لا يمكن لجاحد أن ينكر أهمية اللغة العربية في إثراء الفكر الإنساني ونشر الثقافة بين الشعوب العربية والعالمية، فهي لغة عالمية بامتياز يتكلم بها أكثر من مليون عربي، وهي أيضا لغة فكر لأكثر من مليار مسلم وهي لغة ثرية وغنية. قال الخليل ابن أحمد في كتاب العين: أن عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل (1230542)كلمة، ويقول أبو الحسن الزبيري: أن عدد الألفاظ العربية (6699400) لفظ لا يستعمل منها إلا 5420 لفظا والباقي مهمل. يقول أنور الجندي "وهي من الناحية العلمية تفوق أضخم اللغات ثروة وأصواتا ومقاطع، إذ أن بها 28 حرفا مكررة بينما باللغة الإنجليزية 26 حرفا ومنها مكرر، وباللغة العربية ثراء في الأسماء بها 400 اسم للأسد و300 اسم للسيف و255 للناقة و170للماء و70 للمطر، لقد كتب القصاص المشهور جول فيرن، في إحدى قصصه الخيالية عن قوم شقوا في أعماق الأرض طريقا إلى جوفها فلما خرجوا سجلوا أسماءهم باللغة العربية، فلما سئل عن ذلك قال: لأنها لغة المستقبل ".1 هذه اللغة الثرية التي ولدت كاملة لم يعترها نقص لأنها لغة القرآن الكريم، خاتم كتب السماء وقد فرضت احترامها حتى على مفكرين وفلاسفة عظماء، أشادوا بقوتها وسلاستها وجمالها، وهذا أرنست رينان يقول " إن من أغرب ما وقع في تاريخ البشر وصعب حله: انتشار اللغة العربية، فقد كانت هذه اللغة غير معروفة بادئ بدء، فبدأت في غاية الكمال سلسة أي سلاسة غنية أي غنى، كاملة بحيث لم يدخل عليها منذ يومها هذا أي تعديل مهم فليس لها طفولة ولا شيخوخة، ظهرت لأول أمرها تامة محكمة، ولم يمض على فتح الأندلس أكثر من خمسين سنة حتى اضطر رجال الكنيسة أن يترجموا صلواتهم بالعربية ليفهمها النصارى، ومن أغرب المدهشات أن نبتت تلك اللغة التي قامت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها، نبتت في وسط الصحاري عند أمة من الرحل، وكانت هذه اللغة مجهولة عند الأمم ومن يوم علمت ظهرت لنا في أطوار حياتها لا طفولة ولا شيخوخة، ولا تكاد تعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تبارى، ولا نعلم شيئا عن هذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدريج وبقيت حافظة لكيانها خالصة من كل شائبة. هذا الجمال الذي اتسمت به اللغة العربية، لغة الأدب والشعر والفكر والفلسفة والدين جعل حسادها وأعداءها يكيدون لها كيدا، تارة أنها لغة مبهمة، قواعدها صعبة على فهم الناشئة، وهي لغة قديمة لا تواكب العصر ونسوا لجهلهم أو لغفلتهم أو لأجندات أخرى هم أدرى بها أنها لغة حضارة أبدع بها ابن رشد والفارابي وابن سينا والغزالي و أبو العلاء المعري والمتنبي والإمام مالك وأبو نواس، لغة استوعبت النساك الصالحين و أهل المجون المنحرفين، لغة أبدع بها نجيب محفوظ وتوفيق الحكيم وطه حسين و رشيد بوجدرة والطاهر وطار وواسيني الأعرج و أمين الزاوي وعز الدين ميهوبي، احتضنت الجميع مهما اختلفت اتجاهاتهم ومشاربهم الثقافية ولم يقل أحد من هؤلاء المبدعين أنها لغة قاصرة أو غامضة. إذا كان فلاسفة الغرب يشيدون بها لأنهم يبحثون عن الحقيقة ولأنهم درسوها وتعمقوا فيها وذاقوا حلاوتها وموسيقى ألفاظها، ألم يقل وليم مرسية " إن العبارة العربية كالمزهر إذا نقرت أحد أوتاره رنت لديك كل الأوتار"، فللعبارة من المتانة ما لا يبقى معه شيء يحجب مصدرها عن الناطق بها أوالمستمع لها، وبذلك كان اللفظ في اللغة العربية يذكرك بالأرومة التي اشتق منها، ولعل هذا الشعور العميق بالمصدر يفوق شعورك باللفظ عينه ".2 لا يمكن لأحد أن يزيح اللغة العربية من وجدان الملايين من المسلمين، بل حتى من المسيحيين العرب الذين أحبوا هذه اللغة وألفوا قواميسها ورحلوا بها إلى البرازيل والأرجنتين ناشرين تراثها وثقافتها العريقة وكل الدعوات الغريبة سواء أكانت التدريس بالدارجة أو تيسير النحو أو اتهامها بالعجز ستبوء بالفشل لأنها ليست وليدة اليوم. يقول أنور الجندي في كتابه القيم خصائص الأدب العربي "كانت الدعوة إلى التمصير من أخطر أعمال التغريب، فقد كانت تستهدف أساسا إقامة حائط كثيف يعزل اللغة عن الأدب في مصر ويحاول أن يوجد لهما ملامح خاصة تفصلهما عن اللغة العربية عامة وعن الأدب العربي، وقد كانت جزءا من دعوة الإقليم التي فرضها النفوذ الاستعماري في أوائل القرن وحمل لواءها لطفي السيد في الجريدة باسم إعطاء المصرية طابع الاستقلال والتبريز وعلى حساب الروابط الأساسية بين أجزاء الأمة العربية والقائمة على أساس اللغة العربية و الأدب العربي، وقد دعا لطفي السيد إلى تمصير اللغة العربية ثم جاء بعده رعيل من الدعاة إلى تمصير الأدب العربي في مقدمته أحمد ضيف وطه حسين و أمين الخولي، وقد هوجم هذا الاتجاه وكشف عن فساده وانحرافه في محاولة عزل مصر: لغة وأدبا عن اللغة العربية والأدب العربي في الأمة كلها بدعوى أن مصر لها طابع خاص أو مزاج خاص، وهي دعوى مضللة لم تصمد للنقد العلمي وانهارت أمام أضواء الحقيقة ". فنلاحظ أن التدريس بالدارجة سواء أكانت مصرية أو جزائرية أو لبنانية أو خليجية الهدف منها تفريق الأمة العربية و إضعاف ارتباطها بلغة القرآن لغة الفصاحة والبيان، وبالتالي إنشاء جيل لا يحسن فهم لغته ولا قراءة القرآن ولا فهمه ومن ثم يكون هذا الجيل لقمة سائغة لكل فكر شاذ و إيديولوجية منحرفة فتتخطفه جماعات العنف والتطرف وتجعل منه أحزمة ناسفة تدمر به المجتمعات وتخرب به البلدان.