الحلقة 10 جئت رفقة الشاب خليفة أصيل مدينة المنستير وسي العربي الشابي لتحصيل الضرائب التي يدفعها الأهالي التونسيون في كل موسم .. وسي العربي لم يشك أبدا أنني امرأة فهو دائما يناديني ب: أخي محمود ….لقد شاركته حياته وأعماله قرابة الشهرين في نجوع القبائل الفقيرة التي كان وجودنا غير مرغوب فيه عندهم .. لولا تدخل البرانيس الحمراء للسبايسية والزرقاء (للدايرة) .. الذين فرضونا عليهم وهم يتضورون جوعا من شدة الفقر المدقع لما امتثلوا إلى طاعتنا … حينها قلت لسي العربي طيب القلب: ألا نخجل من أنفسنا ونحن نقوم بتحصيل الضرائب من هؤلاء المساكين ؟ للتذكير سي العربي يلزمه الواجب للقيام بالتحصيل وأنا رفقته من باب الفضول لتوثيق ما يجري وفي كلتا الحالتين ما نقوم به هو عمل سيء ومع ذلك فقد قضيت ساعات ممتعة … لأن بعض الأسماء في هذا الوطن تثير في نفسي ذكريات جميلة لا تعد ولا تحصى. ولدى مغادرتنا ل(موكنين) المعزولة بأشجار الزيتون والتين الشوكي (الهندي) وفي طريق مغبر ومستقيم ومسيج بأشجار الزيتون التي تبدو ما لا نهاية لها في تموجها مثل الأمواج وفضية اللون في أعلى قمتها….. و في طريقنا صادفنا مسجد صغير غير منتهي البناء .. مبني بمادة التراب الأبيض وبقوالب الطوب كالتي تستعمل في الجنوب وعدد قليل من المنازل وخرائب وقبور منتشرة بشكل عشوائي وأول ضريح لهذه القبور هو ضريح الأميرة النعيجة .. وأمام المسجد فناء صغير تغزوه الأعشاب وفي أسفله مبني منخفض مقبب وبجانبها شجرة تين تغطيه بأوراقها المخملية وهنا أيضا يتواجد بئر عميق بمائه الزلال وعلى حصير من الحلفة استلقينا … وربحا للوقت سي العربي ترجاني لمساعدته من أجل أن أكون كاتبه محضر ومن جهتهم السبايسية والدايرة شرعوا في عرض سكان القرية أمامنا المصحوبين بأبنائهم الكبار والمرتدين للباس سفاسري الخشن ووجوههم المحترقة بلفح الشمس وريح السيروكو ورؤسهم التي توحي بالعنف ونظراتهم التي يتطاير منها الغضب والتي تكاد تكون مغلقة ومن بينهم عجوز طويل القامة الذي ملامحه تشبه النسر وعينين ينبعث منهما الغضب أيضا …. كان حينها يقدم تفسيرات تنطوي على تشكيات وبكائيات كلها تعبر عن وضعهم المزري وبعدها أشرع في مناداتهم واحدا واحدا حسب القائمة محمد بن محمد الضو أنعم (حاضر) بكم أنت مدين أربعون فرنك. ولماذا لا تسدد الضريبة التي عليك راني في (الروج) سيدي (هو مصطلح تونسي للتعبير عن الفقر) ولا تمتلك منزلا ولا حديقة ولا أي شيء ؟ الحال حال الله … انصرف الى جهة اليسار الرجل بعد أن يبتعد يجلس مطأطأ الرأس أمام لسبايسي لقيوم بقيده وغدا يحول مع بقية نظرائه من الذين تعسر عليهم دفع الضرائب إلى موكنين ثم إلى سجن المنستير للقيام بأعمال الشاقة مثل العبيد وبهذه طريقة المتوحشة يتم استخلاص الضرائب.