نظام جديد لتسيير البلديات قريباً    تقرير 2024 يُرفع إلى الرئيس في مارس    فاتورة استيراد زيوت المحركات تتراجع    تعزيز التعاون بين وزارة العدل والمحافظة السامية للرقمنة في مجال الخدمات الإلكترونية    قانون المالية يخصص تدابير جبائية    سكان غزّة يحتفلون ببدء الهدنة    وقف إطلاق النار مصلحة كبرى للجميع    لا تساهل مع كل أشكال المضاربة والاحتكار    مشروع توسعة السد الأخضر يتقدّم..    تلمسان: جمع أزيد من 25 ساعة من الشهادات الحية حول الثورة التحريرية المجيدة    مسابقة لتوظيف الطلبة القضاة    صهاينة يدنّسون الأقصى    الجزائر تخسر أمام تونس    بورصة الجزائر: انطلاق عملية فتح رأسمال بنك التنمية المحلية ببيع 2ر44 مليون سهم جديد    رمضان في القصر خلال مارس    الطارف… الإطاحة بشبكة إجرامية تنشط في الاتجار بالمؤثرات العقلية    الجزائر تشهد حركة تنموية رائدة    المنظمة العالمية للصحة ترحب بوقف إطلاق النار في غزة    فلسطين: الحرب خلفت آثارا كارثية على الأطفال في غزة    باتنة: وفد عن البعثة الاستعلامية المؤقتة للجنة الصحة والشؤون الاجتماعية والعمل والتكوين المهني بالمجلس الشعبي الوطني في زيارة للولاية    مجلس الأمة: جيلالي تعرض قانون تسيير النفايات الجديد    وهران : ترحيل إحدى عشرة عائلة إلى سكنات لائقة بوادي تليلات وبئر الجير    فلسطين: برنامج الأغذية العالمي يسعى إلى توفير الغذاء سريعا لمليون شخص في غزة    رئيس الجمهورية: كل رموز المقاومة والثورة التحريرية المجيدة يجب أن ينالوا حقهم من الأعمال السينمائية    سينمائيون يشيدون بعناية رئيس الجمهورية لقطاع السينما    السيد بن براهم يستقبل الأديبة و الكاتبة الفرنسية إيزابيل فاها    الحرب تنتهي في غزة والمحتل يجرّ أذيال الهزيمة    صحافيون وحقوقيون يتبرّؤون ويجدّدون دعمهم للقضية الصحراوية    عطاف في نيويورك للإشراف على اجتماعات لمجلس الأمن    وفد من الحماية المدنية التونسية يحل بالجزائر    تقليص مدة الاستجابة لنداءات الاستغاثة    أنشيلوتي مهدَّد بالإقالة    استلام محطة تصفية المياه المستعملة السداسي الثاني من 2025    حزبنا أودع مقترحاته حول مشروعي قانوني البلدية والولاية    60 منصبا تكوينيا في طور الدكتوراه بجامعة وهران 1    ولايات جنوب تنظم فعاليات متنوعة وتدشين مشاريع تنموية    الأسواق الإفريقية والآسيوية وجهات واعدة للتصدير    تلاميذ تقرت وسطيف في ضيافة المجلس الشعبي الوطني    سينمائيون يشيدون بالاهتمام الكبير الذي يوليه رئيس الجمهورية لقطاع السينما    عروض كثيرة لحاج موسى    ديدوش مراد صنع مجد الجزائر    وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ    الجلسات الوطنية للسينما: بللو يبرز دور الدولة في ترقية المشهد الثقافي    رياضة مدرسية: تأسيس عشر رابطات ولائية بالجنوب    الطبعة ال3 للدورة الوطنية للكرات الحديدية: تتويج ثلاثي تلمسان بولاية الوادي    جيدو/البطولة الوطنية فردي- أكابر: تتويج مولودية الجزائر باللقب الوطني    ريان قلي يجدد عقده مع كوينز بارك رانجرز الإنجليزي    الجزائر رائدة في الطاقة والفلاحة والأشغال العمومية    بلومي يباشر عملية التأهيل ويقترب من العودة إلى الملاعب    بلمهدي: هذا موعد أولى رحلات الحج    رقمنة 90 % من ملفات المرضى    بلمهدي يزور المجاهدين وأرامل وأبناء الشهداء بالبقاع المقدّسة    المتحور XEC سريع الانتشار والإجراءات الوقائية ضرورة    بلمهدي يوقع على اتفاقية الحج    كيف تستعد لرمضان من رجب؟    ثلاث أسباب تكتب لك التوفيق والنجاح في عملك    نحو طبع كتاب الأربعين النووية بلغة البرايل    انطلاق قراءة كتاب صحيح البخاري وموطأ الإمام مالك عبر مساجد الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النظام السياسي الجزائري، مابين حكم الأزمة وضعف المؤسسات …
