بعد أن سرت نار البوعزيزي نحو بقية الجسد العربي واستعرت في ليبيا وسوريا بفعل نفخ بعض أفواه الدعاة والمشايخ من الربع الخالي، سمع المواطن السوري لأول مرة في حياته بأسماء بعض الطوائف والمذاهب والقوميات التي كانت منصهرة في الجسم الكبير للوطن السوري الممتد من الحسكة نحو القنيطرة ومن دير الزور إلى اللاذقية وأصبح الشعب العربي يعرف طائفة الرئيس السوري بشار حافظ الأسد، بعد أن كان يعتقد أغلبيتهم أنه مسلم سوري، فامتطى بعض المشايخ المحسوبين على بلاط الحكام صهوة هذا الأمر فحولوا الصراع الذي كان من المفروض بين العرب والمسلمين من جهة و الكيان الصهيوني الغاصب للأرض والعرض من جهة أخرى إلى صراع قبلي في اليمن وليبيا وإلى صراع سني شيعي في العراق والبحرين وسوريا وهكذا دواليك …. فشاهدنا كل أنواع فتاوى التكفير والجهاد والتعبئة التي غابت عن المشهد حين كانت تستباح غزة ليل نهار وحين كانت بيروت تقصف ليل نهار في العام 2006 ،بل سارع سادتهم من الحكام والملوك آنذاك إلى التواطؤ المفضوح مع العدو الإسرائيلي فسمعنا بصفقات ودعم لوجستي ومناورات مشتركة بين جيوشهم وجيش الاحتلال، فلا يخفى على أي إنسان حر عمالة هؤلاء الحكام مع إسرائيل، كما لا يخفى على الجميع من هم هؤلاء المشايخ الذين يرسمون ذلك المخيال المنبطح أمام العدو الحقيقي موهمين مريديهم أنه عدو واضح وليس بأخطر من العدو الخفي، ويجتهد كل منهم في إيجاد هذا العدو حسب ما تقتضيه مصالح أسيادهم الملوك وما تقتضيه الإملاءات الأمريكوصهيونية فنراهم يوما يكفرون طائفة ما ويتلقون كل الدعم في سبيل إغراق الأمة الإسلامية في طوفان الفتن المذهبية والدينية بين أبناء الدين الواحد، بل وبين أبناء الجغرافيا الواحدة وإبعادهم عن القضية الأساس الجديرة بالدعم والمناصرة فنجد في الطرف الآخر بعض الدول الإسلامية وغير الإسلامية تعطي ذلك النموذج الحسن بوقوفها مع القضية الفلسطينية دعما ونصرة بالعدة والعتاد، وهذا ما يحسب لجمهورية إيران الإسلامية التي صرح بحقها قائد كتائب القسام أبو عبيدة الذي نوه بالدعم العسكري والمادي والمعنوي وذهبت إيران أبعد من ذلك بدعمها المقاومة بتقنيات صناعة الصواريخ تحت عنوان لا أعطيك السمكة بل أعلمك كيف تصطاد، هذا الموقف الجدير بالذكر والثناء يعري حال بعض الدول العربية والإسلامية المنبطحة التي تبكي ليل نهار عما يسميه البعض بالغزو الفارسي والمد الشيعي وغيرها من التسميات التي تسعى من خلالها إلى تعليق فشلها وعمالتها وعجزها عن إدخال نصف رصاصة للمقاومة الباسلة في غزة على شماعة الصراع السني الشيعي، وإلا لماذا لم تشتكِ هذه الدول من ما تسميه بالمد الفارسي في عصر إيران الشاه العميل لأمريكا وإسرائيل بل وكان يسارع حكام الخليج وأبواقهم نحو تقبيل يديه لينالوا رضاه، وكان الشيعة آنذاك إخوانا لنا في الإسلام ولم توجد أي مشكلة بيننا وبينهم، لكن بعد التحول الجذري والدراماتيكي الذي جاء نتاجا للثورة الإسلامية التي قام بها الخميني الرافض لسياسات الاستكبار العالمي، أصبح جلاوزة أمريكا في الخليج يروجون للآيديولوجيا الجديدة والمسار الجديد الذي رسمت أسسه وهندست تفاصيله علب التفكير في بريطانياوأمريكا ورجالات الاستخبارات في الغرب التي أسست للحروب الطائفية لتفتيت المفتت وتجزيء المجزأ، لهذا انحرفت بوصلة بعض الدول العربية بعد ذلك من الحرب العربية الإسرائيلية إلى الترويج للخطر الإيراني في المنطقة وحصر الصراع في صراع فلسطيني إسرائيلي … اللهم بعض الدول التي بقي اتجاه بوصلتها ثابتا نحو السعي لتحرير ما يمكن تحريره من الأراضي المحتلة أو الصمود في وجه الاعتداءات الصهيونية وكفالة حق الدفاع على النفس للمقاومة الفلسطينية، وقد تجلى هذا الدعم في شكليه المادي أو المعنوي أو كليهما، ونذكر من بين هذه الدول التي لا زالت فلسطين موجودة في وجدانها سورياوإيران والجزائر وفنزويلا وبعض دول أمريكا اللاتينية الأخرى وهو ما تُرجم في مواقف هذه الدول وتحركاتها في المؤسسات الدولية لإيقاف العدوان الإسرائيلي الغاشم على الشعب الفلسطيني أو اللبناني في ما سبق عكس الأكثرية الصامتة التي لا يُسمع صوتها في هذا الصدد، لهذا فالصراع الآن بين محورين محور عدو وهو محور الاستكبار العالمي بقيادة أمريكا وما دار في رحاها و محور مقاوم رافض لكل السياسات الأمريكية في العالم والداعم لحركات المقاومة في فلسطين ولبنان … لهذا احترموا عقولنا فالحق بيِّن والباطل بيٌن كما العدو بيٌن والصديق بيٌن . ولنا في الجولان صولات عما قريب.