وقوف عند أزمة اللغة في الجزائر " صحيح أن مصطلح التهجير القسري شائع بكثرة في مناطق النزاعات و الأراضي المحتلة، التي يلقى مواطنوها تهجيرا من طرف المستعمر خارج أراضيهم و أوطانهم، وحتى الأقليات العرقية والطائفية لقيت ولازالت تلقى مصير التهجير و الإعدام الهويّاتي لشعبها، لكن أن تسمع بعمليات الاغتيال الثقافي و إفراغ المواطن من هويّته و تشويه مقوماته الحضارية في دولة تزعم الاستقلالية الثقافية و السياسية و الاقتصادية، فاعلم أنك في جزائر 2015 ، جزائر لم تعد قادرة على حماية أمنها الثقافي من يدّ مسؤوليها أنفسهم، جزائر عجزت عن حماية جيل المستقبل من أبنائها الذي بلغته أيادي التهميش القيمي و الأخلاقي، و وصلت إلى التهميش التربوي في قطاعات الدولة ذاتها، هذه الأخيرة التي فقد فيها صانع القرار على ضبط مؤسساتها ومراعاة الهوية الوطنية، و ما تتطلب من حماية لرموزها و مقوماتها ". تصريحات أثارت زوبعة إعلامية كبيرة و ردود أفعال متفاوتة في الشارع الجزائري، من مؤيّد ومعترض ومحايد ومتابع راض بما آلت له المنظومة التربوية، هي تصريحات وزيرة التربية الوطنية نورية بن غبريط ، وكذا تصريحات أمين عام قطاعها خلال الندوة الوطنية التي عقدت بشأن تقييم المنظومة التربوية وإصلاحاتها، والتي رفعت على وقع توصيات مفادها إدراج اللغة العاميّة " الدارجة" في السنوات الأولى للتعليم الابتدائي ، و استبعاد اللغة العربية بطريقة توحي ببداية مشروع التهيئة للمدرسة الفرنسية، التي لا تغدو إلا وسيلة لطمس الهوية الوطنية وتجسيد الصراع الثقافي وصراع الأجيال الذي وجد في الجزائر غداة الاستقلال، وبرزت تبعاته على أجيال من شباب الجزائر. حيث أن مشروع فرنسة النظام السياسي الجزائري، و مشروع غربنة المجتمع الجزائري، هما وجهان لعملة واحدة حيث أن لكليهما نفس المصدر، ولهما نفس الانعكاسات على واقع المجتمع الجزائري بكلّ مكوناته، وهي تبعية سياسية وثقافية واقتصادية للمستعمر الجديد القديم، وضرب مقومات الهوية الوطنية، و كذا الطعن في مستوى اللغة العربية من حيث العلمية، وهي التي قادت الدولة الإسلامية في العصور الوسطى لمجد الحضارة والرقيّ، سواء بمفهوم العاطفة أو الولاء أو الإدراك، هي لغة الإسلام و رمز العروبة و البعد الهوياتي لمجتمعنا . و إدراج اللغة العاميّة في السنوات الأولى للتعليم بحجة سلاسة التأقلم اللغوي للتلميذ هو جريمة إنسانية في حق التلميذ الجزائري، الذي يرى فيه المجتمع الجزائري حامل لمشعل الشهداء واستكمال الجهاد العلمي والتربوي و الأخلاقي، قصد النهوض بهذا البلد ودفع عجلة التنمية فيه بعناية النخبة العلمية التي تعتبر المدرسة هي القاعدة الأساسية لتكوينها . صراع الأجيال في الجزائر هو صراع قديم جديد كانت ساحاته الأولى هي الإدارة الجزائرية بعد الاستقلال، و كذا المنظومة القانونية التي كانت ملهمة بالقانون الفرنسي، و اجتهاداته القضائية، ممّا ألزم علينا تباعيه قانونية واضحة المعالم لحدّ الساعة، ثمّ انتقل إلى الحكم السياسي، و قد تجسّد في نخبة فرانكفونية كثيرا ما خاطبت شعبها العربي بلغة المستعمر و كثيرا ما استفزّته بها، وانتهى هذا الصراع بالمدرسة قصد هيكلتها و تكييفها حسب مقومات المدرسة الفرنسية التي كانت مشروع فرنسي قصد إثبات فرضية مفادها أن المدرسة الفرنسية هي مهد النخب السياسية و الإدارية، عكس المدرسة العربية التي تفتقر للعلمية و الحداثة، هي وسيلة لإضعاف المدرسة العربية، وإفراغها من قيمتها، و تفرغ معها قيم و هوية و تاريخ الشعب الجزائري من خلال اغتيال العروبة في الأجيال القادمة، و من خلال إعدام الأصالة في نفوس الشباب الجزائري و تنتهي باستفاقة الشاب الجزائري على واقع الجزائر فرنسية في حكاية الاستقلال، صحيح حسب بعضهم هي فقط إصلاحات وهي فقط توصيات لكن برأيي هي جسّ نبض للمجتمع الجزائري، جس نبض قائم على كيفية تجسيد مشروع فرنسة الدولة الجزائرية، دراسة نسب المقاومة و دراسة كيفية اختراقها . الثورة الفكرية و الثقافية، هي حلّ برأيي يمكن من خلالها التغلب على هاجس المعيقات التي تقف أمام ترميم شخصية المواطن الجزائري، سواء على مستوى مشكل اللغات ومدى تفاعل المواطن الجزائري معها و درجة استيعابه لها ، أو على مستوى الحفاظ على الموروث الثقافي و تطويره و تنميته و كذا حفظه للأجيال المستقبلية، ثورة من