أعاب حقوقيون وأكاديميون وعسكريون متقاعدون غياب نقاش جدي في الحملة الانتخابية، يتناول كيفية الانتقال إلى الجمهورية الثانية، لاسيما أن رئيس الجمهورية صرّح باستكمال إعادة بناء الدولة الجزائر من خلال تعديل الدستور بعد انتخاب مؤسسة تشريعية جديدة، مؤكدين أن الاكتفاء بخلق نقاشات فزاعة »الناتو« وتسطيح القضايا الحقيقية، ساهم في فتور الحملة أكثر. توقّف الأستاذ محمد فادن عضو المجلس الدستوري سابقا والمحامي المعتمد لدى المحكمة العليا، أمس، مطولا عند الأخطاء التي طبعت الحملة الانتخابية وجعلت خطابها سطحيا على حد وصفه، مؤكدا أن عدم إدراك جل الأحزاب للأهمية التي تحتلها تشريعيات ال 10 ماي، لاسيما فيما تعلق بشق التعديل الدستوري المقبل الذي سيؤسس للجمهورية الثانية، ساهم أكثر في فتور الحملة، خاصة لما تم التركيز بشكل لافت على التدخلات الأجنبية واستعمال فزّاعة »الناتو«، علما أن الجزائريين يدركون جميعا بأننا سبقنا عديد الدول في رياح الديمقراطية المسماة حاليا »الربيع العربي، فلماذا نصر على تسطيح قضيتنا التي تحتل الأولوية؟« يتساءل ذات القانوني. فادن الذي نشّط ندوة مركز الدارسات للبحوث الإستراتيجية والأمنية بمعية الدكتور سعيد مقدم، قدّم قراءة قانونية للمواد التي ينبغي تعديلها في الدستور المقبل، يرى بروز عدة مؤشرات من خلالها ستؤسس للجمهورية الثانية، على غرار الفصل في نظام الحكم وقضية تحديد العهدات الرئاسية بما يسمح التداول السلمي على السلطة ووضعها ضمن الثوابت التي تحملها المادة 178، بالإضافة إلى التحول إلى المحاكم الدستورية بدل المجلس الدستوري الحالي لتوسيع دائرة الطعون لكل فئات المجتمع، ودسترة المجلس الإقتصادي والإجتماعي الذي لعب دورا محوريا في نقل انشغالات المواطن. وبالنسبة للمواد الدستورية المرشّحة للتعديل بعد التشريعيات، هو إدخال تعديلات جوهرية على نظام الحكم بما يسمح من الفصل ما بين السلطات، والتفتح على مزيد من الحريات الفردية والجماعية وكذلك تدعيم منظمة حقوق الإنسان من خلال تضمين ما أسماه »الجيل الثالث لحقوق الإنسان«، فضلا عن إعادة النظر في صلاحيات بعض المؤسسات الدستورية مثل مجلس الدولة بتمكينه من صلاحية إبداء الرأي أو النظر في مشروعية النصوص التنظيمية. لكن عضو المجلس الدستوري السابق عدّد عدة عوائق من شأنها التأثير على مسار الانتقال إلى الجمهورية الثانية، تتركز أساسا على هل هناك إرادة سياسية حقيقية في التغيير، بالإضافة إلى طبيعة النظام الانتخابي الجزائري الذي يعتمد الاقتراع النسبي على القائمة المغلقة بدل المفتوحة، ناهيك عن سلطة البرلمان في التشريع بين السيادة المنصوص عليها في الدستور والممارسة في الميدان. وتقاطع سعيد مقدم مع فادن في العديد النقاط لاسيما فيما تعلق بأن ما بعد تشريعيات ماي المقبل هي معركة صناعة الدستور وكيفية بناء دولة القانون، دولة المؤسسات التي هي عنوان تحقيق التنمية، مؤكدا أن الاستقرار السياسي من خلال إحداث التوازن ما بين السلطات كفيل بتجنيب الجزائر المراحل الانتقالية، والقطيعة مع ما أسماه الماضي »السلطوي« المبني على الإقصاء والقمع، سيجعلنا أمام جزائر جديدة موازاة مع 50 سنة من الاستقلال.