يستعرض بلقاسم برحايل في الحلقة الثانية من شهادته حول حسين برحايل في اندلاع الثورة التحريرية حيث كان على رأس 45 مجاهد في منطقة بسكرة، كما يتناول بالتفصيل الجهود التي بذلتها الإدارة الاستعمارية في قتله أو القبض عليه، وكذا علاقاته مع قادة الثورة خاصة عباس الغرور الذي كان أحد المقربين منه. هل يمكن أن تذكر لنا أبرز المعارك والاشتباكات التي قام بها ضد العدو الفرنسي حين كان أحد قياديي لصوص الشرف؟ حسين برحايل بدأ نشاطه العسكري مع نشاطه السياسي، وذلك منذ التحاقه بالجبال سنة 1944 معلنا عصيانه للقانون والسلطة الفرنسية، ومنذ ذلك التاريخ وهو يقوم بعمليات عسكرية مختلفة إلى غاية استشهاده، ويمكن ذكر اشتباك صيف 1947 بخنقة أمعاش دائرة إشمول ولاية باتنة، وهذا بعد الحملة الواسعة التي قامت بها السلطات الفرنسية معتمدة على عملائها للقضاء على حسين برحايل بعدما وصلتها وشاية تقر بوجوده بمنطقة خنقة أمعاش، فقامت بإرسال القائد السبتي بقواته إلى المكان، فوقع الاشتباك بين مجموعة حسين برحايل وقوات القائد السبتي الذي ألحقه رجال حسين برحايل خسائر معتبرة. ويمكن ذكر أيضا اشتباك ربيع 1948 بأسيدا، بلدية لمصارة ولاية خنشلة، وهذا بعدما شنت المخابرات الفرنسية حملة واسعة النطاق بالمنطقة، حيث تمكنت من كشف جماعة حسين برحايل ومسعود بن زلماط، فوقع الاشتباك الذي خلف إصابة حسين برحايل ومسعود بن زلماط بجروح خفيفة، قبل أن يتمكنا من الانسحاب بعدما تمت إصابة أحد العملاء بجروح بليغة. وفي سنة 1949 حدث اشتباك بمنطقة تاجموت التابعة حاليا لدائرة زريبة الوادي ولاية بسكرة، وحدث ذلك بعدما تمكنت السلطات الفرنسية من كشف وجود جماعة حسين برحايل ومسعود بن زلماط والصادق شبشوب (قوزير) فتم محاصرة المكان، ووقع الاشتباك بين الطرفين لمدة دامت يوما كاملا وخرجت خلاله جماعة حسين برحايل بسلام. وفي ربيع 1952 وقعت المجموعة في كمين بين غسيرة وبانيان التابع حاليا لدائرة مشونش ولاية بسكرة، ويعود ذلك إلى ترصد العملاء لتحركات حسين برحايل الذي كان في طريقه من نواحي غوفي نحو مشونش، فنصبوا له كمينا في طريق بين غسيرة وبانيان، ما تسبب في تعرضه إلى إصابة، ولو أن ذلك لم يمنعه من الهروب والنجاة من موت مؤكد.
من هم أبرز مقربيه من الشخصيات المعروفة قبل اندلاع الثورة؟ كان المجاهد عمار بن عودة أقرب مقربيه، ويثق فيه كثيرا، خاصة أن هذا الأخير قضى مدة معتبرة في منطقة آريس وشناورة وتافرنت، ما جعلهما يلتقيان في وجهات النظر، كما أن علاقة حسين برحايل كانت جيدة مع مصطفى بن بولعيد، وبقية القيادات التي مهدت للثورة، بدليل أنه عين مسؤولا عسكريا على منطقة الأوراس من حدود تبسة إلى حدود الصحراء، وهذا بناء على خبرته الميدانية، وحنكته في المجال العسكري منذ صعوده الجبل عام 1944.
ما هي أبرز المهام الموكلة له حين تولى مهمة مسؤول عسكري؟ أبرز مهمة هي المساهمة في استيراد الأسلحة تحضيرا للثورة التحريرية، إضافة إلى السهر على تدريب الشبان والمجاهدين في الجبال، وهذا بناء على خبرته في هذا المجال، حيث تولى هذه المهمة في منطقة الأوراس وعديد المناطق التابعة لولاية بسكرة، خاصة في ظل معرفته بخبايا ومواقع هذه المناطق أثناء فترة محاربته لفرنسا من سنة 1944 إلى غاية موعد اندلاع الثورة التحريرية.
