نصيرة سيد علي تطرق الإعلامي، محمد بغداد، بالتحليل في لقائه مع " الحوار " إلى العديد من القضايا التي تمس الممارسة الإعلامية، مشيرا إلى أن رهانات التاريخ وتحديات المستقبل، تفرض أن يكون هناك هيئة ذات بعد وطني تعيد الاعتبار لمفهوم الثقافة وتسعى لاستعادة قدسية الممارسة الإعلامية.
*ما هي الضوابط الواجب توفرها من أجل النهوض بالإعلام بالجزائر؟ إن إنقاذ الممارسة الإعلامية الجزائرية من وضعيتها المؤلمة التي تتخبط فيها، وإعادة الاعتبار للتجربة الإعلامية الوطنية، لن يكون إلا بمواقف تاريخية مسؤولة ومراجعة فكرية عميقة عبر عمليات جراحية حقيقية، يتم فيها استئصال الأمراض ومعالجة الأسقام التي نعاني من ويلاتها، والتي تكفلت النخب المغشوشة بتجسيدها في حياتنا الإعلامية. إن مثل هذه اليقظة التاريخية المسؤولة، لن تتم بقرارات فوقية أو تصريحات جوفاء، وإنما طريقها الإرادة الصلبة والاعتراف الجاد والإيمان الحقيقي بقدرات ومواهب وإبداعات الإنسان، وأن ذلك هو الثروة الحقيقية للشعوب والأمم، وهو الحل الوحيد والطريق السليم في بناء المشاريع وإنجاحها، والسبيل الواضح للنخب التي تكمن مهمتها في تقديم الإجابات التاريخية التي يحتاجها المجتمع. وتكون الحرية أساس أي تصور ومنطلق كل مشروع، وهي الحرية التي تمارس بمسؤولية بعيدا عن الإكراه وتأثير المصالح الفئوية والذاتية والآنية للنخب المغشوشة، كون الممارسة الإعلامية الجادة والمسؤولة، هي اليد التي تمتد للمجتمع والفرصة التاريخية التي يمكنها أن تنقذ المشهد والإنسان من ورطته التاريخية المؤلمة، التي نتخبط في مستنقعاتها يوميا.
*ما هي المرجعية التي تأسست على إثرها الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي؟ إن الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي، ليست تنظيما ثقافيا كلاسيكيا، كما هو متعارف عليه وممارس في مشهدنا الثقافي، وإنما هي مشروع الجيل الجديد، الذي جاء ليجيب عن الأسئلة التاريخية، التي تمارس ضغوطها من خلال فتح المجال أمام الأجيال الجديدة، لتمارس حقها التاريخي في صناعة مستقبل الثقافة الجزائرية، كون هذه الأجيال هي التي تمتلك الحق في القيام بدورها، بعيدا عن الإقصاء والتهميش ومعاصي الماضي. ومشروع الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي، هو مشروع مستقبل هذه الأجيال، عبر تحرير إرادة الإنسان والاستثمار في قدراته ومواهبه، بعيدا عن ممارسات النخب المغشوشة، التي كلفت الثقافة الجزائرية الكثير، واستطاعت هذه النخب المغشوشة أن تخرج الثقافة الجزائرية من التاريخ، وتحرم الجزائر من تلك الطاقات الجبارة للأجيال القادمة. كما أن رهانات التاريخ وتحديات المستقبل، تفرض أن يكون هناك هيئة ذات بعد وطني، تعيد الاعتبار لمفهوم الثقافة وتسعى لاستعادة قدسية الممارسة الإعلامية، تكون منسجمة مع العصر التكنولوجي القادم، وتسجل موقعها في المسيرة الإنسانية، عبر الإضافات النوعية لكل النخب والتيارات والأجيال، وتؤسس لتقاليد الاحترام والشرف والسمو والإبداع الصافي. كما أن مشروع الشبكة الجزائرية للإعلام الثقافي، هو محاولة لإعادة الاعتبار لقيم الممارسة النوعية للمجتمع المدني الثقافي، التي نفتقدها في مشهدنا، والتي كانت لنا نماذج رفيعة ومهمة في تاريخنا القريب، وهي الممارسة التي تسعى إلى إخراج الثقافة الجزائرية، والممارسة الإعلامية من حالة التنشيط والنشاطات، إلى مستوى الأفعال والمشاريع، التي تكون دعامة حقيقة في التنمية الوطنية الشاملة، التي تعتمد على الإنسان قاعدتها الإستراتيجية. *ما تعليقك على نقابة الإعلاميين الجزائرية؟ إن المشهد الإعلامي الجزائري، مشهد له جذوره التاريخية، وتراكماته الكبيرة، ومن الطبيعي أن يتطور وفق متطلبات العصر، ويكتسب الخبرات والمهارات في الممارسة الإعلامية، عبر المؤسسات والآليات والأخلاقيات التي تناسب موقعه ومهمته وتاريخه، والنقابات من الوسائل والآليات التي بإمكانها المساهمة في الارتقاء بالممارسة الإعلامية، ليس في الجوانب المادية وأساليب المطالبة بتحسين الأوضاع المهنية، وحماية كرامة الإنسان، وإن كان للبعض وجهات نظر متشائمة من الممارسة النقابة في المجال الإعلامي، فإن الأمر مرهون بتلك الحصيلة القادمة للتجارب الممارسة، والخبرات التي سنكتسبها في المستقبل، فنحن لا نملك ثقافة إدارة المجتمع المدني ونحتاج أن نتعلم تلك التقاليد في المستقبل. *لديك العديد من الإصدرات التي تتمحور كلها تقريبا حول الإعلام في مختلف توجهاته، ما سر هذا الاهتمام؟ اعتبر أن هذه الإصدارات، هي مساهمة فردية مني لإنعاش المشهد الإعلامي الجزائري، وأمنيتي أن يكون لكل إعلامي على الأقل كتابين، لأنني اعتبر أن المرحلة الحالية التي بلغتها الممارسة الإعلامية الجزائرية، تفرض أن نخرج سريعا من مرحلة وثقافة الصحفي الموظف، إلى مستوى الإعلامي المثقف، وأن تكون لدينا مؤسسات إعلامية حقيقة، ونبتعد عن الهياكل الإعلامية. والكتب التي أصدرتها، هي أفكار ومشاريع طرحتها للنقاش والحوار حول القضايا الكبرى للمشهد الثقافي الإعلامي الوطني، وهو المشهد الذي يبقى محروما من المد والعون، من المؤسسة المستأمنة على المنظومة المعرفية الوطنية، التي تبقى مسؤوليتها تاريخية ومهمة من أجل ترشيد التجربة الإعلامية الوطنية، التي لن يكتب لها النجاح، ولن تحصل على موقع في المستقبل، إلا إذا أطلق العنان لحرية الإنسان، ووجدت الأجواء المناسبة لممارسة إبداعاتها، وتوفرت فضاءات الحوار والنقاش الحر والمسؤول، وبمشاركة الجميع بعيدا عن الوصاية مهما كان مصدرها وموقعها، فالشعوب تتطور فقط بالحرية.
*كيف تقيم الكتابة الإعلامية بالجزائر؟ التجربة الإعلامية الجزائرية، تملك رصيدين مهمين هما الرصيد التاريخي البعيد والذي له الكثير من الإنجازات المهمة، ولكن للأسف توارت وحجبت عن الساحة بفضل جهود النخب المغشوشة، التي حرمت الأجيال الجديدة من روائعها، ومن روادها الكبار أمثال الشيخ بيوض وعمر بن قدور وغيرهم، وتمكنت هذه النخب المغشوشة من تحويل الممارسة الإعلامية الوطنية، إلى مرحلة اليتم البغض والتيه المؤلم، والرصيد الثاني يتمثل في تلك الطاقات الرهيبة التي تمتلكها الأجيال الجديدة، وبالذات طاقة التكيف المرن والألفة السلسة مع القيم والتقاليد التكنولوجية الجديدة، مما يجعلها مرشحة للانخراط في المستقبل بسهولة وبأقل تكلفة. إن هذا الواقع يعني، أننا مطالبون بالكثير من الجهود والتضحيات الباهظة والمكلفة من أجل الحصول على موقع في المستقبل، وهو المستقبل الذي بدأت مساحاته تتقلص بفضل المنافسة والسرعة في حجز ما هو متوفر من أماكن فيه، إلا إذا تمكنا من مصارحة أنفسنا بحقيقة الأمراض التي نعاني منها، والأزمات التي نتخبط فيها ونسارع بكل مسؤولية إلى معالجة الخلل، ومداواة الأمراض ولن يتم ذلكم إلا بشجاعة قوية، ومواقف تاريخية حقيقية.