يعيش العالم العربي في الآونة الأخيرة، ظاهرة تصعيد الانتقادات على الفر قاء السياسيين من التيار الإسلامي، وتضارب المزاعم حول مدى إيمانهم باللعبة السياسية والآليات الديمقراطية في طريقهم لبلوغ السلطة، مع تعاظم مفهوم الإسلام فوبيا وولوج التنظيمات المتطرّفة لبرامج وجداول عمل لكبريات المؤتمرات والمجالس المصغّرة لما أصبحت عليه كفاعل رئيسي في رسم خريطة الشرق الأوسط والعالم العربي بشكل خاص وما تشكّله من تهديد للمصالح الغربية واقتصادياتها بشكل عام، ففي عملية استقراء للشارع العربي نحس بوجود نوع من التباعد والنفور من التيار الإسلامي لما يحيطه من غموض وخاصة في الجانب الكيفي لتسيير الدولة و مؤسساتها في عالم معاصر ينادي بالحريّة و الديمقراطية، و نلتمس من جهة أخرى، تمنيات لبلوغ حلم الدولة الإسلامية الحقّة، دولة العدل والمساواة، دولة تطبّق فيها معالم الشريعة الإسلامية. من جهتها، الجزائر كان لها الدور الأبرز في تحديد موقف صناع القرار العرب والمسلمين اتجاه التيارات والأحزاب الإسلاموية وتحديد نمطي لفكر الإسلام السياسي، وذلك وفقا لتجربة معقّدة عاشتها الجزائر تداخلت فيها المعطيات وتوزعت فيها الأدوار وتقاسمت فيها المسؤوليات حول من كان السبب ومن أدخل الجزائر في حمام الدماء، لكن السؤال المطروح هو: هل كان للإسلاميين حكم الجزائر بطريقة ديمقراطية لولا وقف المسار الانتخابي ودخول الجزائر في صراعات سلطوية وتضارب مصالح هرم السلطة وأعمدتها؟، سؤال تكون الإجابة عنه صعبة وفقا لافتراضات كانت لتكون حجج الصلاح بالنسبة للإسلاميين من جهة، وكانت لتكون الإجابة نعم، وفقا للتقارب من جهة أوالتعاطف من جهة أخرى بين حزب الجبهة الإسلامية للإنقاذ والشعب الذي كان مصدر تزكية كانت واضحة ورضائية، وذلك قصد معاقبة حزب قد هيمن على الحكم أنذلك وفرض نمطا سياسيا قيّد الحريات إذا تكلّمنا في ذلك عن الأحادية الحزبية و معالم الدكتاتورية، لكن مع ذلك، فإنّ الحزب الإسلامي إذا لم يوقف المسار الانتخابي لم يكن هناك أي مؤشّر واضح على التزامه بقواعد اللعبة السياسية أو أي رابط أخلاقي أو سياسي يلزمه بالتقيّد بأسس الديمقراطية التي هي بالأساس فكرة غربية مصطنعة لدى البعض ووسيلة لبلوغ السلطة لا غير عند البعض الآخر. يمكن القول أن السلطة السياسية آنذاك، قد تكون قد استبقت الأحداث في حكمها على التيارات الإسلامية التي كانت فاعلة في أول تجربة ديمقراطية في الجزائر، و عدم منحها فرصة المشاركة التي كان من الممكن أن تكون فعّالة دون الولوج في صراعات سياسية كان الاستقرار ثمنا لها يشترك في مسؤولية وضع الجزائر الراهن جميع الأطراف التي لم تحسن التقدير للمشهد السياسي وأقرت بعدم نضجه في سابقة اعتباطية كلّفت الجزائر إجهاض أول تجربة تعددية شفّافة كان الشعب مصدرها، وهل يختلف حكم الجزائر الراهن ودرجة الرضي الشعبوي عن ما كان عليه قبل 25 سنة، وما أشعل فتيل أحداث أكتوبر 1988، ممّا يؤكّد عدم وجود تجانس ولا تفاعل مؤسسي في نظامنا السياسي، سواء كان التيار إسلاميا أو علمانيا أو قوميّا. المشكل لدينا هو مشكل ثقافة حكم، وانعدام الراشدة والفعالية وابتعاد النخب السياسية عن الصلاح في تدبير شؤون البلاد.