هل يمكن أن تذكر لنا أبرز مساهمات حسين برحايل خلال التحضير الفعلي للثورة بالأوراس؟ كان له دور فعال في هذا الجانب، خاصة في ظل حنكته العسكرية وتمرسه الميداني، وقد بدأ التحضير الفعلي لانطلاق الثورة التحريرية منذ مارس 1950، وذلك بعدما كشفت السلطات الفرنسية أثر المنظمة السرية بتبسة، وهو الأمر الذي دفع بالإدارة المركزية للحركة الوطنية بتحويل ثمانية من أعضائها إلى الأوراس، وهم السادة: رابح بيطاط، لخضر بن طوبال، عمار بن عودة، عبد السلام حباشي، سليمان بركات، محمد بوضياف، ديدوش مراد، محمد مشاطي. وبعد وصولهم إلى الأوراس أعطوا دفعا جديدا للحركة وبقوا هناك إلى غاية سنة 1952 إذ أصدرت قيادة الحركة أمرا برجوع كل عضو إلى منطقته للإشراف على التحضيرات الأخيرة للثورة، ولم يبق في الأوراس سوى حسين برحايل ومصطفى بن بولعيد ومجموعة من الإطارات منهم بشير شيحاني، ناجي نجاوي، أحمد عزوي، عجول عجول، أحمد نواورة، مسعود عايسي، الطاهر غراس، محمد بعزي، بلقاسم سمايحي، صالح بين شايبة، مسعود بلعقون، محمد بن مسعود، مدور عزوي، علي عزي، مصطفى بوستة، عمار معاش، عباس لغرور، عبد الله بن مزيطي، محمد الهادي بوخلوف. وقد بذل هؤلاء المجاهدين جهودا كبيرة في التحضير للثورة من جميع الجوانب مصممين على مواجهة العدو بالسلاح وإخراجه بالقوة بغض النظر عن ما يملكه من عساكر وأسلحة.
هل صحيح أن هناك أقارب لحسين برحايل من الصحاري أرادوا الانضمام إلى الثورة؟ هؤلاء هم إخوة حسين برحايل من الرضاعة وينتمون لعرش الصحاري، حيث كشفوا عن رغبتهم في الالتحاق الثورة، إلا أن حسين برحايل طلب منهم تأجيل ذلك إلى موعد آخر قائلا لهم "إذا صمدت الثورة لمدة تزيد عن السنة فيمكن أن تلتحقوا أما في الوقت الحالي فلا داعي، لأن التحاقكم بالثورة سيتسبب في رد فعل سلبي من القوات الفرنسية تجاهكم، ناهيك عن عدم تأقلمكم مع متطلبات الكفاح في الجبال وعلى وقع البرد والحياة القاسية.
أين كان حسين برحايل متواجدا ليلة الفاتح نوفمبر؟ كان متواجدا في منطقة بسكرة، حيث أسس بن بولعيد مجموعات صغيرة تتكون كل منها من عشرة إلى عشرين رجلا يتقاسم كل أثنين منهم بندقية، وقد صمم على أن يتكلف شخصيا بباتنة وأريس، بينما أوكل حسين برحايل على منطقة الصحراء انطلاقا من بسكرة، وكلف عباس لغرور بمهمة الإشراف على استهداف مراكز العدو بخنشلة، فبعد التدريبات التي قامت بها مجموعة من المجاهدين بقيادة حسين برحايل تحضيرا لاندلاع الثورة بنحو شهر ونصف شهر من ليلة أول نوفمبر، حيث التقى نحو 42 مجاهدا، فقام حسين برحايل بتقسيمهم إلى خمسة أفواج وكلف كل فوج بالقيام بهجوم على أحد الأماكن التالية: محطة القطار من طرف أحمد قادة، الصادق مباركي، الطيب ملكي، محمد بن عبد القادر ومحمد عثماني. أما دار البريد فتولى أمرها إبراهيم جيماوي، أحمد بن علي سليمان، إبراهيم زلتي، محمد لخضر عماري، محمد مدور، محمد عبد السلام ومحمد بن مسعود عبيد الله، في حين تم استهداف دار الشرطة من طرف عبد القادر عبد السلام، عبد الرحمن عقوبي، علي بشينة، الطيب عقوني، بلقاسم عبيد الله، موسى سليمان ومحمد بن عبد السلام، أما الثكنة العسكرية سانت جيرمان فقد تولى أمرها كل من حسين عبد السلام، بن عبد الباقي، مصطفى عبيد الله، مسعود بن أحمد موني وعمار سلطان. أما محطة الكهرباء فقد عين لها فوج مشكل من عبد الله عقوني، محمد الشريف عبد السلام، الطاهر عماري، لخضر بوغرارة وسبتي وزاني. وبعد الهجمات الناجحة التي خلفت خسائر فادحة في ممتلكات المستعمر، وزرعت فيه الرعب، تسرب المجاهدون في نفس الليلة إلى جبال الأوراس، فيما قامت القوات الفرنسية برد فعل عنيف استهدفت من خلاله المواطنين العزل.
