الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية    تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية    اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات    رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر    جمعية اللجان الاولمبية الافريقية: مصطفى براف المرشح الوحيد لخلافة نفسه على راس الهيئة الافريقية    إنشاء شبكة موضوعاتية جديدة حول الصحة والطب الدقيقين سنة 2025    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    تعليمات جديدة لتطوير العاصمة    عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!    رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    بوغالي في أكرا    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه رغم التدمير والإبادة    تحذير أممي من مخاطر الذخائر المتفجرة في غزة والضفة الغربية    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الروسي    إبراز جهود الجزائر في تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا    هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    حشيشي يلتقي مدير دي أن أو    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    قِطاف من بساتين الشعر العربي    عبادات مستحبة في شهر شعبان    تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



" لست موظفا عند "الكتابة" ولا مطالبا بأن أكتب رواية كل سنة أو كل خمس سنوات "
نشر في الحوار يوم 07 - 11 - 2015

إعلاميّ وروائيّ مصريّ..فاز عام2011 بجائزة الطّيب صالح للرواية عن روايته " أول النهار" ..رئيس تحرير مجلة "الهلال "، له مقال أسبوعيّ ثابت في جريدة العرب الدّوليّة، من أعماله:
أول النهار "رواية ".
حديث الجنود "رواية ".
الثّورة الآن ..يوميات من ميدان التّحرير "مقالات"
سبع سموات "رحلات ".
متى وأين تكتب (المقال والرواية ) …؟
سعد القرش:
لست ناقدا، ولا كاتب مقال، وإمامي في هذا هو صائغ اللؤلؤ يحيى حقي، الذي كتب مقالاته في صحيفة (التعاون) المتواضعة غير مشهورة، حبا في الكتابة كأنه يكتب مقالاته في النقد والسينما والموسيقى وغيرها لنفسه، ثم أصبح هذا التراث من عيون النثر في مصر.
أكتب ما يراه البعض «مقالات» لتفادي إحباطات واقع مصري وعربي يكسر القلب، المقالات نفثة مصدور. تمنحني المقالات هامشا إنسانيا يحول بيني وبين التورط في وحل السياسة وتفاصيلها القاتلة. لم يحتمل الشاعر والعالم والمترجم المصري أحمد مستجير، فداحة العدوان الإسرائلي على لبنان، جويلية 2006، فمات كمدا. وكنت قريبا من المخرج والناقد مدكور ثابت وقلبه يتمزق فاقدا الأمل في مصر، رآها تمضي في طريق لن تعود منه قبل عشرين عاما، قتله حكم الإخوان حسرة، فمات في جانفي 2013.
لا أكتب شيئا مجانيا، أتعب كثيرا في الكتابة، في صوغ المقال جملة جملة، سطرا سطرا، ثم أعيد الكتابة وأحذف ما لا يضيف، وأقسو على نفسي كثيرا، آملا أن ينتهي المقال والقارئ لا يشعر بأن وراءه تعبا ما. وكان يحيى حقي يقول: لا أحد يحب أن يرى عرق العامل وهو يعمل، وهكذا أريد أن يقرأ القارئ مقالا فيشعر بأنه يجيد كتابة أفضل منه، فلا عثرات ولا افتعال، ولكنها كتابة خادعة، ولا أملك إلا احترام عقل القارئ ووعيه، فأحاول أن تحظى الكتابة بشيء من الجمال، لا أحد يجبر قارئا على مواصلة قراءة نص رديء، "يتجرعه ولا يكاد يسيغه"، وأسعى لكتابة رشيقة، إذ أضيق بالترهل، في الفنون والأرواح والأجساد.
وأنتظر انتهاء مهمتي في رئاسة تحرير مجلة «الهلال»، والتخلي عن كتابة المقالات، لأستأنف رواية بدأتها قبل أكثر من عام ونصف العام، ولم أنظر فيها ولا أضفت سطرا إلى ما كتبت، لأن الأدب لا يصح أن يكتب في وقت الفراغ، أو على هامش اهتمامات أخرى، ولهذا السبب أحيي من يكتب رواية كل عام أوثلاثة، وفي الوقت نفسه أعجب له.

