ح/سامية لم يمر على إعلان نتائج البكالوريا سوى ساعات قليلة حتى بدأت أخبار الانتحار في أوساط التلاميذ المخفقين تتفشى، خاصة في أوساط الفتيات، الأمر الذي أرجعه البعض إلى ضعف الوازع الديني لدى الطلبة، في حين اعتبر آخرون بأن السبب يكمن في غياب دور أغلب الأخصائيين النفسانيين المتواجدين على مستوى الثانويات وضغط الأولياء المتواصل حتى بعد فوات الأوان. لم يكن من السهل على طلبة تعبوا طيلة سنة دراسية كاملة على أمل أن تتوج جهودهم بالنجاح تحمل مرارة الإخفاق في البكالوريا، كما لم يكن من الممكن التنبؤ بردة فعلهم اليائسة تجاه الفشل، عشرات التلاميذ أقدموا على الانتحار منهم من نجح في ذلك ومنهم من اكتفى بشرف محاولة التخلص من تبعات الضغط والإحباط، أو كتبرير مبالغ فيه لجلب تعاطف الأولياء ممن لا يتورعون على إلحاق الأذى النفسي بأبنائهم. محاولات انتحار وإغماءات في أوساط المخفقين استيقظ مواطنو خنشلة على هول الصدمة، بعد أن انتشر خبر إقدام ثماني مرشحات في البكالوريا على الانتحار مباشرة بعد سماع خبر إخفاقهن في الحصول على الشهادة، الحوادث اهتزت لها المدينة، خاصة وأن كل الضحايا من جنس الإناث، بحيث لجأت ستة منهن إلى شرب مواد التنظيف السامة كماء الجافيل وكميات معتبرة من الحبوب، في حين قامت إحداهن برمي نفسها من الطابق الرابع، إلا أنها لم تصب إلا بكسور وحولت على إثرها إلى المستشفى، الضحايا نقلن على جناح السرعة إلى مستشفى خنشلة، حيث قدمت لهن الإسعافات الأولية من غسيل للمعدة وتجبير للكسور. فيما أقدمت طالبة على محاولة الانتحار ببلدية وادي الفضة بالشلف، الضحية رمت بنفسها من طابق بإحدى العمارات عقب علمها مباشرة برسوبها في امتحان شهادة البكالوريا، ما تسبب في إصابتها بجروح وكسور خطيرة عجلت نقلها إلى مصلحة الاستعجالات بمستشفى أولاد محمد لتقلي العلاج الضروري. كما سجلت ثلاث محاولات انتحار في أوساط الطلبة المخفقين بولاية البويرة، أما حالات الإغماء فحدث ولا حرج، فقد اكتظت أقسام الاستعجالات عبر الوطن بالمئات من الحالات التي توجبت التكفل السريع والإنعاش. أقسام الاستعجالات عاشت حالة من الطوارئ شهدت مختلف أقسام الاستعجالات حالة من الطوارئ بسبب توافد عشرات المخفقين في البكالوريا، أغلبهم من الفتيات اللواتي لم يتحملن الصدمة، تقول حياة أم لطالبة فشلت في الحصول على "الباك" في تجربتها الأولى"لم أدر بنفسي حتى وجدت ابنتي قد وقعت مني أثناء نوبة البكاء التي انتابتها ولم تفق إلا وهي في المستشفى، حيث حملناها إلى قسم الاستعجالات بالمستشفى الجامعي لمصطفى باشا، وقدمت لها الإسعافات الأولية، لكننا اكتشفنا هناك الكثير من الحالات منها من أصيبت بالإغماء وأخرى بنوبة من القيء الشديد بسبب الصدمة، في حين جيء بإحدى الفتيات لغسل المعدة، وقيل لنا إنها حاولت الانتحار بمجرد سماعها لخبر فشلها. وترددت السيدة قبل أن تكمل كلامها "أكثر ما يزعج من فشلوا في الحصول على البكالوريا هم الناجحون، فمظاهر الفرح المبالغ فيها والزغاريد والموسيقى الصاخبة المنبعثة من البيوت والسيارات، ..كل هذا يؤثر سلبا في نفسية الراسبين، ..