ما إن يحل شهر أوت حتى تقفل جميع دور الحضانة أبوابها وتخرج في عطلتها السنوية، وفيما تمثل هذه العطلة فترة راحة واستجماع لقوى العاملات، فإنها بالمقابل تعتبر كابوسا للأمهات العاملات المعتمدات على هذه الحضانات لرعاية أطفالهن، خصوصا غير القادرات على الخروج في عطلة، فلا يجدن الحل سوى في البحث عن جليسة أطفال لتعويض أطفالهن دفء العائلة ورعاية الأمهات. تصادف الأمهات العاملات اللواتي تستعن بدور الحضانة للاعتناء بأطفالهن ورعايتهن خلال ساعات العمل الكثير من الحرج وقت العطلة السنوية التي تتزامن مع شهر أوت بالنسبة لجميع دور الحضانة وحتى شهري جويلية وأوت بالنسبة لبعضها، ويزداد الأمر تأزما إذا تعذّر على الأم الخروج في عطلة هي الأخرى لأسباب تتعلق بالعمل، أو كونها اضطرت إلى الاستفادة منها في وقت سابق، ما يجعل الخيار المتاح أمامها هو اللجوء إلى الأقارب كالأم أو الحماة للاعتناء بالصغار في هذه الفترة أو حتى البحث عن جليسة للأطفال ترعاهم مقابل المال لتمضية هذه الفترة بسلام. وقد أكدت راضية، وهي سيدة عاملة، أنها صادفت ظرفا صعبا هذه الآونة الأخيرة، خرّب جميع حساباتها، حيث كان من المقرر أن تخرج في عطلة شهر أوت بالتزامن مع عطلة حضانة ابنتها البالغة من العمر ثلاث سنوات، إلا أن زميلتها في المكتب هي من خرجت في عطلة كونها فقدت والدها ولم تتمكن من استئناف العمل، الأمر الذي أجبرها على البحث عن حل آخر ولم تجد غير اللجوء لحماتها لتعتني بالطفلة هذا الشهر، وعلى الرغم من أن ظروفها الصحية ليست على ما يرام إلا أنها لم تفرط في حفيدتها ورفضت إرسالها لجليسة أطفال غريبة عليها خوفا من تعرضها للإهمال أو سوء المعاملة، أما نسرين، وهي أم لطفلين، فقد أكدت أنها وضعت كلاهما تحت رعاية والدتها شهري جويلية وأوت الجاري، لأنها لا تملك الحق في الاستفادة من عطلة، وذلك لأنها لم تحصل على هذه الوظيفة سوى في شهر ماي.
* أغلب الأمهات العاملات يفضّلن رياض الأطفال تفضل معظم الأمهات دور الحضانة ورياض الأطفال على جليسات الأطفال، باعتبارها أكثر أمنا وتنظيما مقارنة بالبيوت، كما يشكل الإهمال وسوء المعاملة الذي قد يتعرض له الطفل إذا كان في أمانة جليسة غير مسؤولة، هاجسا يؤرق الأم ويجعلها غير قادرة على الاطمئنان طوال ساعات اليوم، حيث تعمد الكثيرات منهن إلى استقبال عدد كبير من الأطفال يصل إلى الخمسة أحيانا، بالرغم من ضيق البيت وانشغالها بالطبخ لعائلتها والقيام بأعمالها المنزلية أيضا، وعليه تفضل معظم الأمهات العاملات ترك الصغار عند إحدى قريبات الطفل سواء كانت الجدة، العمة أو الخالة حتى تقوم على الاعتناء به كما يجب، حيث أوضحت أسماء أنه وبمجرد أن يصل أبناءها إلى السن الذي يقبلون فيه بالحضانة حتى تسجلهم فورا، وذلك نتيجة تخوفها من حصول أي مكروه لهم عند جارتها، التي تعتني بهم مقابل مبلغ مالي كل شهر، وذلك لأنها من العادة أن تتحمل مسؤولية أربعة أطفال في الوقت ذاته، ما يجعل الضغط عليها كبيرا. وقد يتسبب الأمر في إهمال الأطفال، أما خلال عطلة الحضانة، فأكدت أنها من العادة أن تخرج في عطلة هي الأخرى خلال شهر أوت، حتى لا تقع في الحرج، لكن إن تعذر عليها الأمر، فإن حماتها تتكفل بالاعتناء بهم تلك الفترة، خصوصا وأن العائلة كبيرة وتقوم العمات بمساعدتها على ذلك.
ولعل الدور الأساسي لرياض الأطفال، ليس هو التعليم الذي يتم في المدرسة الابتدائية، وإنما دور الروضة أن تشبع حاجات الطفل في اللعب المنظم والهادف الذي يمرن حواس الطفل ويجعله يدرك الألوان والأشكال والروائح والطعم والأبعاد والجهات والأوزان…كل ذلك في جو مفرح ومفعم بالحيوية والنشاط، وبذلك تعتبر الروضة هي تلك الحديقة الغنية بالمثيرات التي تهيئ حواس الطفل وتعده لمتابعة التربية والتعليم في المدرسة، فالطفل الذي مرّ بروضة جيدة يساعده ذلك على التقدم والتطور والنجاح في تعليمه المدرسي كله، لأنه اكتسب الأسس الصحيحة لبناء قواه العقلية في الروضة.
