفتي بالمجلس العلمي لدار الأرقم في تصريح ل"الحوار" أن النصوص الشرعية تحث على اختيار الأزواج على أساس الدين والخلق لقول الرسول صلَّى اللّه عليه وسلَّم : "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ "، ولقوله في الحديث الشريف "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه". وأضاف الشيخ عبد الحفيظ بأن ديننا الحنيف لم ينهنا على الزواج من الأقارب، حيث قال الله تعالى في كتابه العزيز: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ" الآية (50) سورة الأحزاب، وقد تزوج رسول الله فعلا من الأقارب وزوج ابنته فاطمة بعلي بن أبي طالب الذي تجمعه به صلة قرابة. كما وضح الشيخ عبد الحفيظ بأن بعض العلماء يرون أنه من باب مفاضلة الزواج من غير الأقرباء وذلك بغرض زرع المحبة، فقد تزوج الرسول صلى الله عليه وسلم من قبائل عديدة بغرض زرع المحبة بين المسلمين. البروفيسور مصطفى خياطي يؤكد "زواج الأقارب يسبب أمراضا مزمنة وخطِرة" أكد البروفيسور مصطفى خياطي في تصريح للحوار أن العلم أثبت فعلا تورط زواج الأقارب في إصابة الأبناء بالعديد من الأمراض المزمنة والخطرة، حيث يؤدي أحيانا إلى إنجاب أطفال يعانون من الأمراض اليتيمة الناتجة عن اختلال في الجينات الوراثية، مشيرا إلى أن أغلب المصابين بهذه الأمراض ناتجون عن زواج الأقارب، كما وضح بأن هذا النوع من الزواج يتسبب على غرار ذلك في الإصابة بجملة من الأمراض المزمنة المنتشرة كداء السكري وتصلب الشرايين والسرطان وغيرها من الأمراض، كما أكد أن زواج الأقارب يتسبب أحيانا في إنجاب المعاقين ذهنيا بسبب الاختلال الجيني.