آمنة بولعلوة لم يعد الحجاب اليوم علامة للعفاف والطهارة، حيث فقد الكثير من شروطه و تحول إلى زي كغيره من الأزياء يخضع لصرعات الموضة التي باتت تتحكم في أشكاله وألوانه، فيشبه في بعض الأحيان أزياء الخليج و في أخرى يخضع للخطوط التركية بعيدا عن أحكام الشرع. تتنافس بيوت الأزياء اليوم على ابتكار أحدث خطوط موضة الحجاب الذي لا يخضع للشروط الشرعية، وهذا بالنظر إلى الكم الهائل من المحجبات عبر العالم، اللواتي يلهث أغلبهن خلف كل جديد وجميل تبتكره خطوط الموضة العالمية و الأزياء، إلى درجة تتنافى في كثير من الأحيان مع ضوابط الحجاب. الحجاب التركي يكتسح الأزياء في الجزائر لم يتوقف الغزو التركي للمجتمع الجزائري عند حدود الدراما، التي زعزعت عرش الدراما المصرية وأزاحت السورية من طريقها لتدخل كل بيت في الجزائر، بل أصبحت هذه الأخيرة إلى بوابة فتحت المجال لانتشار الحجاب التركي على مصراعيه، وعلى رغم أن المسلسلات التركية لا تسوق للحجاب في حد ذاته، لكن يكفي أن تسمع أي جزائرية اليوم أنه من صنع تركي حتى تثار شهيتها لاقتناء الأزياء العثمانية العصرية المتميزة بالأناقة ونعومة الحرير، خاصة ما يتعلق بالخمارات. يكفي أن تقوم بجولة عبر أسواق ومحال العاصمة حتى تكتشف حجم الغزو الذي حققته الأزياء التركية، فمن ديدوش مراد إلى شارع حسيبة ووصولا إلى البريد المركزي، تلحظ عبارة "صنع في تركيا" على أغلب الأزياء، حتى التجار أنفسهم يعترفون بأن السلع التركية اكتسحت ولا منافس لها اليوم، والسبب كما يقول أحد التجار هو الأزمة الأمنية التي كسرت شوكة الاقتصاد السوري، حيث كانت الأزياء السورية وخاصة التقليدية منها رائدة في الأسواق الجزائرية قبل التدهور الذي شهدته المنطقة، اقتربنا من بعض المحال لنستفسر عن الأسعار، ونلاحظ أنها مقبولة وليست بعيدة عن القدرة الشرائية للمواطن متوسط الدخل، وهو ما أكد تاجر آخر بتأكيده أن هذه الأزياء تلقى رواجا منقطع النظير من طرف الجزائريات من كل الأعمار، مشيرا إلى مسألة شرعية الحجاب بقوله: "الأزياء كلها متوفرة و الفتاة وحدها قادرة على تحديد حشمة أزيائها، لأن الأمر خاضع لاختياراتها، وبإمكان كل واحدة تسعى لتطبيق شروط الحجاب الشرعي في أزيائها أن تختار حجاب القطعة الواحدة وهو متوفر بكثرة وبكل الموديلات والألوان والأسعار أيضا، مضيفا أن الأصل في الحجاب التركي الذي اكتسح العالم العربي هو زي القطعة الواحدة، أما الخمار فالمربع هو الدارج وليس "الشال" كما هو الحال عندنا، ويتميز هذا الأخير بصنعه الحريري وألوانه الصارخة الجذابة، ومؤخرا بدأت ألاحظ إقبالا على الخمار مربع الشكل من طرف الجزائريات، لأنه يتماشى مع اللفة التركية". محجبات راضيات عن الأزياء التركية تقول نسيمة 27 سنة: "لطالما عانت المحجبات من نقص الأزياء التي تواكب الموضة خلال السنوات الماضية، المشكل الذي لم يعد مطروحا اليوم بفضل الأزياء التركية التي اكتسحت السوق الجزائرية من شرقها إلى غربها لتترك بصمة على أزياء الجزائريات، خاصة المحجبات منهن، والحقيقة أننا وجدنا ضالتنا في هذه الأزياء بسبب ذوقها الرفيع وألوانها الزاهية وأشكال خماراتها الحريرية الجميلة التي تلف بطريقة معينة فتعطي شكلا جميلا للرأس، والأهم من كل ذلك هو الأسعار التي تبقى في متناول