أعاد الفقر واللامبالاة إلى المجتمع الجزائري أمراضا انقرضت منذ مدة طويلة حيث ارتبطت هذه الأمراض في ذهنية الناس بسنوات بعيدة مثل السل الذي عاد بقوة ليفتك بصحة آلاف من الجزائريين رغم المجهودات المبذولة للقضاء عليه. بيّنت الدراسات التي أجرتها الجمعية الجزائرية للأمراض التنفسية برئاسة البروفيسور نافتي أن حوالي 30 من الأشخاص الذين يبلغ سنّهم ما بين 35 و55 سنة يُعانون حاليّاً من أمراض تنفسيّة، فيما ترتفع النّسبة إلى 60 عند الفئة العمريّة التي تتجاوز 55 سنة ويصيب عددا كبيرا من هذه الفئة. مرض السل مرض تنفسي ينتقل بتنفس الهواء الملوث وفي بعض الأحيان ينتقل بشرب الحليب الملوث ومشتقاته، وتشير الإحصاءات إلى إصابة ملياري شخص حول العالم بالبكتيريا المسببة لمرض السل، أي ما يعادل ثلث سكان العالم، علمًا بأن 90 منهم ينتمون إلى دول نامية. وقد سُجلت 2,9 مليون حالة جديدة للإصابة بالمرض خلال السنتين الماضيتين كما شهد العام الماضي وفاة 7,1 مليون شخص جراء الإصابة بهذا الداء. 27 ألف مصاب في 2008 أبرز تقرير منظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 27 ألف جزائري تعرضوا لمرض السل لاسيما في المدن والأرياف في غرب البلاد، حسب ما أكده التقرير العالمي لمراقبة مرض السل لسنة 2008 ، ورغم أن الجزائر قد عملت منذ استقلالها على انتهاج أسلوب شامل للوقاية والعلاج عبر جميع المراكز والوحدات الصحية مما قلص من نسب الإصابة بهذا الداء إلا أن المؤشرات تؤكد عودة هذا المرض إلى المجتمع الجزائري لأسباب عديدة أهمها الفقر. وتؤكد الدكتورة برناوي أمينة أن السل مرض بكتيري معد يصيب في العادة أقل من 05 إلى 10 بالمائة من الحالات التي تفد إلى المستشفيات، في حين أن باقي الحالات يتم التقاط المرض لديها عن طريق العدوى. وقد حذرت من خطر الاستهانة بالسل، إذ أن انحسار هذا المرض من مخيلة الجزائريين عقب اكتشاف مضادات في السبعينيات قضت عليه مؤقتا، قد محا من أذهانهم تلك الصور الرهيبة التي كان عليها مرضى السل، والنهاية المؤلمة التي كان يصل إليها المريض، ويعتقد الكثير منهم أن مرض السل مرض هين وبالتالي يتساهلون في الاحتياط منه والأخذ بسبل العلاج. والسل هو أحد الأمراض المعدية تسببه بكتيريا تُعرف باسم جرثومة السل الفطرية، ويؤثر هذا المرض في المقام الأول على الرئتين، غير أنه قد يؤثر أيضًا على أي عضو آخر بالجسم. الإهمال والاستهانة بالمرض زاد في انتشاره إن أهم مايعاني منه مرضى السل في الجزائر خاصة في الولايات الداخلية هو انعدام الأدوية الخاصة بهذا المرض في الكثير من المدن الداخلية والقرى النائية، فيتوجه العديد منهم إلى مستشفيات العاصمة التي أصبحت تستقبل الكثير من هؤلاء، لنقص المرافق الصحية في مناطقهم. كما أن العديد من المرضى يتوجهون إلى العاصمة للعلاج، ثم لاقتناء الأدوية بين مدة وأخرى لكن الظروف تضطرهم، وخصوصا المعوزين منهم، إلى التوقف عن تناول العقاقير فجأة، أو تناولها بشكل متقطع دون مواظبة، ما يتسبب في مشكلات خطيرة، منها التسبب في ارتفاع فرص تكرار العدوى إلى أن يتوفى المريض أو التسبب في انتقال المرض لأكثر من شخص في محيطه، وهنا تكمن خطورة مرض السل الذي يصعب التحكم في انتشاره بطريقة جيدة إذا لم يواظب المريض على العلاج.