الحلقة 11 أبو العباس برحايل إنما ذات صباح من ذلك الربيع وكنا لا نذهب إلى الجامع يوم الخميس كله وصباح الجمعة وتلك هي مدة الراحة الأسبوعية، وكان مفروضا على كل أحد فينا عشية يوم العطلة الأسبوعية دفع بيضتي دجاج للطالب بوغتنا بالعسكر يقتحم علينا المشتى.. كان أغلب الرجال قد تسوقوا أو ذهبوا في شأنهم اليومي؛ لذلك حين وصلوا لحينا لم يجدوا غير النساء والأطفال وسيدنا الطالب الذي كان يؤم من حين لآخر بيت ابنته التي هي زوجة عمي التي اشتكتني لأبي .. وكان شيخا في الستينيات. اجتمعت النساء والصبية في بيت جدي في حالة من الترقب المذعور، ورفضت أمي الالتحاق بهن في إصرار عنيد رغم المساعي والوساطات لأنها كانت تخاصمت مع زوجة جدي، وظلت بينهما حزازات مريرة .. فلم أكن أدري ما أصنع بنفسي وقررت أخيرا أن ألتحق بجمهور النساء والولدان في بيت الجد متخليا عن الأم العنيدة، فيما تحصنت هي بداخل البيت وغلقت على نفسها الباب بلوحة الرتاج وبالمفتاح.. وقبل أن يصل العسكر كان هناك في بيتنا مسدس وكان في بيت جدي بندقية صيد .. فتم إخفاء المسدس بدسه في الرماد بالزبالة؛ أما البندقية فقد أخفيت تحت سجادة من حلفاء كانت معلقة في وتد ناشب في جدار غرفة المحسب، وكان الخوف كل الخوف من قبل الجميع أن يكتشف العسكر ذلك السلاح غير المرخص .. اقتحم علينا ثلاثة أنفار من العسكر البيت وطلبوا منا بالإشارة الخروج لظاهر البيت .. كانوا (روامة) فرنسيين لا يتكلمون العربية، حمر الوجوه.. فرأينا عسكريا أسود البشرة سوادا براقا يذهب إلى الحانوت ويشرع في طرق الباب على أمي بمؤخر بندقيته وقد كانت هي في حال من الصراخ المفزع.. وحين صمم على تحطيم الباب عليها اضطرت أن تفتح .. فألقى نظرة عامة وحرك بعض المتاع ثم غادر في صمت ليفتش من جديد البيوت الداخلية ومنها غرفة المحسب ولم ينتبه إلى الحصيرة التي كانت معلقة على الجدار تخفي تحتها البندقية.. أو لعله رآها وغض النظر متواطئا فلم يشأ أن يثير الأمر.. فهو سنغالي مسلم وليس روميا فرنسيا.. وانصرف العسكر من الحي مواصلين زحفهم نحو الأحياء والمشاتي الأخرى لتمشيطها؛ وكانت قوتهم الكبيرة هناك في طريق البايلك في الضفة المقابلة من الوادي الصغير يسوقون أمامهم المتسوقين إلى نقاوس كالقطيع وقد صدوهم عن تكملة طريقهم إلى السوق دون أي سبب ماعدا التعسف.. لكن الحملة مرت بسلام ولم يعتقل فيها أو يعذب فيها أحد.. وبدا أن الرعب الذي سكن القلوب وهم يزحفون نحونا بوجوههم السوداء البراقة والبرادع التي يحملونها على ظهورهم، رعب لم يكن في محله..