الجميع. وتقاسمها ليلى الرأي بقولها: "انتهت مشكلة المحجبات، حيث كنا نجوب الأسواق بالأيام حتى نعثر على قطعة تتوافق مع الحجاب، أما اليوم ومع دخول السلع التركية صار بوسع كل محجبة أن تختار ما شاءت من الأزياء، وأكثر ما أعجبني في الأمر هو أننا تخلصنا من الهيمنة الصينية، فقد سئمنا من السلع التايوانية التي استحوذت على سوق الألبسة في الجزائر مطولا، أما اليوم فالخيار موجود والأزياء موجودة بفضل السلع التركية، وفي كل موسم يدخل الجديد منها وأكثر ما يلفت انتباهي شخصيا لهذا النوع من الحجاب أنه يجمع بين الأناقة الغربية والحشمة العربية، أي أن مواصفاته إسلامية لكن بنكهة غربية. اتهامات بتشويه الحجاب وفي حين تحظى تصاميم الأزياء التركية بإعجاب الفتيات، يتحفظ بعض الرجال على هذا النوع من الأزياء بسبب عدم توافقها مع المغزى الشرعي للحجاب، لا من حيث الألوان ولا التقاطيع، يقول سليم "الحجاب الذي ينتشر في الجزائر اليوم لا يخضع للمقاييس الشرعية، بل يعتمد على الغواية التي تفرضها الفلسفة الاستهلاكية الساعية إلى تحقيق الربح بكل الطرق والوسائل وباستغلال كل ما يمكن استغلاله، بما في ذلك الزي الإسلامي، وهذا ما يفرض ضرورة العمل على تعميق الوعي الديني وعدم خضوعه للفلسفة الاستهلاكية التي لا تخضع سوى لقانون العرض والطلب والربح السريع". ويقاسمه ياسين( أستاذ ) الرأي بقوله "إن الحجاب المنتشر اليوم بالجزائر خارج عن المعاني التي شرع من أجلها، فالهدف من الحجاب هو درء الفتنة وستر مفاتن المرأة، لكن ما نراه اليوم من ألوان براقة وتقاطيع تكشف أكثر مما تستر جعل المحجبات متهمات بنشر الإثارة أكثر من غيرهن في بعض الأحيان، أنا لست ضد أناقة المرأة ولا أمانع أن تواكب خطوط الموضة، لكن في حدود اللياقة. أما فريد الشاب الجامعي فكان له رأي مخالف ونظرة ثاقبة في مسألة تتريك الحجاب في الجزائر، فقال:"لست ضد الأناقة، طالما أنها لا تتعارض مع الشرع، لكن ما نلاحظه اليوم في جامعاتنا من ارتداء للخمار الذي يسبقه وضع شعر مستعار أو قطع من القماش تباع خصيصا لهذه الخمارات التركية، بل ومعها أيضا ليس من الشرع في شيء، بل منهي عنه استنادا لأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث حرم وصل الشعر بصفة مطلقة، لكن فتيات اليوم سامحهن الله يلهثن وراء الموضة دون الاهتمام إذا ما كانت حراما أو حلالا. الإمام بلعيد زرقون: حجاب المسلمة خالٍ من الفتنة أكد الإمام بلعيد زرقون في تصريح ل"الحوار" أنه على المرأة المسلمة أن لا تعتمد على حجاب مزركش ولافت للأنظار لأنه يتنافى مع شروط الحجاب الشرعي الذي يتوجب أن يكون ساترا لجميع أجزاء الجسم وفضفاضا بحيث لا يجسد الأعضاء ولا يلتصق بالجسم، كما من المفروض أن لا يكون الحجاب الشرعي للمرأة زينة في نفسه ولا تكون فيه فتنة أو مبالغة، حتى يصبح الحجاب شبيها بعرض الأزياء ويفتقد إلى مقصده الأساسي المتمثل في الستر، أما بالنسبة للحديث الشريف "صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" رواه أحمد ومسلم في الصحيح، فقد أكد الإمام زرقون أنه لا ينطبق على النساء المحجبات اللواتي يعتمدن على خمار منفوخ كما يدعي البعض، وإنما ينطبق على المتبرجات، وأكد أنه على الحجاب أن لا يلفت الأنظار بأي شكل من الأشكال.