ح/سامية مازالت النظرة الدونية للطلاق تقف وراء حالات إخفائه وإبقائه سرا، ورغم أنه مباح شرعا إلا أنه وفي المجتمعات العربية بأسرها عار يلحق بالأسر مهما كانت أسبابه وشر يتضاعف أثره في حال وجود أبناء كبار يصعب عليهم مواجهة المجتمع. من الظواهر الدخيلة عن المجتمع الجزائري والتي باتت تنخر حصانته في الخفاء هو إخفاء حالات الطلاق بين بعض الأزواج المنفصلين ومواصلة العيش سويا تحت سقف واحد لأسباب تتعلق بالشراكة في بيت الزوجية أحيانا وبسمعة الأسرة والأبناء وحتى الأصهار في أحيان أخرى، ظاهرة وإن كانت غير متفشية، إلا أن وجودها في مجتمع إسلامي ومحافظ يعكس تردي أخلاقيات البعض وتغير مرفوض في عادات المجتمع; إذ وفي أغلب حالات الطلاق مع الإبقاء على العيش المشترك يكون السبب هو التخفي من أعين الناس وتسبيق الخوف من المجتمع على أحكام المشرع، وبالذات في حال وجود أبناء كبار وأصهار غالبا ما يجبرون أهاليهم على التكتم ولا يهتمون لغير المظهر الاجتماعي، كحال فوزية التي طلقها زوجها بعد عشرة دامت 35 سنة رزقوا فيها بنينا وحفدة وأصهارا، لكن كل ذلك لم يشفع لها مع زوجها الذي لم يتردد في تطليقها بسبب صراع على المال المشترك بينهما، لكن وبعد وقوع أبغض الحلال عند الله أصر أبنائها على بقائها في بيت والدهم حتى لا تفضح قصة الطلاق وحتى بعد أن تزوج والدهم للمرة الثانية بقيت الوالدة في بيتها كشكل اجتماعي لا يجب أن يتغير. حورية هي الأخرى إحدى هذه النماذج، امرأة مثقفة في عقدها الخامس، عملت لسنوات وكافحت في مجالها، تشاركت مع زوجها في كل مشاريع الحياة وأعبائها، وكأي زوجين مكافحين حققا ذاتهما بالتدريج، وبعد أن حصدا ثمرة جهود السنوات واستقرا ماديا، بحيث صار لهما بيت كبير وجميل كما تمنيا دائما وسيارتين، ظهرت بوادر اللااستقرار الزوجي والعاطفي. وحسب حورية فزوجها هو الذي تغيرت سيرته وصار متصابيا ونسي أن له زوجة وولد في أواخر الجامعة وبنت متخرجة منذ سنتين، وباتت أخباره تسيء إلى كرامة حورية التي قررت الانفصال ولسان حالها يقول أن الدنيا لا استقرار فيها وأنها رحلة شقاء متواصلة بفصول مختلفة، لكن أبناءها رفضوا الفكرة خاصة وأنها لا تملك مكانا آخر تقيم فيه. وجدت حورية نفسها في حيرة كبيرة، فكل ما حققته الأسرة كانت هي طرفا مهما فيه ولا يعقل بعد أن أشرفت على التقاعد أن تتخلى عن كل شيء وتتركه لزوجها، فيما بات الطلاق ضرورة لحفظ كرامتها، فاختارت أن تحصل على الطلاق وأن تمكث في بيتها منفصلة عن زوجها، لا تقاسمه الغرفة ولا تخدمه ولا شيء يجمعهما سوى تقاسم البيت الكبير المشترك. تقول حورية " لم أعتقد يوما أن أعيش تجربة الطلاق وفي هذا السن بالتحديد، ولم يخطر على بالي أكثر أن أبقى في بيت الزوجية بعد الطلاق، الأمر كان غريبا بالنسبة لي في أول الأمر، لكني تعودت وصرنا كالجيران نتقاسم الغرف وما سهّل علي الأمر هو الأولاد، خاصة ابنتي فهي تجنبني كل ما من شأنه أن يحرجني، فالفتاة أقرب إلى لأمها دائما، أما الولد فهو يرى بأنني ما كان يجب أن أتطلق بل كان علي أن أصبر، لذا فلا أشعر بتعاطفه كثيرا، أما المجتمع الخارجي فلا أحد يعرف بالقصة سوى أقرب المقربين لأنني لا أعتقد أن الناس يتقبلون مثل هذه الفكرة. أما مريم، وهي سيدة في أواخر الخمسينات، فقد تعرضت لأزمة عاصفة مع زوجها وشبت خلافات كثيرة بينهما بعد أن أدخل عليها ضرة في عمر أبنائها إلى الفيلا التي تقطنها بحجة أنها كبيرة وطلب منها أن تتقبلها كما تتقبل زوجات أبنائها الثلاث الذين يقطنون معها في نفس الفيلا، لكنها رفضت وأصرت على الطلاق وكان ذلك كلما ينتظره منها فطلقها في سرعة البرق على أمل أن يعيش براحة في الفيلا مع زوجته الجديدة، لكن مريم برفقة أبنائها قرروا ألا تخرج من بيتها وألا تتخلى عن حياتها لزوجة أبيهم الجديدة، فقرروا أن تبقى بينهم حتى ولو كانت مطلقة، وحاليا تقول "مع أنني لم أكن موافقة على أن أعيش معه تحت سقف واحد بعد الذي حدث، لكنني مع الوقت أدركت أنني أحسنت الصنع، فأنا أعيش وسط أبنائي ولم أتخل عن الجمل بما حمل لأجنبية، رغم أنني أخاف أن يكون في الأمر حرمة شرعية، لكن أبنائي أكدوا لي عكس ذلك لأنني أعيش بينهم ولا ألتقي بطليقي إلا نادرا.