*إذن لا تحب صفة الناقد ولا كاتب المقال؟
سعد القرش:
هذه مجالات يحسنها آخرون، أما متعتي ففي كتابة مشهد في قصة أو رواية.
نشرت روايتي الأولى "حديث الجنود" (1996) بعد انتهائي من كتابة مجموعتين قصصيتين (إحداهما صدرت بعد الرواية بعامين). وفي ظني أن القصة القصيرة فن خالص، شديد الصعوبة، وهي والرواية من الفنون التي تتداخل فيها الأدوات، وليس أصعب من أحدهما سوى الآخر. والرواية أسمى من أن تكون مجرد تطور تلقائي للقصة القصيرة، بل صيغة فنية لتجربة إنسانية لا يتسع لها ثوب قصة، إلا أن الكثيرين قد أكدوا أن روايتي "حديث الجنود" مكتوبة بحرفية القصة القصيرة، حيث التقشف في الحكي، والاقتصاد لدرجة البخل في الاسترسال الذي تغني عنه إشارة عابرة. كانت هناك صعوبة في الاستقبال، ربما كنت مشاركا في المسؤولية عنها، إذ كنت أطمح إلى التوجه إلى قارئ يتمتع بحد أقصى من خلو البال، وحين يخلو إلى الرواية لايكون مهموما بشيء آخر يشغله عن مواصلة المتابعة بتركيز شديد.
كتبت "حديث الجنود" بعد ست سنوات من تجنيدي عند خط "أ"، وهو آخر منطقة مسموح آنذاك فيها بوجود جيش مصري، طبقا لما يسمى "اتفاقية السلام"، والرواية مكتوبة عن جيش لا يحارب، يشعر أفراده بشيء من مهانة وضعته فيها سياسة أنور السادات، ففي حين وقع عبور القناة في السادس من أكتوبر 1973 بخمس فرق (80 ألف جندي) أحدثوا الزلزال العظيم، نصت الاتفاقية على وجود فرقة مشاة ميكانية واحدة (22 ألف جندي) شرقي قناة السويس. ومن الثمار الجيدة لثورة 25 جانفي2011، أن الجيش المصري، هذه المؤسسة العظيمة التي لا ولاء لها إلا للوطن، فرض سيطرته على كامل سيناء، وصولا إلى حدود مصر مع فلسطين، في إلغاء صامت غير معلن عنه لكامب ديفيد.

وماذا عن الرواية الثانية؟
سعد القرش:
كتبت "باب السفينة" (2002)، وأنا لا أزال أراهن على هذا القارئ، غير المدلل، غير العَجول، وعمدت إلى كتابة نص يخلو من أي ترهل، ويصعب الاستغناء عن إحدى جمله. وما سبق "باب السفينة" محاولات للرسو على حلول فنية، وإن كنت أعتقد أن كل عمل جديد هو محاولة متجددة وتحدٍ يواجه الكاتب الذي لن يكون أكبر من الكتابة نفسها، وعليه في الوقت نفسه، ألا يدعها تتمكن من هزيمته.

*فمن أين جاءت فكرة مشروع (ثلاثية أوزير) والتي تضم أول النهار، ليل أوزير، وشم وحيد؟
سعد القرش:
بعد نشر "باب السفينة" ووجهت بأسئلة تربط بين البطل والكاتب، وأحيانا يقول لي قارئ أو صديق إن روايتي مكتوبة عن قصته الشخصية. وكان التحدي بعمل بعيد في زمانه ومكانه عن أي خبرة شخصية للمؤلف، فباب السفينة نشرت حين كنت في السادسة والثلاثين، وتتناول شابا بلغ الأربعين وأصيب بالجنون لأنه كان يحلم بأن يكون نبيا وأخطأته النبوة، راهن في صغره على أن يكون نبيا إلى أن سمع المؤذن في صلاة الفجر يقول "الصلاة والسلام عليك يا خاتم رسل الله" فأصابته خيبة أمل، وتوالت خيبات الأمل في العمل والزواج و..و..و.. إلى أن غرق في طوفان أشبه بطوفان نوح ينفجر من محيطات خريطة معلقة على حائط غرفته.
وفي كل الأحوال كانت روايتا "حديث الجنود" و"باب السفينة" تدريبا على الجملة، محاولة للوصول إلى لغة لا هي غاية في حد ذاتها، ولا هي مجرد وسيلة لنقل حدث أوالتعبير عن المشهد، اللغة في الثلاثية هي ماهية شيء لا أعرف له تحديدا ولم يشغلني توصيفه.

