لم يكن صديقي الصومالي يدري أني أتابع ما يقوم به بدهشة، فلقد كان يرسل أموالا من الدوحة إلى أهله في مقديشو بواسطة هاتفه النقال، كتمت خيبتي حين تذكرت أن الجزائرلا تعرف بعد الدفع الإلكتروني وأن الصرف مازال يتم في ساحات المدن وشوارعها. كلما هممت بمغادرة الوطن، طرح علي عون الجمارك سؤاله الأبدي المتعلق بمبلغ " الدوفيز " الذي أحمله، يتكرر السؤال اللازمة هذا على كل المغادرين، حيث لايمكن لأي جزائري سواء كان من الإطارات العليا أومواطنا عاديا إلا أن يقتني من " السكوار" أو بنك الفضاء المفتوح -كما يسمى- ما يحتاجه من العملة الصعبة بسرعة عالية وثقة كاملة، حيث لاغش فيه ولا تدليس .. في وقت تحولت فيه ما تسميها الدولة ب "منحة السفر" إلى "محنة العار" التي لاتكفي للمبيت ليلة واحدة في الخارج. تابعت منذ يومين في القناة الثالثة للتلفزيون الجزائري، برنامجا في الموضوع ذاته..حاول المشاركون فيه تشريح ظاهرة تخلف المؤسسات المالية التي تنفرد بها الجزائر في العالم، والتي لا أعرف لها مثيلا إلا في كوريا الشمالية. استضاف البرنامج تاجر عملة من قسنطينة، استطاع تشخيص المرض الذي يعتري هذا القطاع بشكل بسيط ومنهجي، ما زالت أجهزة الدولة البيروقراطية تنظم من أجل دراسته اللجان والمبادرات، وتعقد له ندوات وتخصص له ميزانيات هي في غنى عنها إن هي استمعت لما قاله صاحبنا المتمرس في اقتصاد الواقع. قال التاجر بعفوية: إن سوق " الدوفيز " ضرورة اقتصادية في غياب دور البنوك، وأن السعر الحالي لليورو هو سعر حقيقي في السوق، فقيمة الدينار تدنت، لأن الجزائر لا تنتج شيئا يُذكر، وأن عماد الاقتصاد حاليا هو الاستيراد والاستيراد فقط، وأضاف ضيف آخر، أن الحل يكمن في رفع قيمة التحويل للمسافرين والطلبة والمرضى الذين يطلبون العلاج في الخارج، والأهم من ذلك محاربة الفوترة المبالغ فيها من طرف مستوردين يشترون العملة الصعبة بسعرها الرسمي من البنوك ويعيدون بيعها بسعر السوق السوداء، ناهيك عن دعم انتاج السلع الوطنية والحد من الاستيراد العشوائي الذي دعمته السلطة لسنوات طويلة، وتطاول الآن إلى أن أصبح يشكل خطرا اقتصاديا وأمنيا على البلاد، فهل تكفي تمنيات رئيس الحكومة باسترجاع مبلغ 40 مليار دولار السائبة في الاقتصاد الموازي، أم أن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية من الصعب توفرها حاليا في ظل سطوة سلطة المال وشرائه لذمم أهل السياسة.