هل تم استهداف حسين برحايل وجنوده بعد هذا الهجوم الناجح؟ استخبرت السلطات الفرنسية عن مكان منزل حسين برحايل المتواجد بمشونش، وكان هذا المنزل يتكون من 5 غرف، وكان به 30 قنطارا من التمر و7 قناطير من القمح والشعير، فقامت بتدميره بالمدافع من الصباح حتى الليل ثم أحرقوه وهجّرت أم حسين والبنت الصغيرة فاطمة ابنة أخ حسين إلى القرية المجاورة في دائرة تكوت بولاية باتنة، كما قامت السلطات الفرنسية بتدعيم قواتها بفرقة المرتزقة واللفيف الأجنبي إلى جانب إنشاء مكاتب للشؤون الأهلية تضم المخابرات والعساكر بغية محاصرة المجاهدين وإخماد الثورة، ورغم كل الوسائل التي استعملتها السلطات الفرنسية ضد المجاهدين وبالخصوص حسين برحايل الذي تعرض أهله لأبشع أنواع التعذيب إلا أن ذلك لم يقلل من عزيمته في مواصلة محاربة المستعمر ومواصلة المساهمة في إنجاح انطلاقة الثورة.
كيف تعامل حسين برحايل مع بقية قيادات الولاية الأولى بعد إلقاء القبض على مصطفى بن بولعيد؟ عملوا على إضفاء التنسيق والتواصل للحفاظ على السير العام للثورة، وموازاة مع القبض على مصطفى بن بولعيد، وبغية معرفة مستجدات المنطقة طلب شيحاني بشير بصفته رئيس إدارة الجيش في تلك الفترة من حسين برحايل وزميله عباس لغرور تقديم تقرير حول المنطقة، وعليه تنقل حسين إلى تافسور بنواحي خنشلة حيث التقى بعباس لغرور ومجموعة من الإطارات إلى جانب ممثلين من عرش وادي سوف والصحاري، وعرف هذا الاجتماع عرض التقرير ومناقشته ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوص تسيير منطقة الصحراء.
ما هي الإجراءات المتخذة بالضبط؟ تم الاتفاق على تولى عباس لغرور الإشراف على المنطقة الجنوبية (من وادي سوف نحو تبسة) أما حسين برحايل فيتولى تسيير المنطقة الشمالية (بسكرة). وهو الاتفاق الذي اقتنعت به جميع الأطراف، لكن بعد الانتهاء من هذا الاجتماع حدثت مستجدات غير منتظرة.
ما هي هذه المستجدات؟ بعد انتهاء الاجتماع علم المجاهدون بقدوم دورية العدو من خنشلة في اتجاه الصحراء مرورا بتافسور، فقرروا نصب كمين لها، وقد كانت القافلة العسكرية الفرنسية تحتوي على قوة كبيرة من العساكر مدججة بمختلف الأسلحة الثقيلة، وقد كان الكمين ناجحا لكنه تحول إلى معركة ضارية استشهد خلالها سبعة مجاهدين من بينهم حسين برحايل، وذلك يوم 27 جويلية 1955 .
هل نفهم من كلامك أن جنود حسين برحايل كان بمقدورهم تفادي هذه المعركة؟ حسب المعلومات التي وصلتني فإن الشهيد حسين برحايل كان يطمح إلى استغلال الفرصة لمباغتة القافلة العسكرية الفرنسية بنية الحصول على أكبر عدد ممكن من الأسلحة، وبدا له حسب تقديري إمكانية النجاح في هذا الرهان، إلا أنه استشهد مع بعض رجاله من المجاهدين، فيما عرفت هذه المعركة مقتل 203 عسكري فرنسي.
وماذا عن عباس لغرور وجنوده؟ عرفوا كيف ينجون في النهاية، وهذا بحكم معرفتهم لتضاريس المنطقة، لأنهم من أبناء خنشلة، على خلاف حسين برحايل الذي حضر إلى المكان المذكور بنية عقد الاجتماع، ولا يملك معرفة مسبقة بالمنطقة.
هل يمكن أن تعطي لنا معلومات إضافية عن هذه المعركة التي استشهد فيها حسين برحايل؟ وقعت المعركة في جبل قرية تافسور بالقرب من دائرة ششار ولاية خنشلة، حيث يوم 27 جويلية 1955، وفور وصول العدو إلى مكان الكمين انفجر اللغم فوقع الاشتباك الذي تحول إلى معركة اشتد فيها القتال لمدة أربع ساعات، ومالت الغلبة في الأول إلى كفة المجاهدين الذين كان عددهم 25 مجاهدا مسلحين ببنادق خفيفة لكنهم أعطوا درسا للعدو في الشجاعة وألحقوا خسائر معتبرة بالقافلة العسكرية الفرنسية.