* المربيات يتحوّلن إلى أمهات بديلات تضحية الأمهات العاملات براحة أبنائهن متواصلة إلى أن يجتازوا مرحلة الطفولة وحتى المراهقة، فكلاهما محروم من الآخر بسبب العمل خارج البيت وما صار يشكله من ضرورة عصرية واقتصادية تعتمد عليها الأسر اليوم. وحتى وإن كانت الأسرة ميسورة الحال وليست بحاجة إلى مرتب الزوجة، نجد الأمهات المتحصلات على الشهادات الجامعية مقتنعات بمبدأ العمل بعيدا عن الحاجة المادية، متحملات في كل ذلك مشاكل فراق أطفالهن حتى ولو كانوا من الرضع في الشهور الأولى من العمر.
ورغم أن الأطفال لا يلبثوا أن يتأقلموا مع الوضع الجديد ويتعودوا على المربيات، كما تقول فايزة، إلا أنّ العطل السنوية خاصة الطويلة كما هو حال العاملات في قطاع التعليم يعوّد الأطفال على حضن أمهاتهم مجددا فيرتبطوا بوجود الأم ويعيشوا أزمة نفسية ووجدانية للفراق في كل مرة، خاصة وأن البعض منهم لا يقبلون عن الأم بديلا عكس آخرين من الذين يبدون مرونة وتفتحا على المجتمع والعالم الخارجي.
وتضيف فايزة " أواجه مشكلا يؤرق مضجعي عند انتهاء كل عطلة بسبب فراق أطفالي إلى درجة أن النوم يجافيني لأيام قبل انتهاء العطلة خشية من ردّة فعل طفليّ والعذاب النفسي الذي سيواجهانه مجددا، خاصة الابن الأكبر الذي لا يتجاوز الثلاث سنوات فهو مرتبط بي كثيرا، أما الثاني فما زال لا يدرك الأمور من حوله وهو أكثر تأقلما مع الغرباء، وأتذكر أنني عانيت معه في العام الماضي فقد نحل جسمه وتغير حاله لمدة فاقت الشهر، إلى درجة أنني فكرت في الاستقالة من العمل، لكن ظروفي المادية لا تسمح بذلك وإلا لما كنت ضحيّت براحة أطفالي ولا فارقتهم".
أما سليمة التي قضت أكثر من شهر في عطلة تزامنت مع رمضان وعيد الفطر، فتواجه المشكل المؤرق ذاته مع بنتيها، فبعد أن ظلتا في حضنها طيلة ذلك الوقت وتعودتا على وجودها اليومي، هاهي تضطر مجددا لفراقهما مع كل ما يسببه ذلك من ألم نفسي لها ولهما، لكن للظروف أحكام، تقول سليمة، فالمرأة اليوم لا خيار أمامها عن العمل خارج البيت ولا عن مواجهة مثل هذه الأزمات النفسية التي تستطيع تجنبها ولا تجنيب بناتها إياها.
* بعض المربيات حارسات.. وفقط تعوض بعض المربيات بصفة فعلية الأمهات الحقيقيات بسبب ما تتمتعن به من حنان وضمير ودراية بشؤون التربية، إما لأنهن أمهات واجتزن كل مراحل التربية، وإما لأنهن فتيات في زهرة العمر وحبهن للأطفال ومهنة المربية يفوق حبهن للمال، لأن بعض المربيات -سامحهن الله -لا تتعلقن بالطفل الذي تربينه ولا تربطن معه أي علاقة تعوضه عن غياب الأم، والبعض منهن يسمحن لأنفسهن حراسة أكثر من 7 أطفال في غرفة واحدة بسبب البطالة والحاجة فقط، وبالتالي فلا يمكن اعتبارهن مربيات بأي حال من الأحوال لأنهن حارسات وفقط، لا يأبهن لنفسية الطفل ولا لراحته لأن كل ما يهمهن في النهاية هو أن يقضي يومه صامتا أو مهتما بأي لعبة أو حتى نائما حتى لا يزعجهن دون احترام لمواعيد النوم، ويوما بعد يوم يقضي الطفل أيامه في تخلف دون أن تنمو قدراته الفكرية أوالذهنية ودون حتى أن يستمتع باللعب كأقرانه الذين في سنه، بل أنه يقضي ساعات النهار يأكل وينام مثله مثل أي حيوان أليف فحسب. ولمثل هذه الأسباب تفضل الكثير من الأمهات الواعيات اليوم ترك أطفالهن بالروضة رغم الأسعار الباهظة التي يتكبدونها، لكن كل شيء يهون في سبيل راحة وتعليم الأطفال وتحسين مداركهم. تقول فتيحة " أدفع نصف مرتبي على حضانة طفلي في روضة للأطفال تقدم أفضل الخدمات، و رغم ما أتكبده من مصاريف، إلا أنني مرتاحة لأنني مطمئنة على طفلي الذين يلقيان أفضل تربية ورعاية ويتعلمان كل يوم أشياء جديدة، وهو الشيء الذي لا يحصلون عليه عند أي مربية مهما كانت صلة قرابتها، بل أن ذكاءهما ينمو بشكل عجيب وأنا متأكدة أنهما لن يتعثرا في التعليم على الأقل في الطور الابتدائي، لأن لديهما فكرة وافية عن القرآن والأناشيد والرسم والحروف الأبجدية. وتتذكر فتيحة أنها كانت قد تركتهما عند إحدى المربيات مقابل مبلغ مالي أقل، لكنهما تخلفا عقليا وأكثر من ذلك، تضيف فتيحة "كانت المربية ترغمهما على النوم طيلة ساعات الظهيرة، ولهذا كانا لا ينامان الليل، أو تخرجهما معها إلى أي مكان تذهب إليه دون مراعاة حالة الطقس، وفي حالات أخرى كانت تخرج وتتركهما في البيت بعد أن تقفل عليهما باب الغرفة". آمنة/ب