بقلم: قادة صافي لم نجد ضالتنا إلاّ في هذا الفضاء الأزرق المسمّى الفايسبوك، ففيه اليوم نقيم أفراحنا وأقراحنا، نقيم فيه حفلات الشطيح والرديح الافتراضية، كما فيه نقيم المندبة والبكاء، نلطم الوجوه ونشق الصدور، وفيه نقيم صراعات وحروبا وهمية، نعم إنّه الفايسبوك الذي نقلنا من عالم واقعي بائس إلى عالم افتراضي أشد بؤسا. مجانين على الفايسبوك، هذا يصور ميته ويتساءل هل من مترحم، وذاك يصور صديقه النائم على السجّادة ويوهم الناس أنّه مات ساجدا ويدعو له بالرحمة، فتنزل الرّحمات الوهمية على جثة افتراضية وعلى حسن خاتمة افتراضية، وذاك يصور نفسه نائما يدعي المرض يستجدي دعوات الشفاء من الأصدقاء، وهناك غير بعيد من يقيم حروبا دينكوشيتية، ما إنّ ينتهي من حرب يدخل في أخرى أشد وطأً من الأولى. تصفّح الفايسبوك وتجوّل في أحيائه ستجد عالما ثانيا موازيا للعالم الواقعي، قصص عشق تنسج في الخيال، فتلك تبحث عن فارس أحلامها المفقود في الواقع، وذاك يبحث عن بنت "الحلال" عند "مارك" ولم يجدها في حيّهم ومدينتهم وفي قريتهم، وشيخ ملتح يسوق نفسه أنّه خبير بالرقية، إذا قال للجنّ كن فيكون، فيتبعه كل من ضاقت به الدنيا ذرعا، فهذا يقول أنا ضحية "كادنا"، وكل من تأجل قدرها ترى في هذا الشيخ المخلص الذي سيفتح لها أبواب الفرج على مصرعيها. غير أنّ الملفت للانتباه في كل هذا الوهم الذي نعيشه في بيت "مارك" هو تلك الحروب الوهمية التي نقيمها كل يوم في هذا العالم الافتراضي، فكل من "فرغ شغل" يطلق "هاشتاغ" ويطق صرخة إنّي محارب فلبوا، يقيم معركة ما تفتأ تناطح جدران الفايسبوك وما تتعداها قيد أنملة، فهذا يقود معركة الهوية وهو جالس خلف حاسوبه، والآخر ممدّد على رمال الشاطئ يطلق معركة تسمى معركة تحرير الوعي وهو فاقد لكل وعيه، فتعددت المعارك والمآل واحد الفشل تلو الفشل. إنّنا نحتاج لمعركة التحرّر من الوهم أولا، إنّنا نعيش أوهاما ونقيم كل يوم حروبا وهمية ونقيم معارك زائفة، وكذلك نفتخر بانتصارات وهمية، أليس حري بنا أولا وقبل كل شيء أن نتخلّص من الوهم والتزييف الذي نعيشه في هذا العالم الافتراضي، والذي عشش في عقولنا وبلغ منّا كل مبلغ، فمن فشل في معركة الواقع لن ينجح في معركة افتراضية تكتب تفاصيلها على جدران الفايسبوك.