يعتبر التوحد من الامراض المحيرة، والتي لا زالت قيد البحث والدراسة ومراجعة الطرق التشخيصية والعلاجية، ويتصف التوحد بوجود تأخر فى اكتساب اللغة لدى الطفل، وضعف في العلاقات الاجتماعية مع من حوله ايضا، تكون للطفل حركات متكررة او اهتمامات محددة، ويؤثر التوحد على النمو الطبيعي للمخ في مجال الحياة الاجتماعية ومهارات التواصل، حيث تؤدي الإصابة بالتوحد إلى صعوبة في التواصل مع الآخرين، وفي الارتباط بالعالم الخارجي، ويواجه العديد من اطفال التوحد مصيرا مجهولا بعد أن أدخل هذا المرض معظم الأولياء في دوامة جراء حالات أبنائهم المستعصية، والتي لم يجدوا لها منفذا لتشخيصها، حيث تبقى هذه الفئة تعاني في صمت. وحسب أخر الأرقام المقدمة من طرف مختصين في مجال الصحة، فإن الجزائر تحصي أسبوعيا حوالي 17 حالة جديدة لمرض التوحد. وفي هذا الإطار وللوقوف أكثر على واقع هذا المرض أسبابه وطرق علاجه، توجهنا الى عيادة الدكتور رامز العابد، الأخصائي في علم النفس العيادي والباحث في علم النفس "النمو" والمعاجة النفسية بجامعة باتنة، وكان لنا معه الحوار الآتي: بداية نبذة تعريفية عن مرض التوحد ؟ – حقيقة إن مرض التوحد هو مرض سلوكي بالدرجة الأولى، وليس عقليا كما هو شائع لدى الكثيرين في العالم، وينتج عن خلل في وظائف الدماغ؛ مما يجعل الطفل يعاني من إعاقات في التطور والنمو خلال الأعوام الثلاثة الأولى من عمره، ومن الملاحظ أن الطفل يفقد قدرته على التواصل اللفظي والكلام بعد بلوغه سن 18 شهرا، يبدأ بعدها يعاني من صعوبات في التطور والنمو، خاصة فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية المتبادلة، واللغة بالإضافة إلى السلوك، فيصبحون منغلقين على أنفسهم، وأحيانا يتسمون بالعدائية ويفقدون المهارات اللغوية التي اكتسبوها. كما أن هناك بعض الأسباب ذات العلاقة، من بينها ترك الطفل الرضيع وحده لساعات أمام جهاز التلفاز دون مراقبة، خصوصا خلال الأسابيع الأولى للولادة، وأيضا قلة الرضاعة، أعتقد أنها تلعب دورا كبيرا في الإصابة بالمرض، خصوصا ان الرضاعة الطبيعية تعتبر علاقة تكافلية بين الأم والرضيع، كما أعتقد بأنه لا يوجد أساس علمي يؤكد نظرية العامل الوراثي في الإصابة بمرض التوحد. برأيك هل الكشف المبكر للإصابة بالتوحد يساهم في حل المشكلة؟ – أعتقد أن بعض الأطباء لا يعرفون عن مرض التوحد الشيء الكثير مما يؤثر على عملية الاكتشاف المبكر والتأهيل والمعالجة الطبية لهؤلاء المرضى، وبرأيي يؤدي الاكتشاف المبكر للإصابة إلى تدخل مبكر لتحسين مستوى التحصيل اللفظي والكلامي بواسطة برامج التأهيل الخاصة من قبل أخصائيين كبرامج السمع والنطق. من جهة أخرى يمكن أن يُحقق الاكتشاف المبكر معالجة إيجابية ناجعة للسلوك السلبي والنمطي لدى مرضى التوحد من خلال تدريبات على تحسين السلوك. حدثنا عن حالات قمت بمعالجتها؟ – منذ سنة 2005 فكرت في فتح مركز خاص بمعالجة الأطفال المصابين بمرض التوحد، بفضل الله وعونه تمكنت من علاج عدد لا بأس به من الأطفال، وتماثل عدد كبير منهم للشفاء، وقفت على حوالي 500 حالة مسجلة، هناك من الأطفال المرضى الذين تفاعلو مع جلسات التأهيل وشفوا تماما، حتى ان هناك منهم من يزاول دراسته، من بينهم حالة طفل مريض شفي تماما وهو يعتبر من الناجحين والمتفوقين على مستوى مؤسسته التعليمية،المركز الذي قمت بإنشائه داخل عيادتي يضم مربيات مختصات ومؤهلات، حاليا نعمل على طريقة العلاج بالتأهيل بعيدا عن تأثيرات العلاج الكيميائي. ماذا عن دور الأسرة للعناية؟ – تلعب الأسرة دورا أساسياً في تطبيق البرامج التربوية والعلاجية لطفل التوحد، نظرا للوقت الكبير الذي يقضيه الطفل برفقة أسرته، وبذلك فهي تلاحظ على الأغلب وجود أي مشكلة أو تطورات على سلوكه، كما أن الوالدين هما أول من يتلقى الصدمة والمفاجأة بعد مرحلة التشخيص، ويعيشان مراحل بداية المرض وتطوره، ما يجعلهم يتنقلون من طبيب إلى آخر إلى أن يصل الأمر بهم لتقبل الحالة والبحث عن البرامج التربوية والعلاجية المناسبة، لذلك فهم يلعبون دوراً كبيراً في نجاح هذه البرامج، أما دور المجتمع فيتجلى بشكل كبير في بذل الكثير من الجهود حتى يزداد الوعي باضطرابات طيف التوحد، والذي سينعكس بشكل كبير على نمط التقبل الاجتماعي لفئات التوحديين وأسرهم. كيف تفسر غياب الجمعيات الفاعلة في الميدان – أعتقد أن غياب الجمعيات الفاعلة في التكفل بهذه الفئة يعود بالأساس لغياب التكوين اللازم في هذا المجال، نظرا لافتقار المنظومة التعليمية في مقررات شهادة الليسانس بالجامعات الجزائرية الى الاختصاص في هذا المجال، وبالتالي فإن معظم الأخصائيين يغيب عنهم مفهوم مرض التوحد، كما أظن أن المشكلة الأساسية في عدم الاهتمام بمرضى التوحد وتأهيلهم عدم وجود جمعيات قادرة على استيعابهم، نظرا للتزايد الرهيب لأعدادهم، وكذا وجود حالات لمصابين بالتوحد من الفئات العمرية الكبيرة التي تتجاوز سن العشرين، وهذا مما يسبب صعوبة وإشكالا كبيرا في التكفل بهذه الحالات المطلوب اليوم من الجهات الوصية التحرك قصد تدارك الوضع وبذل المزيد من الجهود للتكفل الأحسن والتقليص من حدة هذه الظاهرة. كلمة أخيرة – شكرا جزيلا لكم على هذه الالتفاتة الطيبة، وإلى تطرقكم الى هذا الموضوع الحساس الذي يمس شريحة واسعة من المجتمع. من جهتي أدق ناقوس الخطر تجاه هاته الفئة التي تتألم لوحدها في صمت في ظل عدم اهتمام العائلة من جهة والسلطات من جهة أخرى بهم، لا سيما ان الطفل المصاب بالتوحد يتطلب تكفلا صعبا للغاية ومتواصلا منذ البداية، كما اتمنى من المهتمين بذل المزيد من الجهود للبحث عن اسباب هذه الظاهرة المرضية التي أضحت كابوسا يرهق العائلات والجهات الوصية على حد سواء. حاوره / العمري مقلاتي