نشر في الحوار يوم 08 - 09 - 2015

قراءة لواقع الأزمة الدستورية في الجزائر

تعتبر العملية السياسية نتاج تفاعل شامل، ومساهمة واسعة من طرف جميع الفواعل السياسية الرسمية منها وغير الرسمية، وتبقى مهمة إقناع الطبقة السياسية بالمشاركة في إنعاش النظام السياسي و ديمومته من شأن مؤسساته الرسمية في حد ذاتها، وكذا النصوص الدستورية والقانونية التي عليها أن تكون مواتية للعملية الديمقراطية، وكيفية التوزيع الرشيد للاختصاصات والامتيازات السياسي، بما يصبّ في خانة الصالح العام والحفاظ على النسق السياسي القائم دونما الإضرار بكيان الدولة ومكوناتها الاجتماعية والسياسية، لذا أطرح التساؤل التالي: ماهي أسباب الانسداد
أولا: دساتير الأزمة ضرورة أم خيار سياسي؟
تعايش النظام القانوني الجزائري منذ سنة 1962 مع أربعة دساتير، هي دساتير 1963,1976,1998; 1996 مع أن البعض يرى أننا مررنا بثلاثة دساتير، وذلك باحتساب دستور 1989 كتعديل تكميلي للتعديل الدستوري ل1988 ليس إلاّ، المهم في الأمر هو كيفية تأسيس هذه الدساتير والغاية الأساسية من وجودها، فأدبيات القانون الدستوري تقرّ بأن وجود الدستور هو حماية للحريات العامة، وحقّ المواطن في معرفة نظام الحكم وكيفية ممارسته وشرعية المؤسسات وصلاحياتها، وباعتباره كأسمى وثيقة في النظام القانوني للدولة فهو يؤسس من طرف جمعية تأسيسية مستقلة تباشر صياغة الدستور وفق متطلبات النظام السياسي الحاكم، والمجتمع مع مراعاة العمق الهوياتي والتاريخي للنظام الاجتماعي، وحتى مراعاة الأعراف والعادات والتقاليد السياسية، يكون ضروريا وذلك لإنتاج وثيقة قانونية شاملة، وتتوافق و رغبات جميع الأطياف والتيارات الاجتماعية والسياسية في الدولة.
ويعتبر النظام الدستوري الجزائري، نظاما هجينا تأثر تأثيرا مباشرا بالنظام القانوني للمستعمر الفرنسي، ممّا ترك بصمة واضحة على مواده تتعارض في جزء منها مع الصورة النمطية التي يتصورها المجتمع الجزائري بشأن نظامه القيمي والقانوني، وعلى خلفية الحديث عن المعضلة الدستورية وأزمة الدساتير في النظام السياسي الجزائري نجد أن طرح الدكتور فوزي أو صديق بقوله أنها دساتير أزمات تستند إلى أغراض سلطوية بحتة، وهنا علينا القول أن الإشكال لم يكن في الدساتير ذاتها، بل في واقع تطبيق المبدأ الدستوري على حقيقة سياسية تمثّلت في فلسفة و عقيدة تحكمها القوة والاحتكار السلطوي، والذي عرفتهما الجزائر منذ أحداث صيف 1962 وكيفية وضوح صور الإقصاء السياسي وعملية الاستئصال التي قام بها جناح الرئيس بن بلة بدعم عسكري من طرف الرئيس الأسبق هواري بومدين للعديد من الفاعلين والثوريين الذين كان الشعب الجزائري آنذاك يعلّق آماله عليهم، و زاد من سوء الوضع اللغط القائم حول أطروحة دمج الضباط الجزائريين المنتميين للجيش الفرنسي، و تغلغلهم في المناصب العليا في الدولة، كلّ هذه المتغيّرات وما عقبها من عملية التركيز السلطوي والمؤسسي من طرف الرئيس بن بلة كانت بمثابة إجهاض لمحتوى النص الدستوري وعجز السلطة السياسية على إيجاد صيغة توافقية ما بين العقيدة السياسية والنظام القانوني والقيمي داخل النظام السياسي الجزائري، هذا ما بررّ الالتفاف حول مفهوم الشرعية الثورية و الاتجاه إلى ترسيخها بعد انقلاب 1965 الذي كان له أثار جانبية على المجتمع الجزائري، و كان أبرزها متغيّر الثقافة السياسية التي تشكّلت في أوساط المجتمع الجزائري، والتي تصنّف في خانة الثقافة التابعة الرعوية، وهذا لخصوصية الحكم الذي دام 11 سنة دون مرجعية دستورية ولا قانونية ولا سياسية، تحت شعار التصحيح الثوري لكن لا ينكر أحد أنّه استمرّ بتأييد شعبي، وذلك ما قصدته بالثقافة السياسية ومؤثرات الكاريزما التاريخية والشخصية، والتي تعتبر أحد مقومات النظم السياسية ما بعد كولونيالية، وحتى في جانبها النظري حسب ماكس فيبر وطرحه بشأن التنظيمات السياسية والبيروقراطية.
