وأنا أشاهد الفيديو الذي يظهر مدير إحدى مدارسنا بالجزائر وهو يستقبل البراءة في أول أيام السنة الدراسية بطريقة أقل ما يقال عنها أنها حيوانية، تراءت إلى خاطري مباشرة حادثة مشابهة حدثت معي قبل سنوات قليلة مضت، كان ضحيتها وللأسف ابني الصغير الذي تعرض للضرب من طرف ما تسمى زعما معلمته ومربيته. كان مبرر المعلمة في صفع ابني الصغير والبريء وطرحه أرضا هو أنه لم يمتثل إلى تعليماتها السابقة بعدم الكتابة بقلم الرصاص على كتاب القراءة، مبرر جعلني أفقد أعصابي وأقرر فورا قطع عطلتي الأسبوعية والرجوع في أول طائرة إلى العاصمة لأقابل مديرة المدرسة والتظلم لديها. ذهبت في اليوم الموالي للقاء المديرة، ويا ليتني لم أذهب، فقد أحسست منذ أن وطأت قدماي ساحة المدرسة أنه غير مرغوب في، وأن الجميع معلمين وإدارة يرمقونني بنظرات حقد وازدراء، تعجبت لما يجري من حولي وتساءلت هل أنا الضحية أم الجلاد، تلاشى تعجبي عندما بدأت المديرة في الكلام وعرفت فورا أن المعلمة قامت بحركة إحترازية مسبقة عبأت من خلالها رأي زملائها معلمين وإداريين. زعمت المعلمة بهتانا وزورا وعلى طريقة اللصوص أن زوجتي قد أرسلت إليها رسالة تهديد، وأنها وزملاءها المعلمين لن يرجعوا إلى عملهم حتى نقدم الإعتذار اللازم، هالني طبعا ما سمعت فقد شاركت زوجتي في كتابة الرسالة عبر الهاتف، وكانت قد أرسلت لي نسخة عبر الفاكس لأراجعها، وبالتالي فأنا أعرف جيدا محتوى الرسالة، وقد كان الهدف منها أولا وأخيرا هو إرسال رسائل إيجابية للمعلمة لكي تعامل ابننا معاملة حسنة تليق بدورها كمعلمة ومربية، ومن بين هذه الرساىل: أنك الأم الثانية لإبننا وأنه يحبك كثيرا وأنه متأثر بما جرى ولا يرغب في العودة ثانية لمقعد الدراسة، والواجب علينا جميعا أن نعمل على لملمة جراحه النفسية …كانت نهاية الرسالة تذكير لهذه المعلمة أن القانون يمنع ضرب الأطفال وأنه كان يمكننا أن نتخذ الإجراءات القانونية لكننا ندرك حجم الضغوط الملقاة على المعلم ونعلم جيدا أنه خطأ يمكن تصحيحة. كنت أسترجع العبارات التي جاءت في الرسالةو والمديرة تتكلم عن حجم الأثر السلبي الذي خلفته في نفسية المعلمة، ودون وعي مني قاطعتها بسؤال كان يلح علي إلحاحا وهي تتكلم، هل يمكن أن أسمع الآن محاضرة عن الأثر السلبي الذي خلفته صفعة المعلمة في ابني الصغير، أم أن الأمر لا يهمك، أحرجها سؤالي، فأجابت طبعا، قاطعتها مرة أخرى، هل دورك هو التستر على فضائع المعلمين؟ هل قرأت الرسالة ؟ قالت لا، قلت، كيف إذن تتكلمين عن رسالة لم تتطلعين عليها، ألم يكن جدير بك أن تطلبي نسخة منها؟ لم أنهي السؤال حتى دخل عشرات المعلمين بشكل همجي إلى مكتب المديرة وهم يطلقون الشعارات مهددين بتوقيف الدراسة، تركت الجميع ينهون صراخهم ثم قلت، الخطأ ليس خطأكم بل هو خطئي في الأصل، فقد توقعت أنني سأتكلم مع من يسهر على تربية وتكوين الأجيال، وإذا بي أجد نفسي وسط عصابة، وأن لا حديث لي معكم وأن الأمر ستفصل فيه العدالة، طبعا تفاجأ الجميع بردة فعلي وكان أكثرهم انفعالا المعلمة التي وبمجرد سماعها كلمة عدالة حتى دخلت في هستيريا من البكاء، محاولة استعطافي ومبررة فعلتها بمشاكل زوجية وضغوط العمل …القصة بعد ذلك أخذت منعرجا آخر طبعا، لكن في النهاية أعترف أن الحادثة كانت سببا من بين أسباب كثيرة دفعتني دفعا للهجرة إلى كندا، حيث المدرسة بحق عالم من عوالم الطفولة والبراءة، بل جنة من جنانها وروضة غناء يسبح فيها الطفل في فضاءات المعرفة دون ملل، لا مكان فيها للإكراه ناهيك عن الضرب والتعنيف. لا أريد أن أجري مقارنات بين المعلم هنا وهناك ولن أتكلم عن نوعية البرامج ومستوى التأطير فالبون شاسع، أريد فقط القول أن سؤال ابني المتكرر عن حال زملائه في الجزائر وهل لا يزالون يتعرضون للضرب والتجريح من طرف معلمتهم، يلخص المأساة الملهاة. أريد أن أشير في الأخير إلى أن سرد هذه القصة المؤلمة ليس الهدف منه الإساءة إلى المنظومة التعليمية في الجزائر، فهناك الكثير والكثير من المعلمين والإداريين من يعمل بجد من أجل صناعة أجيال متعلمة وصالحة، فأنا أولا وأخيرا صنيعة أب وضع حياته في خدمة التعليم والمدرسة، وقد كنت ولا زلت أمتهن التعليم الجامعي في الجزائر وفي كندا، الهدف كل الهدف هو التنبيه إلى هذه الممارسات المعوجة التي تؤدي في النهاية إلى تشويه صورة المدرسة والمعلم لدى العامة، وبالتالي ضرب آخر حصن من حصون صناعة الأجيال.