زوجات مقهورات يطرقن أبواب العيادات النفسية ح/سامية تمر مؤسسة الزواج بالمشاكل والتحديات إذا صادفت ظروفا اجتماعية قاسية، أما إذا صادفت نفوسا ضعيفة ومرهفة الإحساس، فالنتيجة تكون أكثر مأساوية وتنتهي بالزوجات في نهاية المطاف على أعتاب العيادات النفسية. تغصب النساء في مجتمعنا على الاستمرار في الزواج مهما بلغت درجة بؤسهن ومعاناتهن، ويمار س عليهن الأهل الضغوطات حتى في عز القهر والعجز عن الاستمرار، ففي النهاية لا أحد يقبل بطلاق ابنته، و في الوقت نفسه لا أحد يمكنه تفهم ما تتجرعه بعض المغلوبات على أمرهن مهما كانت درجة القرابة لأن الجرح لا يضر إلا صاحبه. الزوج الخائن.. أقسى تجربة تواجه غنية سيدة في العقد الثلاثين مشاكل نفسية كبيرة حددها الأخصائيون بالاكتئاب الذي أصابها جراء تحملها ما لا تطيقه أي امرأة في العالم، فزوجها يخونها جهارا نهارا ولا يكترث لمشاعرها لأنه مدرك تماما بأن لا مأوى لها ولا والدين، أو كما يقول المثل الشعبي عندنا"اكتافها باردين"، وحينما اشتكت لشقيقها الوحيد وقصدته "غضبانة"، قال لها"تحملي مثل ما تتحمل الزوجات"، وفعلا تحملت غنية ما لا يحتمل وفضلت أن تتنازل عن كرامتها بالصمت المهين إزاء إهانات زوجها حفاظا على كيان الأسرة، لكن بالنهاية هي إنسانة أوقعها التنازل في دوامة الانهيار النفسي وانتهى بها الأمر في العيادات النفسية لعلاج الاكتئاب الحاد، حيث صارت تقضي أغلب ساعات النهار نائمة من تأثير المهدئات تاركة العالم وراءها، أما زوجها فلم يكترث لحالها أبدا وراح يتعرف على المزيد من الصديقات والخليلات يغدق عليهن الهدايا ويخرج معهن أمام الملأ ويتحدث معهن هاتفيا في أي وقت، حتى في بيت الزوجية. العائلة الكبيرة والتدخلات السافرة تعاني الزوجة التي تقطن وسط العائلة الكبيرة غالبا من تدخلات أهل الزوج في كل شؤون حياتها، فلا هي بإمكانها صدهم ولا زوجها يستطيع مواجتهم برغبته في عدم التدخل بخصوصيات حياته حرصا على علاقته بهم، فهم أهله وخاصة إذا تعلق الأمر بالأم والشقيقات. ما حدث مع عائشة التي تأخرت في الإنجاب كان متوقعا، فطالما أنها تعيش وسط العائلة الكبيرة لن تسلم من تدخلاتهم، ورغم أن المسألة لم تثر أي مشاكل بينها وبين زوجها المحب والمؤمن بالقدر، إلا أن أهله ظلوا يرمونها بالكلام الجارح ووصل بهم الحد إلى اتهامها بالسحر، وإلا فكيف أبقى عليها زوجها وظل يحبها ويحترمها وكأن لا شيء ينقصه في حياته، هذا ما ظلت تسمعه منهم وتلزم الصمت على مضض احتراما لزوجها.. استاءت عائشة كثيرا لما آل إليه وضعها بين أهل زوجها وقررت أن تطلب منه بيتا مستقلا يأويهما بعيدا عن المشاكل والمنغصات، لكنه رفض وأخبرها بأنه وضع كل ماله في بناء طابق مستقل بين أهله للاستقرار ومن غير الممكن أن يضحي به وطالبها بالصبر والتحمل وأن ترمي وراء ظهرها ما تسمعه من سخافات، طالما أنهما متفقين، لكن الأمر ليس بالسهولة التي تصورها، لأن الكلام الجارح يستقر بالنفس البشرية ويؤذيها، خاصة عند مواجهة الإهانة بالصمت، ساعتها تظهر المعاناة النفسية كنتاج طبيعي للمعاناة. وعائشة التي ظلت تكتم ما تلقاه من سوء معاملة لم تلبث أن وقعت فريسة للانهيار العصبي، وهي اليوم تعيش على المهدئات. مشكلة سعاد لا تقل مأساوية عن سابقتها، فهي الأخرى قوبلت بالرفض من قبل