*هل يوجد نوع من التعمد في الكتابة.. تعمد كتابة "ثلاثة"مثلا؟
سعد القرش:
لا أتعمد شيئا في الحياة أوالكتابة. أنا كائن قدري، لم أخطط لكتابة الرواية، كانت القصة القصيرة حلما منذ المرحلة الثانوية، ودارنا تخلو من أي كتاب، وليس لدي دليل إلى عالم الكتابة الرحيب، فلما دخلت جامعة القاهرة التمست الطرق إلى مجلات تنشر قصصا لا روايات. وجدت ترحيبا ممن وهبوا قدرة على إدراك تجدد الحياة والإبداع، في مجلات (أدب ونقد)، و(إبداع)، و(القاهرة) وغيرها. كان نشر قصة قصيرة في (إبداع) في نهاية الثمانينات تعميدا أويشبه ذلك، قبل أن يصبح نشر «الإبداع» تعبيرا عن قصر نظر بعض المسؤولين عنه، وانعكاسا لأزمات نفسية.. عدم تحقق أو بطالة أوهمت البعض بأن «الكتابة» هي مجرد كتابة ما دام النشر ممكنا.
لم أتخيل أنني بالرواية أرتقي سلما إلى ماهو أفضل من القصة، ولكني ضبطتني أكتب الرواية، وقلت«ليكن». حين صدرت «باب السفينة» في(2002) كان المد النقدي الكسول يؤسس لمقولة «زمن الرواية»، من دون أن يكلف نفسه عناء تقصي الظاهرة من داخلها، واكتفى بمراقبة استشراقية للمشهد، فأوهم كثيرين بخوض تجربة كتابة الرواية، وتعجل الكتابة والنشر، لضمان الحصول على لقب «روائي»، والانضمام إلى ناد وهمي، يحرسه نقاد عميان، يتخبطون ذات اليمين وذات الشمال، ويتعثرون في لافتات لا يملكون غيرها، فأعيد نشر كتب تسلية، طبعة ثانية تحمل صفة «رواية».
لست موظفا عند "الكتابة" ولا مطالبا بأن أكتب رواية كل سنة أو كل خمس سنوات، وأضع أمامي دائما تجارب لكتاب ظلوا في الذاكرة بأعمال قليلة، ابن المقفع بكتابين مثلا، والطيب صالح ومالك حداد بأعمال قليلة العدد، يمكن أن تصدر كلها في مجلد واحد، ولكن الأهم كيف كان صداها وتأثيرها؟.
أتذكر دائما مقولة رالف والدو إمرسون (1803 1882) «ليس في العالم، في وقت واحد، أكثر من اثني عشر شخصا يقرأون أفلاطون ويفهمونه، وليس من بين هؤلاء من يستطيع أن يشتري نسخة واحدة من مؤلفاته، ومع ذلك فإن هذه المؤلفات تنحدر من جيل إلى جيل من أجل هذه القلة من القراء، كأن الله يحملها لهم بين يديه». لم يدرك إمرسون كتابا عظاما في حجم كازانتزاكيس (1883 1957)، لا أتحدث عن «زوربا»، ولا عن سيرته الذاتية «تقرير إلى جريكو»، لو لم يكتب غيرها، ولو لم يترجم ممدوح عدوان غيرها، لكفتهما معا.
وقفت مع نفسي طويلا لأخرج من مصيدة أو شبهة التماهي بين الراوي أوالبطل وبين المؤلف، إذ يحلو للنقاد الكسالي أن يعقدوا مقارنات بين أبطال الروايات ومؤلفيها، وكنت قد قرأت عام 1988 ترجمة كتاب "تاريخ ملكية الأراضي في مصر الحديثة 1800 1950" للكاتبة الأمريكية جابرييل باير، وشغلني هذا الأمر كثيرا. مأساة فلسطين أن مواطنيها لم يكونوا يملكون في الغالب حجج ملكية للأرض، إذ كانت الأرض ملكا للسلطان العثماني، وفي مصر جرت في خمسينيات القرن التاسع عشر أمور مهمة في عهد الوالي محمد سعيد، إذ أتاح للفلاحين تملك الأرض، وأتاح لأبنائهم أو أعيناهم أن يلحقوا أبناءهم بالجيش ويتدرجوا في رتبه، وكان منهم أحمد عرابي ورفاقه الذين قاموا بالثورة عام1881مطالبين بدستور ومجلس نيابي تكون الحكومة مسؤولة أمامه ويراقب الميزانية، كما كان يسمح للمسيحيين في الجيش بإقامة القداس أيام الآحاد.