ماذا حدث بعد ذلك؟ استعدادا للانسحاب من مكان المعركة، فوجئ المجاهدون بوصول إمدادات لقوات العدو قدمت من ثكنة حاصرتهم من كل اتجاه، ما اضطرهم إلى قتل جميع الأسرى كان على رأسهم الضابط الذي امتنع عن السير وحاول الهروب فقتل بالسلاح الأبيض، أما الباقون فقتلوا بالرصاص.
ما هي الإستراتيجية التي تمت لاختراق الحصار المشكل عليهم؟ شكل المجاهدون 3 أفواج، فالفوج الأول هو فوج عباس لغرور الذي انسحب بوادي تاغرظاكث شمال تافسور، أما الفوج الثاني فقد انسحب جنوب تافسور، والفوج الثالث الذي كان فيه حسين برحايل فقد حاول الانسحاب نحو الشرق لكن باغته العدو بعساكر كانوا متمركزين في سيارة مجهزة برشاش، واستشهد جميع أفراد الفوج، لأنهم كانوا مكشوفين أمام العدو المتمركز جيدا، وكان آخر من استشهد هو حسين برحايل الذي تمكن من كشف سيارة الجيب والقضاء على سائقها قبل أن يسقط شهيدا.
ما هي أبرز مخلفات هذه المعركة؟ معركة تافسور عرفت مقتل 203 عسكري من بينهم طبيب وأسر 10 عساكر، وتم حرق 7 شاحنات من نوع جيب وسيارة إسعاف، في الوقت الذي استحوذ المجاهدون على 35 بندقية، أما الخسائر البشرية في صفوف المجاهدين فقد عرفت استشهاد 07 مجاهدين وهم حسين برحايل، الحاج محمد، شامي محمد، سي مبروك، كربادو، الصالح براهيم وحمى لخضر.
بعض الأشخاص يصطلح على معركة تافسور بمعركة الكلب، فما سر هذه التسمية؟ صحيح أن هذه المعركة تعرف في أوساط مجاهدي بالمنطقة بمعركة الكلب، وذلك لأن العدو استعمل كلبا من نوع السلالة الألمانية مدربا جيدا وظفوه لمحاصرة المجاهدين، ومنعهم من الانسحاب، فكلما وقف المجاهد إلا وهاجمه الكلب وأرغمه على العودة إلى مخبئه.
هل حاول المجاهدون القضاء عليه؟ حاول المجاهدون القضاء عليه، لكنهم لم يتمكنوا من ذلك لسرعته وخفته، لكن حسين برحايل قضى عليه باستعماله حيلة ذكية، تمثلت في تصويب بندقية نحو الكلب الذي أحس بحركة البندقية وتأهب للهروب منها ففاجأه برصاصة قاتلة بالمسدس الذي كان بيده الأخرى.
أكيد أن خبر استشهاد حسين برحايل أراح القوات الفرنسية، فما هي الإجراءات التي قامت بها؟ فرحتها تحوّلت إلى مسلسل مداهمات لاستهداف عائلة حسين برحايل، وإذا كان حسين قد استشهد يوم 27 جويلية 1955 فقد قامت السلطات الفرنسية يوم 24 أوت (أسبوع بعد حادثة استشهاده) بالاستخبار عن وجود منزله من أحد العملاء الذي أكد لهم على أن حسين برحايل يملك منزلا في قرية شناورة، ويتكون هذا المنزل من 6 غرف كبيرة، منها غرفة للتخزين وأخرى للماعز والبغال، وأخرى للضيوف والأخرى للنوم. وجاء الجيش الفرنسي معززا ب "القومية" والعملاء، وشراع في عمليات التخريب وحرق البيوت والتمزيق والاستيلاء على كل شيء في البيت، وبقيت البغل في وسط البيت، وجاءت أم حسين وبنت ولدها تصارع النيران لإخراج البغل منها وبالفعل تمكنت من إخراجها، ولكن النار أتت على الغرف جميعها وأكلت خشب الأسقف فسقطت جميع جدران المنزل، وكان في الدار مخبأ للذخيرة من نوع الأمريكي 300 قطعة، وقطعتين من سلاح.
ما هي علاقتك بالشهيد حسين برحايل؟ حسين برحايل هو عمي (ابن اخي) وقد كان لي شرف معرفته عن قرب خاصة في مرحلة الطفولة، ما جعلني أتأثر كثيرا بخصاله وشجاعته وكرهه للمستعمر.