قُدّمت مسرحية "ديك المزابل" على خشبة المسرح الجهوي "صراط بومدين" بسعيدة، ضمن المنافسة الرسمية للأيام الوطنية للديودراما، مقدّمة رؤية مسرحية جريئة تتأرجح بين السخرية والعمق الفلسفي، وهي من تأليف طلال نصر الدين، إخراج عيسى جقاطي، وأداء الثنائي العربي عيسى سيد علي ومحمد شكيب خير، وإنتاج جمعية "شباب الفن" بالتنسيق مع المعهد العالي لمهن فنون العرض. يأخذنا النص في رحلة عبر فضاء متخيّل لكنّه شديد الواقعية، حيث تتقاطع حياة شخصين يبدوان كأنّهما ينتميان لعالمين مختلفين عجوز ريفي انتهت به الحياة إلى مزبلة معزولة، جعل منها ملاذه الأخير ومملكته الخاصة، وشاب تقاذفته الحياة حتى وجد نفسه في المكان نفسه، وكأنّهما يجسّدان مراحل مختلفة من خيبة الإنسان. تثير المسرحية أسئلة وجودية عميقة حول الواقع المعيش، الهروب، العزلة، وأزمة المعنى، لكنّها لا تطرحها بطريقة ثقيلة أو مباشرة، بل عبر حوارات سلسة، ساخرة ومشحونة بالمفارقات، تجعل المتلقي في مواجهة مع نفسه ومع المجتمع الذي أنتج مثل هذه النماذج البشرية الهائمة. تألق العربي عيسى سيد علي ومحمد شكيب خير في تقديم شخصياتهما، حيث اتّسم الأداء بالتناغم، فنجحا في تجسيد التناقض بين شخصية العجوز القابلة بالقدر، والشاب المتمرّد على المصير. اعتمد الممثلان على لغة جسدية معبّرة، حيث جاءت حركاتهما مدروسة، تعكس القلق الوجودي الذي يعيشه كلّ منهما، ليقدّما عرضًا يجمع بين الكوميديا السوداء والدراما العميقة. جاء الفضاء المسرحي ليؤطر هذه المواجهة العبثية بين الشخصيتين، إذ عبّر الديكور عن بيئة مهملة وفوضوية، تجسيدًا للمزبلة التي ترمز للعالم المتهالك، الذي لفظ أبطاله إلى الهامش. وتضعنا المسرحية أمام مفارقة قوية، رجل انتهت حياته لكنه لا يزال يعيش، وشاب لا يزال حيًا لكنّه يعتبر نفسه ميتًا، هذه الثنائية تعكس إحباط الإنسان العربي أمام الواقع المتأزّم، حيث تبدو الحياة مجرّد امتداد للخيبة والخذلان، والوجود نفسه يتحوّل إلى عبث فارغ من المعنى. لكن على الرغم من الخلفية السوداوية التي ينطلق منها النص، فإنّ المسرحية لا تخلو من لحظات طريفة وتعليقات ساخرة ونكات تخفف من حدة الطرح الفلسفي، لتصل الرسالة إلى المتلقي بأسلوب سلس ومؤثر في آنٍ واحد.