*فما علاقة ذلك بكتابة الثلاثية؟
سعد القرش:
لا أدعي أن لي مشروعا أدبيا أو روائيا، ولا أميل إلى مثل هذا الكلام الكبير، أعتبر نفسي كاتبا على باب الله، على باب الكتابة، أقابل "الكتابة" في منتصف الطريق، ثم أهرب منها كثيرا متعللا بأشياء أخرى.
لم أخطط لكتابة ثلاثية، ولكني فكرت في كتابة رواية عن قرية بعيدة عن العالم، يتمكن شخص أسطوري بذكاء فطري من إبعادها عن أنظار العالم، عن القرى الأخرى وعن الحاكم، بداية من 1800 قبل صعود محمد علي حتى وفاته 1849. ورأيت أن أكتب فصلا تمهيديا لما قبل 1800 فكتبت ثلاثة فصول تشكل رواية "أول النهار"، تقريبا بداية من عام 1750، وقلت لأصدقاء أثق برأيهم وهم قساة في الحكم على "الكتابة" إنني كتبت ثلاثة فصول في رواية، ولم أصل إلى ما كنت أريد كتابته(حيث تنتهي "أول النهار" تقريبا عام 1800)، وقد انتهت طاقة الكتابة، كنت قد تعبت تماما، ولو استمريت في الكتابة ستكون آلية خالية من الروح، وحين قرأوا أعجبهم وقالوا: هذا يكفي، ونشرت الرواية عام 2005، وجاءت في القائمة الطويلة للبوكر في دورتها الأولى 2008، ثم فازت بالجائزة الأولى في مسابقة الطيب صالح في دورتها الأولى 2011؛ لأن لجنة التحكيم خلت من المصريين.
حين انتهيت من "أول النهار" لم أتوقع أن أكتب رواية أخرى، ولا قدرت أنها ستكون جزءا أول من "ثلاثية"، ففي الحب والكتابة أبذل الحد الأقصى من الجهد، كأنني لن أعود، كأنها آخر مرة، ثم كتبت "ليل أوزير" التي صدرت عام 2008 للتعبير عما كنت أريد كتابته وأخذتني "أول النهار" بعيدا عنه. وكالعادة لم أتخيل أن أجد من الطاقة ما أكتب به عملا آخر، ولكن الخيوط والخطوط امتدت، وحملتني معها إلى مصائر الجيل الثالث، الذي فرض لنفسه مساحة في رواية "وشم وحيد" وجغرافيا بعيدة تمتد من قناة السويس إلى القاهرة. انتهيت من "وشم وحيد" في بدايات جانفي 2011، وصدرت في منتصف 2011، ولو لم تنته لما استطعت أن أنتهي منها بعد العواصف التالية للثورة.