* تقاسم بيت الزوجية ضروري في بعض الحالات
لم يكن الأمر مألوفا ولن يكون كذلك، فالطلاق هو انفصال زوجين في الحياة وفي البيت أيضا، وبما أن من مقومات الزواج أن تنتقل الزوجة من بيت أهلها لتعيش في بيت زوجها، فإن من شروط الطلاق أيضا أن تخرج المرأة من بيت الزوجية لأنها صارت غريبة على الرجل، لكن وبعد التعديل الذي شهده قانون الأسرة خلال 2005، فقد صار بيت الزوجية من حق الزوجة الحاضن، وصار على الزوج التخلي عنه لصالح المرأة قبل أن يتخذ إجراء إمكانية كراء الزوج منزلا لزوجته إذا لم يكن يملك بيتا غير الذي يقطن فيه. وباعتبار أن الطلاق صار ظاهرة أكثر من مألوفة في مجتمعنا اليوم، والمحاكم الجزائرية تسجل سنويا أكثر من 60 ألف حالة، بمعدل 166حالة في اليوم، و06 حالات في الساعة وحالة لكل عشرة دقائق، وهذا ما يجعل الطلاق يتحول إلى ظاهرة مخيفة تنجر عنها مشاكل وصراعات اجتماعية غير مسبوقة وعلى رأسها مشكل السكن المشترك، وبالنظر إلى ذلك، فإننا لا محالة نجد الكثير من الأزواج يضطرون إلى تقاسم بيت الزوجية بعد الطلاق، وفي حالة ما إذا كان البيت مشتركا بين زوجين عاملين فالاحتمال يصير أكبر، خاصة وأن نسبة قليلة فقط من المطلقات ممن يستفدن من مثل هذا الوضع، بينما تتعرض الكثيرات للطرد من منزل الزوجية حتى مع وجود القانون، فالقانون المعدل رغم أنه ينصف المرأة المطلقة الحاضن ويضمن لها حقها في المسكن بعد الطلاق، إلا أن بعض المتحايلين على القانون وجدوا كل الفرص لإعاقة تطبيق هذا البند، فبالنسبة لأغلبية الجزائريين تجدهم لا يحتكمون سوى على مسكن واحد وإذا كان الزوج يمتلك مسكنا آخر يقوم بتسجيله باسم أحد أفراد أسرته ليتجنب التنازل عنه للزوجة المطلقة بحكم من المحكمة، وبالتالي فبند مسكن الزوجية يشهد الكثير من التلاعب وينتهي الأمر بإلزام الزوج دفع حق إيجار مسكن للزوجة المطلقة وأبنائه الذين يعيشون في كنفها، لكن المنحة التي تقدر بحسب مدخول الزوج غالبا ما لا تكفي حتى لدفع إيجار غرفة واحدة، ويمكن اعتبار التعديل الذي أحدث على قانون الأسرة دافعا لبعض النساء في طلب التطليق بقدر ما كان دافعا للرجال للتفكير ألف مرة قبل الإقدام عليه لما يترتب عنه من خسارة لمسكن الزوجية.
* "المطلقة تمر بظروف نفسية صعبة حتى ولو بقيت في منزلها"
وتؤكد الأخصائية النفسية بديعة بن محمد، بأن الزوجة تعاني من ضغوط نفسية قوية بعد مرحلة الانفصال، خاصة في حالة الطلاق الذي يقع بعد فترة طويلة من الزواج لأنها بعد هذا الوقت لا تفكر بأنها يمكن أن تقع ضحية طلاق لاعتقادها بأنها تجاوزت مثل هذه المشاكل التي تقع في مرحلة الشباب، مثل هذا الطلاق يلقي بالمرأة المطلقة في وضع يسوده الشعور بالقسوة والضياع، ومن ثم يجب النظر إلى سن المرأة عند الطلاق، فكلما كان الطلاق أقرب لسن الأربعين أو الخمسين، كانت الضغوط النفسية عليها أشد وأقسى لأنها تقترب من سن اليأس وفرص بناء حياة جديدة تقل لديها، لذا فهي تفضل المكوث في بيتها واستمرارية حياتها السابقة حتى ولو بشكل صوري عكس الزوجة الشابة التي حتى وإن طلقت فستفكر بأنها ستحظى بزوج آخر.