تحولت أفغانستان إلى أسطورة لدى الإسلاميين الجهاديين وقلعة لإنطلاق الجهاد مجددا ضد الأنظمة العربية ذات الطابع التسلطي، والتيار التوفيقي المعتدل الملتزم بالمطالبة السلمية، وهذا ما مثله الإخوان في مصر والأردن. تأسس تنظيم الإخوان المسلمين في نهاية العشرينيات، ومنذ ظهور الجماعة طرحت نفسها على صعيد الخطاب والإيديولوجيا كبديل، ليس فقط للنظام القائم بل للإيديولوجيات السائدة في ذلك الحي، مثل الإيديولوجيا الليبرالية والإيديولوجيا الإشتراكية وصولا إلى الإيديولوجيات القومية التي وصلت إلى الحكم في العهد الناصري في مصر، وفي ظل حكم البعث في سوريا والعراق، واتسع ذلك إلى الإيديولوجيا الوطنية ذات الطابع الشعبوي والإشتراكي في بلد كالجزائر واليمن الجنوبي.. ولقد تحول الخطاب والإيديولوجيا إلى نظرية واعتقاد إسلامويين رفعا شعار “الإسلام هو الحل" من منظار شمولي وشامل، خاصة بعد إخفاق الإيديولوجيا القومية إثر الإنهزام الساحق في جوان 67 لمصر الناصرية أمام الجيش الإسرائيلي. وتحولت المنطقة العربية، مشرقا ومغربا، إلى فضاء حقيقي انتعش على أرضه النشاط الإسلاموي الذي تغلغل كثقافة وسلوك وإيديولوجيا في الأوساط الشعبية، لكن أيضا في أوساط النخب من الطبقة الوسطى.. وتحولت الإسلاموية إلى سلطة مضادة فعلية لها بنيتها وأجهزتها وشبكاتها وتياراتها المتنوعة والمتراوحة بين النظرة السلفية التي تدعمت أقدامها وسطوتها بسبب الطفرة النفطية في المملكة العربية السعودية، التي تحولت إلى قوة إقليمية وقطب رئيسي دخل مشهد الإسلام السياسي، والواجهة السلفية الجهادية التي اشتد عودها بشكل خاص بعد انهزام القوات السوفياتية على يد المجاهدين الأفغان، بالإضافة إلى تمكن الإخوان في السودان من الإستيلاء على الحكم بالتحالف مع العسكر لفترة معينة.. وكانت التجربة الديمقراطية الناشئة التي رأت النور إثر أحداث أكتوبر 88 في الجزائر المؤشر الصارخ على إمكانية استفادة الإسلاميين من جو الإنفتاح والحرية، وكانت الإنقاذ بمثابة ظاهرة ساطعة عن تلك القدرة الهائلة للخطاب الإسلامي على التجنيد والإستقطاب.. ورغم أن المسار الإنتخابي الذي منح للإسلاميين الراديكاليين والشعبويين نصرا مبينا قد تم إجهاضه بعد المواجهة الصاخبة بين العسكر وحلفائهم والإسلاميين الراديكاليين، وقد ترتبت عن ذلك حقبة خطيرة أصبحت فيه الكلمة للقوة والعنف، إلا أن شعار الإسلام هو الحل، ظل يحتفظ بحيويته ووعوده وقوته حتى بات يشكل يقينا لا يرتقي إليه الشك لدى أنصار المشروع الإسلامي ولدى شريحة عريضة لم تكن منخرطة في هذا المشروع.. وكانت أحداث 11 سبتمبر بمثابة الضربة التي جلبت بعض النقمة على الإسلام الجهادي، خاصة بعد تداعيات سقوط الطالبان واحتلال العراق من طرف القوات العسكرية للولايات المتحدة وبريطانيا. لكن ذلك لم يمنع الإسلاميين الإعتداليين من طرح أنفسهم بديلا عن الأنظمة التسلطية عبر الإلتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية والمشاركة السلمية في إدارة الشأن العام. وقد حاول الإسلاميون الإعتداليون إبراز مثل هذه النية في الحوار من خلال انخراطهم في الحوار مع القوميين العرب والوطنيين والعلمانيين في عدة منتديات عربية وعالمية.. وشجعت الولاياتالمتحدة وقوى غربية رسمية وكذلك منظمات غربية غير حكومية على مثل هذا التوجه للإسلاميين الإعتداليين.. وعندما اندلعت شرارة الثورات العربية لم يفاجأ الرأي العام الغربي وكذلك العربي، من ذلك الصعود الملفت للنظر للإسلاميين إلى الحكم عبر الإنتخابات التي كانت لأول مرة تتميز بالشفافية والحرية.. واستعد العالم للتعاطي مع الإسلاميين ضمن نظام ديمقراطي، لكن ما كان مخيبا للآمال هو ذلك الضعف الذي ظهر به الإسلاميون في أول تجربة حقيقية لهم في ممارسة الحكم.. وكشف المثال المصري بشكل واضح ودقيق الفشل الذريع لما كان يرفعه الإسلاميون من شعارات مثل “الإسلام هو الحل".. لقد فشل الإسلاميون في الوفاء بوعودهم في جميع المجالات، لقد أثبت إخوان مصر مثلا فشلهم في وضع دستور توافقي وفي تشكيل حكومة مصالحة وطنية، حيث جنحوا نحو أخونة الدولة ومؤسساتها بشكل تعسفي وإقصائي وشمولي، كما فشلوا على المستوى الخدماتي بحيث جعلوا من صوتوا عليهم وعلى المشروع الإسلامي البديل يتحسرون على عهد مبارك، وفشلوا أيضا على توفير الأمن بحيث انعكس ذلك سلبا على وضع السياحة التي أصبحت تعيش أحلك فتراتها في تاريخ مصر، فلم تعد قادرة على تشغيل أكثر من 18٪ من قدراتها، وفشلوا في توفير ضرورات الحياة بالنسبة للمواطن المصري بحيث أصبح المصري يعاني بشكل يومي من انقطاع الكهرباء وأزمة يومية في البنزين وأزمة في رغيف الخبز. كما انهار الإحتياط في العملة الصعبة من 36 مليار دولار في عهد مبارك إلى 7 ملايير في عهد حكم الإخوان. وعلى المستوى السياسي لم يتمكن الإخوان أن يشكلوا ائتلافا حتى مع بقايا الأطياف الإسلامية، مثل سلفيي حزب النور، دون الحديث عن الإئتلاف مع القوى السياسية الأخرى. ونفس الشيء ينطبق على ما يحدث في تونس مع النهضة.. هذه بعض المؤشرات التي أصبحت توحي أن الحل الإسلامي الذي طالما بشر به الإسلاميون كبديل قد دخل مرحلة الفشل، وبالتالي يطرح السؤال، العرب إلى أين؟!!.