أم زوجها بسبب شكلها الخارجي، فقد رفضتها منذ البداية لأنها غير جميلة وبدينة، أما ابنها فهو زينة أبناء الحي كما تقول عنه، ومنذ البداية ظلت سعاد تواجه الكلام الجارح، فهي غير مسؤولة عن شكلها وعن قلة جمالها وهي لم تفرض على زوجها الوسيم أن يختارها دون عن كل الجميلات، فقد رأى فيها ما لم يره الآخرون من طيبة وسماحة وحسن خلق وتهذيب، لكن كل ذلك لم يشفع لها مع أم زوجها للأسف، وظلت تعاني وتكبدت الإهانات اليومية إلى أن جاء اليوم الذي طرقت فيه أبواب النفسانيين تعالج تلف أعصابها والاكتئاب الذي لازمها منذ الزواج. إدمان الأزواج بوابة الأمراض النفسية أسوأ الضغوط التي تواجهها الزوجات هي ضغوط الأزواج المدمنين على الكحول أو على المخدرات، فالمعاناة هي نفسها من إهمال ومرارة عيش، فلا أمرّ من زوج يصرف ماله على مزاجه ولا يلتفت إلى متطلباتهم في هذه الحياة، فأمثال هؤلاء يعتبرون مستقيلين من مسؤولياتهم الأسرية، همهم الوحيد هو توفير المشروب أو المواد المخدرة التي تنقلهم إلى عالم وردي بعيدا عن أعباء الأسرة، وأمثال هؤلاء الأزواج في الأصل هم من المرضى النفسيين، لكن شريكات حياتهم يصبن بالتأكيد بالاضطرابات النفسية، خاصة إذا كانت الزوجة غير مستقلة ماديا، لأنها حينئذ ستعيش معاناة مزدوجة الصبر على زوج مدمن وعلى الفقر والحاجة. ربيعة واجهت مثل هذا المصير، فقد تزوجت مبكرا دون أن تتم دراستها أو تتعلم أي حرفة في الحياة، ولم تلبث أن أنجبت ثلاثة أبناء الواحد تلو الآخر رغم أن ظروفها الاجتماعية كانت سيئة من الأول، لكنها لم تكن تعرف ما بزوجها إلا بعد فترة طويلة، ذلك لأن إدمانه تطور مع كثرة المسؤوليات التي وقعت على عاتقه، فترك عمله وأهمل أسرته كما صار يضربها ويعنّف أبناءه ويستدين من أجل الحصول على المخدر ويبيع كل ما يقع بين يديه، حتى ما يجود به أهل البر على زوجته البائسة أو يتصدق به الأهل عليها يأخذه لنفسه ويصرفه على مزاجه.
أخصائية علم النفس بديعة بن محمد: كبت المشاعر يسبب الاكتئاب أكدت الأخصائية النفسانية بديعة بن محمد، تباين ردود أفعال الزوجات إزاء المشاكل والضغوط ، فهناك من تختار التزام الصمت مما يسبب لها القهر النفسي ويوقعها في دوامة الأمراض النفسية، فتنعزل عن العالم، فالكبت تنجم عنه أمراض عصبية ونفسية وقلق واكتئاب نفسي، فتتحول طاقتها العاطفية إلى أمراض عصبية وتوتر زائد، لافتة إلى أنه كلما ضعف الوازع الديني للمرأة كلما وقعت فريسة للاضطرابات النفسية، وأضافت أن المرأة أكثر عرضة للإصابة بالانهيار العصبي، كونها الحلقة الأضعف في مجتمعنا ومعرضة دائما للتعطيب النفسي والمعنوي والجسدي بسبب هيمنة الرجل وتسلطه وبسبب الضغوطات الاجتماعية التي تضطر لتحملها، لذا نجد الانهيارات العصبية أكثر انتشارا في صفوف النساء، خاصة المتزوجات اللواتي لا يتمتعن بالاستقلالية. وأكدت بن محمد، أن تفاقم المشاكل النفسية اليوم هو نتيجة لتشعب المشاكل الاجتماعية، خاصة مع توسع العائلات وتشاركها في منزل واحد بسبب أزمة السكن التي يعاني منها الأزواج، الأمر الذي يسبب الضغوط بالدرجة الأولى على الزوجات، فالمرأة في مجتمعنا مطالبة بتجاوز كل المحن من أجل الحفاظ على بيت الزوجية، وإذا حدث وانهارت مؤسسة الزواج فسيحاكمها المجتمع على أنها المسؤولة الأولى عن ذلك.