ومع ذلك، فانّ دستور 1976 جاء كذلك في شكل دستور أزمة، وهذا من غاية وجوده وهي البحث على الشرعية القانونية للسلطة السياسية بعد 11 سنة من غيابها، وهذا ما يظهر أن الدولة الجزائرية حكمت في المرحلة التي عقبت استقلالها و لمدة 13 سنة دون دستور وهذا مع احتساب مدة تعليق العمل بالدستور في عهد بن بلة، وبالانتقال إلى دستور 1989 والضرورة الملحة لوجوده كحتمية للتعبير عن التزام السلطة بخيارات الإصلاح السياسي والدستوري والتوجه لمرحلة ومنطق الانفتاح السياسي دون الاقتصادي بعد أحداث أكتوبر 1988، مما أدى إلى وجود تناقض طرحه المجتمع نتيجة عدم وضوح الإصلاحات، ومدى قابلية المجتمع لها في ظرف قياسي وذلك مقابل التخلص من الأزمة، سياسات حكومية القصد من وراءها الحفاظ على الوضع القائم زادت وضوحا في صيغة النظام القديم الجديد الذي أتى بدستور 1996 وتنقيحه بخلفية فرنسية المنشأ من استنساخ لمؤسسات وصلاحيات من دستور 1958 الفرنسي، و بواجهة التغني بالديمقراطية و العمل على استقطاب الجمهور، والخروج من الأزمة الأمنية والمالية والسياسية التي عاشتها الجزائر. وكانت تعديلات 2002 و2008 كمثال لتجسيد منطق الخروج من الأزمة والحفاظ على الوضع القائم بدليل الإصلاحات السياسية التي جاء بها إدراج اللغة الأمازيغية بعد أحداث القبائل وكذا حقوق المرأة ونطاق توسيعها وتمديد العهدة الرئاسية وما أثارته من جدل في أوساط المعارضة وفواعل الساحة السياسية وحتى ظاهرة استغناء السلطة عن الاستفتاء كآلية للتأشير على الدساتير والانفراد بتعديلها، هو وقوف عند أهم المراحل التاريخية وذلك لفهم أزمة السلطة في الجزائر، و تأكيد على تاريخية هذه الأزمة وأنها ليست متعلقة بحكومة معينة أو برئيس معيّن، بل هي غياب رؤية سياسية واضحة لمشاكل المجتمع الجزائري، وكذا تغييب الشكل الدستوري للنظام السياسي الجزائري.

ثانيا: اللّا توازن السلطوي في الجزائر، هل هي ديمقراطية العصر؟
ويعتبر النظام السياسي نتاج تفاعل وتجانس بين مختلف مؤسساته الرسمية وغير الرسمية، و تعتبر الأبنية الحكومية هي العمود الفقري لاستمرارية النظام ناهيك عن عملية التفاعل الدائم مابين النظام وبيئتيه الداخلية في صورة المجتمع و الخارجية و مجموع الضغوطات و التدفّق الآلي لمطالب مجتمعية لأبنية النظام و مؤسساته، هي معادلة محكمة تعمل على استمرارية وبقاء النظام السياسي، والحيلولة دون تفككه أو سقوطه، لكن ما نشهده من تجاذب سياسي داخل مؤسسات الدولة الجزائرية، وعدم وجود توازن وتكافئ من حيث القوة والسلطة من شأنه أن يؤثر على بنية النظم السياسية، و التحول في شكلها و خصائصها، خاصة ما يخصّ شكل الحكم و واقع السلطة السياسية وكيفية ممارستها لمهامها.