*لكن أحدا لم يكتب عن الثلاثية كثلاثية؟
سعد القرش:
مقال وحيد تناول "الثلاثية" كمشروع واحد، كعمل ممتد، أما واحد لم ينظر إليها النقاد كثلاثية، وفي أكتوبر 2015 نشر الشاعر المصري مقالا عن "أول النهار" باعتبارها الجزء الأول من "ثلاثية أوزير" التي لا يعرفها أحد، لأن النقاد يعرفونها كروايات، وهي مكتبوبة منفصلة – متصلة، فيمكن لمن لم يقرأ "أول النهار" أو "ليل أوزير" أن يقرأ "وشم وحيد" كرواية مستقلة، ولأن حركة النقد تسير بعشوائية، ولا تتابع بدأب، فلم ينظر إلى الثلاثية كعمل واحد، على الرغم من كتابة نحو 20 دراسة عن "أول النهار" وحدها، من فلسطين (فيصل دراج)، ولبنان (جورج جحا)، والمغرب (عبد الرحيم مؤذن، زهور كرام، هشام بن الشاوي)، والعراق (عذاب الركابي)، السودان (محمد المهدي بشرى)، وسوريا (نهلة عيسى)، ومن مصر كثيرون: إبراهيم فتحي وخيري عبد الجواد وعاطف سليمان وحسين عيد وغيرهم.
*ما الذي شغلك عن تلك الفترة، أو عن تاريخ مصر الذي أعيدت كتابته روائيا بشكل متكرر؟
سعد القرش:
كنت مشغولا باستعادة ما لم يُكتب عن مصر أوالمصريين منذ بداية القرن الثامن عشر. هناك كتابات كثيرة جدا تصعد بمحمد علي إلى مراتب كبار البناة في تاريخ مصر، مثل تحتمس الثالث أو أمنحتب الثالث ورمسيس الثاني، هو نفسه كان يعتبر أن بلاده مقدونيا أو ألبانيا أنجبت ثلاثة من العظماء في التاريخ الإسكندر الأكبر وبطليموس وهو ثالثهم، ولم تذكر هذه الكتابات كيف كان يعيش الفلاح المصري في ظل دكتاتورية عسكرية تستخدم المصريين لخدمة مشروع شخصي لمحمد علي الذي استغل هذه الطاقة البشرية لأناس لا نعرف أسماءهم في بناء دولته، دون أن يعترف بأي فضل للفلاحين بل كان يحلو له أن يشبههم بالسمسم الذي يجب أن يسحق ليستخرج منه الزيت.
من زاوية النظر هذه ليست "الثلاثية" عملا تاريخيا، فحتى أبطالها غير معنيين بمعرفة من يحكمهم، خاصة بعد انقطاع صلتهم برجال الحاكم الذين يقتسمون معهم أرزاقهم إلى أن فوجئوا بجيش أجنبي على وشك اقتحام قريتهم، فسعوا إلى مواجهته دون اعتراف بحاكم يجب أن يقوم بهذه المهمة، فلم ينشغلوا بهذا الحاكم لأنهم لا يعرفونه.
لم أكن معنيا بالتاريخ، فمن يريد معرفته فليلتمسه في أعمال المؤرخين، كنت مهموما بالكتابة عن الذين تجاهلهم المؤخون، وأسقطهم التاريخ.

*فلماذا كتبت عن تجربة ثورة 25 يناير، ثم عن عام الإخوان في الحكم؟
سعد القرش:
فوجئت الآن أنني كتبت ثلاثة كتب عن ثلاث مراحل في الثورة المستمرة، "الثورة الآن: يوميات من ميدان التحرير"، و"أيام الفيسبوك"، و"سنة أولى إخوان"، الأول عن مقدمات الثورة ويومياتها مواقف المثقفين والمواطنين منها، والثاني عن مرحلة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والثالث عن عام حكم الإخوان.
كتبت لأن التاريخ يسهل تزويره بالإلحاح واستمراء الكذب، وادعاء من كانوا أعداء الثورة أنهم دعوا إليها. وقد خرجت من الثورة غير متسامح مع كل من كانت له علاقة بحسني مبارك، أواستفاد منه أو زين له سوء عمله فرآه حسنا، حتى لو ادعى بعضهم البطولة والاستئساد على الإخوان.
كتبت هذه الكتب بالروح نفسها، روح "الكتابة" التي لا تتنازل عن شريطة المتعة مع مراعاة الدقة والنزاهة. كتبت باستمتاع وصدق، واستعدت مشاهد كتبتها ولم أتمالك دموعي، لم أكن موظفا عند الثورة ولا عند الكتابة، كنت نفسي، وأرّخت لتقلباتي وآمالي وخيبات أملي. التزمت الصدق غير مبال بأي شيء، أغمضت عيني واعترفت، وسميت الأشياء والأشخاص بأسمائها وأسمائهم، وقلت لأصدقائي إن الشاهد في المحكمة لا يتقاضى أجرا، وإنني أستعجل نشر الكتاب حتى لو اضطررت إلى طبع مئة أو مئتي نسخة على نفقتي، وتوزيعها على الناس بالمجان. هنا والآن في حياة الذين يتناولهم، لست قاضيا لأصدر حكما على شخص أو موقف، وقد تركت ذلك للقارئ وللزمن، واكتفيت برصد ما أعرف من تفاصيل، شاهدا أقسم ألا يكذب، ونطق بالشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه.
* حاوره : رمضان نايلي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.