عُرضت مسرحية "أسدرفف"، على خشبة المسرح الجهوي "صراط بومدين" في سعيدة، وذلك ضمن المنافسة الرسمية للأيام الوطنية للديودراما. العمل، الذي يحمل بصمة التعاونية المسرحية "مشاهو"، مستوحى من النص المسرحي "الكراسي" للكاتب يوجين يونيسكو، في توليفة فنية تجمع بين العبثية والواقع، لتقدّم رؤية درامية مغايرة تتناول أسئلة الوجود والعزلة. أبدع المخرج صادق يوسفي، الذي أعاد كتابة النص إلى المتغيّر اللغوي القبائلي، في تقديم معالجة مميّزة للنصّ الأصلي، محافظًا على روحه العبثية، لكنّه أضفى عليه بعدًا محليًا يستمد من بيئته الجزائرية، ما جعل العمل أقرب إلى المتلقي. وقد وظّف فضاء المسرح بطريقة ذكية، حيث لعبت الإضاءة والديكور دورًا جوهريًا في عكس الجوّ النفسي الذي يعيشه البطلان. أما الأداء التمثيلي، فقد كان لافتا من خلال الثنائي فريزة شماخ ورحموني أوزيان، اللذين نجحا في شدّ انتباه الجمهور منذ اللحظات الأولى. فقد تناغم الممثلان في تقديم حوارات تحمل في طياتها فلسفة الحياة واللاجدوى، بأسلوب ساخر ومؤثّر في آنٍ واحد. كانت انفعالاتهما مدروسة، وحركاتهما على الخشبة محسوبة بدقة، ما أضفى على العرض حيوية وإيقاعا متناغما. تتجلى قوّة المسرحية في نصّها الذي يعكس معاناة الإنسان في مواجهة العزلة والانتظار، وهو ما عكسه صادق يوسفي من خلال شخصياته التي بدت تائهة وسط الزمن والمكان. وقد حمل العمل أبعادًا فلسفية عميقة بأسلوب بسيط وساخر، ما جعله قريبًا من الجمهور على اختلاف مستوياته الثقافية. تأتي مسرحية "أسدرفف" (وتعني الهذيان)، كعمل فني يجمع بين الطابع العبثي والتأمّل الفلسفي، متكئا على المسرح اللامعقول، وهو تجربة فكرية تنبش في أسئلة الوجود الإنساني ومآلاته، عبر طرحٍ يزاوج بين السخرية التراجيدية والفراغ الوجودي. يستند النص إلى مسرحية "الكراسي" للكاتب الروماني- الفرنسي أوجين يونسكو، أحد روّاد المسرح العبثي، حيث يستعيد نفس الموضوع الرئيسي، زوجان مسنان يعيشان عزلة مطلقة، في فضاء مغلق، يتقاذفهما الانتظار والوهم، ويحاولان إثبات وجودهما عبر رسالة أخيرة إلى العالم. غير أنّ المخرج صادق يوسف، في معالجته النصية، عمد إلى توطين القصة في السياق الجزائري، موظّفًا اللغة والموروث الثقافي، ليخلق من النصّ الأصلي مادة درامية تحمل بصمة محلية، دون أن تفقد بعدها الكوني. والمسرح العبثي يعتمد كثيرًا على تجريد الديكور، وشحّ العناصر البصرية، وإبراز السكون كعنصر درامي، وهو ما نجحت فيه المسرحية إلى حدّ كبير. جاءت السينوغرافيا، التي صممها عبد الغني شنتوف، في غاية البساطة والتجريد، إذ لم تعتمد سوى على باب، نافذة، خزانة، وعدد من المقاعد، وكأن الفضاء المسرحي هو امتداد للفراغ الداخلي الذي يعانيه الشخصان.