النظام الجزائري ومنذ سنة 1963 يشهد لا توازن سلطوي صارخ، وهيمنة واضحة مارستها مؤسسة رئاسة الجمهورية، وإذا ما قرأنا بتمعن أول دستور في البلاد و مدى احتوائها على نصوص صريحة تؤكد دوره في رسم السياسات العامة للدولة، والرقابة على منصب رئيس الجمهورية الذي كان معني بالمسؤولية السياسية، لكن واقع سياسة الدولة خالف الأصل الدستوري، وتحولت مؤسسة الرئاسة بدعم من مؤسسة الجيش سلطة تنفرد بالسلطة من العديد من مراحل الجمهورية الجزائرية، لكن ما يهمّ المتتبع هو مبدأ الديمقراطية الذي لطالما تغنى بها صانع القرار في الجزائر مع وضوح غياب السلطة الممثلة للشعب، وهي البرلمان، هذه المؤسسة التي يعتبر اختصاصها الأصيل نابع من سلطة الشعب وهو تشريع القوانين، وصنع وتصميم السياسة العامة للدولة جنبا لجنب مع السلطة التنفيذية، مع امتياز هذه الأخير بارتباطها بشكل نظام الحكم وهو الشبة رئاسي، لكن غاب دور البرلمان سواء في عهد الحزب الواحد حيث كان منبع لإتباع وتنفيذ سياسات الحزب، وأمينه العام الممثل في شخص رئيس الجمهورية، أو في حالة تحويله إلى غرفتين زاد من عقدة الضعف البرلماني باستحداث غرفة قوتها في الثلث المعين من طرف رئيس الجمهورية، وهذه صورة توضح الهيمنة القاسية للسلطة التنفيذية على السلطة التشريعية في الجزائر، مع حق التشريع بأوامر المكفول دستوريا وفق النص 124 من الدستور الجزائري 1996، وكذا المجال الواسع الذي لم يلق تحديدا قانونيا والذي يتمتع به رئيس الجمهورية في استغلال حقه في ممارسة السلطة التنظيمية.
"الديمقراطية الموجّهة"، هو أنسب مصطلح لهذا النوع من الممارسات التي تصدر صحيح وجود أحزاب سياسية، ووجود مؤسسات المجتمع المدني تتغذى من ريع الدولة هو دليل على حق التوجيه وحق إنشاء بيئة سياسية أحادية التوجّه، يصعب علينا قراء تفاعل ناجع وصحّي ينتج عنه سياسات عامة مجدية، خاصة إذا تكلّنا على مراحل الأزمات، وكيفية إدارتها يحث أن السلوك الأحادي الصادر من طرف مؤسسة واحدة تنفرد بالسلطة، في ظل إطار ديمقراطي يعمل على التوزيع السلطوي على مجموع السلطات والفصل بينها، لا أراه حتى من منظور الفصل المرن للسلطات، لأننا الآن أمام تدخل صارخ لسلطة على حساب سلطة مرجعيتها الشعب.
هذا التوجيه الذي من شأنه أن يفرغ العملية السياسية من محتواها، الذي يصبو إلى بعث الروح الديمقراطية داخل العملية السياسية، وهذا ما يتطلّب مراجعة دستورية عميقة، يأمل المتتبعون للشأن السياسي الجزائري في هذه المرحلة أن يحتويها الدستور الموعود بعد "ماراتون"المشاورات بين السلطة الحاكمة وجموع الطوائف السياسية والكيانات المجتمعية.
فالأزمة الاقتصادية وكون الجزائر دولة ريعية بامتياز، وانعدام هامش التجاوب السياسي بين الفواعل السياسية والاجتماعي هو ما أدى إلى وجود انسداد سياسي بين الطبقات المجتمعية من جهة والسلطة السياسية من جهة أخرى، وهو إشكال ساهمت في صياغته التراكمات التاريخية وطبيعة الدول الناشئة التي خرجت من مراحل استعمارية أدت إلى تقويض مبادرات التنمية لها في مساعي لدرء خطر القوى الصاعدة ومشاريعها القومية، لكن الجدير بالاهتمام هو أن عدم وجود شكل واضح للنظام السياسي الجزائري، يتيح لنا معرفة جوانبه النظرية والواقعية وتضارب التوجهات النظرية بشأن كونه رئاسوي أو شبه رئاسي مغلق، فانّ مساعي التحديث المؤسسي والقانوني في الجزائر لن تلقى تجاوبا جديّا يخص هذه المسألة.
الكلمات المفتاحية: النظام السياسي الجزائري، السلطة السياسية، السياسات، الدساتير الجزائرية، المؤسسات الدستورية، الانسداد السياسي .

بقلم محمد سنوسي: أكاديمي وباحث في العلوم السياسية، جامعة معسكر، الجزائر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.