شأنها تغيير المنظومة القيمية للذات البشرية، و تعد بأفاق في مجال البحث و العلم و الثقافة، ثورة يكون لها أبعاد حضارية في الحفاظ على الهوية الوطنية و ترسيخ مقومات الدولة دون تهميش أو تشويه، ثورة يبادر بها المثقف و الكاتب و الأستاذ و الطالب و يكون حاضنها أولياء التلاميذ و تكون درعها الأسرة الجزائرية و ما لها من مهام رقابة و متابعة ، هدفها ترقية و تنمية القدرات العلمية لأبناء هذا الوطن، و ترسيخ فلسفة جديدة لشبابنا تعنى بالبحث عن المعرفة و تكون حصنا منيعا أمام كل تخريب يمسّ قيم و عمق الهوية الجزائرية، من إسلام و لغة عربية و أمازيغية و لما لا تكون قاعدة لتمتين روابط النسيج الاجتماعي الجزائري بكل ثقافاته و عاداته و تقاليده . هذه الثورة الفكرية تعدّ بمثابة الردّ الإنساني على عملية التهجير المنهجي للهوية الوطنية من وجدان الجزائري الأصيل، ثورة ترسّم معالم الأصالة و المعاصرة في القيم الجزائرية، و تحدد الممنوع من المسموح بتعديله و إصلاحه و في مقدمته اللغة العربية التي تعتبر أساس عروبة الجزائر، حتى و إن تساهل بعض المتتبعين هكذا إصلاح و فسّروه بمقاربات نفسية و اجتماعية و بأنّ التلميذ عليه أن يجد مناخ و بيئة متغيرة تحمله من مرحلة إلى مرحلة أثناء تلقيه العلوم، لكن أين هي الأجيال التي أنتجتها المدرسة الجزائرية؟، عن نفسي أنا لا أعتبره إصلاحا بل اعتبره تدميرا و تخريبا يطول إحدى أهم المؤسسات الاجتماعية التي تعنى بالتنشئة الاجتماعية للفرد وحتى التنشئة السياسية التدريجية مع الأسرة و المجتمع . و في حجج دعاة الفرنسة في الجزائر حول دعمهم للغة الفرنسية على حساب اللغة العربية، فإنّ حجّتهم الأولى هي علمية اللغة و مساهمتها في التطور التكنولوجي، و الجانب الإبداعي و العلمي، متناسين في ذلك تدهور اللغة الفرنسية بأشواط في العديد من المجالات من طبّ و تكنولوجيا و علوم طبيعية، أمام ريادة اللغة الانجليزية بصفتها لغة العالم، و كذا زحف العملاق الصيني بلغته المصنفة الثانية عالميا، و موقعها في المجال العلمي، و ما أكدته الدراسات الاستشرافية حول تحول اهتمامات طلبة اللغات بعد 10 سنوات ستكون نحو اللغة الصينية والهندية، و هذا لما تبوأته هذه الدول من مكانة اقتصادية وعلمية إلى جانب الدول الانجلوساكسونية، وهذا واقع نراه أمامنا في مثال دول البريكس ونموها العلمي و الاقتصادي و التكنولوجي، المهم في الأمر أن اللغة الفرنسية تحتضر علميا و تخوض جولاتها الأخيرة في حرب البقاء في الدرجة العلمية والعالمية . فرنسية صراحة ليس علينا أن نتفاخر بها لدرجة العبودية الثقافية، و ليس لدرجة إحداث شرخ في النسيج الاجتماعي بين جيل متفرنس وجيل معرب، صراع نرى انعكاسه على المردود العلمي و الثقافي لأبناء الجزائر، صراع ولّد تعطيل التنمية السياسية و الإدارية في الجزائر جرّاء تضارب مناهج التسيير الإداري، و كذا تضارب صارخ بين الفلسفة الإدارية الفرنسية التي فرضت وجودها مع ترسانة قانونية فرنسية المرجع، جهود لتعريب الإدارة الجزائرية التي بقت حبيسة صراع الجيلين، صراع عمّق الهوة بين النخبة سياسية و الإدارية، و بين الجمهور الجزائري الذي عرفت عنه أزمة اللغة و إن لم نقل من الكثير من الأحيان أزمة هوية خلّفها الاستعمار الفرنسي. فأزمة اللغة لا تقف فقط عند الفرنسية أو العربية، بل حتى في تحديد معايير اللغة الثانية من الثالثة، حيث أن الواضح في الأمر أن اللغة الثانية يتحكم فيها معيار المستعمر بينما تعتبر اللغة الانجليزية أكثر سلاسة وأكثر استيعابا للتلميذ، أو حتى الطالب الجزائري عكس اللغة الفرنسية، و هي بالأساس لغة العصر و لغة التكنولوجيا فمن يقف على تحيد التصنيف اللغوي في النظام التربوي الجزائري، و المواطن الجزائري في حاجة إلى توتر جديد يضاف على التوتر الاقتصادي و التوتر السياسي و السلطوي، فسؤالي هو هل إصدار سلوك سياسي من هذا النوع وفي هذا التوقيت الغرض منه إلهاء الرأي العام عن قضايا هي أعمق وأكبر من قطاع التربية أومكانة اللغة العربية، أم أن قطاعات الدولة الجزائرية تسيّر بعشوائية، لدرجة إنها تنتقد تصرفاتها من طرف رجالات الدولة في حدّ ذاتهم ؟، نعود و نؤكّد أن مشكلة الجزائر هي عدم وجود رشادة و عقلانية في التسيير الحكومي، ممّا سيكلّف الجزائر ضياع أجيال من أبنائها ومشكلة السلطة هي انعدام ثقافة الحكم.