ليت الناجحين وعائلاتهم يرأفون بنا وبأبنائنا". بعض المخفقين دخلوا في إضراب عن الطعام دخل بعض المخفقين في شهادة البكالوريا في إضراب عن الطعام والشراب خلال هذا الشهر الكريم، وبعضهم أضربوا حتى عن الكلام من فرط الصدمة وفضلوا التخفي من أعين الناس وكأن ما حدث لهم هو من سبيل العار، يقول عبد الحميد والد أحد الطلبة النجباء الذي لم يوفق في الحصول على "الباك" "بمجرد سماع مروان لخبر فشله حتى أصابته الصدمة، فلم يعبر حتى عن استيائه ودخل مرحلة من الذهول والحزن العميق الممزوج بالصدمة، إلى درجة أنني خشيت عليه من تداعياتها إذا طالت حالته. فرغم أننا في شهر الصيام، إلا أنه مضرب عن الأكل لا يفطر سوى على التمر والماء ولا يتناول شيئا غيرهما، ويواظب على قراءة القرآن كعادته، وأنا أخشى عليه من هذه الحالة، لأنه إذا واصل على هذا المنوال فسيدخل الإنعاش قريبا، لا أدري ربما كان يعاقب نفسه على الفشل. وصار يتخفى من الناس، خاصة زملاءه ممن حصلوا على البكالوريا حينما جاؤوا لرؤيته رفض استقبالهم. وحاله حال الكثير من الطلبة الذين عجزوا عن مواجهة الفشل لاعتقادهم أنها نهاية العالم، رغم أنها ليست كذلك وكل ما يتطلبه الأمر هو التخلص من الإحساس بالفشل لشحذ العزيمة للموسم المقبل بنفس العزم والإرادة. لكن هذا لن يتأتى إلا بالتكفل النفسي الناجع من طرف المستشارين على مستوى المؤسسات التربوية، وكذا بتفهم الأولياء وعدم مواصلهم الضغط على أبنائهم، خاصة بعد فوات الأوان. الأخصائية بديعة بن محمد ل"الحوار: فكرة الانتحار قد تتولد عن مشاعر الفشل أكدت الأخصائية النفسانية بديعة بن محمد أن أكثر من يخشى عليهم من عواقب الفشل هم التلاميذ الذين لا يعبرون عن مشاعرهم إزاء الفشل ويفضلون الصمت والتكتم على مشاعر الإحباط التي تصيبهم، ذلك لأن أغلبهم يعانون من مشاعر ما بعد الصدمة، وتتفاوت ردود أفعالهم تفاوتا ملحوظا قد يصل مداه إلى درجة الصدمة النفسية. والصدمة هي بمثابة ارتجاج انفعالي ووجداني يتسبب في اضطرابات نفسية أو جسمية أو عقلية متفاوتة نتيجة انفعال بالغ أو حادث مفاجئ وغير متوقع يخل بالتوازن النفسي لصاحبه. وبديهي أن الصدمة لا تحصل إلا لمن لم يقو على امتلاك نفسه أو التحكم في حدة القلق الذي انتابه من هول الحادث الذي يباغته. وعلى إثر ذلك يصاب صاحبها بالإنهاك والتعب أو النكوص إلى مراحل سابقة من النمو، وقد يُغرق في الحزن والكآبة أو يلم به مرض نفسي كالاكتئاب على سبيل المثال. ومن المعروف أن حالة الإحباط والحرمان وخيبة الأمل الناتجة عن الإخفاق في الامتحان كفيلة بتوليد حالة من الانقباض والخور والشعور بالعجز والتعب واليأس. وقد يصل الأمر ببعضهم حينما تحتدم المعاناة إلى طلب الموت أو الإقدام على الانتحار،وليس من المستبعد أن تلازم المخفقين في "الباك" مشاعر سلبية تستمر معهم إلى غاية الأعوام الأخرى، حيث يخشون من تكرار الفشل أو ملازمته لهم. أحمد خالد ل"الحوار": ضعف الوازع الديني للتلاميذ وراء إقدامهم على الانتحار كشف أحمد خالد رئيس جمعيات أولياء التلاميذ في تصريح ل"الحوار" عن أسباب إقدام الطلبة المخفقين في البكالوريا على الانتحار مرجعا السبب الرئيسي إلى ضغط الأولياء والخوف من العقاب النفسي والازدراء، خاصة أن بعض الأولياء لا يدركون عواقب ما يقترفونه في حق أطفالهم، مضيفا أن الانتحار تحول إلى ظاهرة في الجزائر طالت الأطفال في الجزائر سواء المتمدرسين أو غير المتمدرسين. وأكد أحمد خالد أن المقبلين على الانتحار يفتقرون إلى الوازع الديني وهنا يتدخل دور الأولياء أيضا والبيئة الاجتماعية المتشبعة بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، في حين حمل رئيس جمعيات أولياء التلاميذ المستشارين النفسانيين المتواجدين على مستوى المؤسسات التعليمية المسئولية كاملة، ذلك لأنهم لا يقومون بدورهم على أكمل وجه في تحضير التلاميذ نفسيا في حال الفشل. وأكد أحمد خالد عدم وجود إحصائيات حول معدل حالات الانتحار المسجلة على المستوى الوطني في الوقت الراهن.