دور حضانة تغلق أبوابها و عاملات في رحلة بحث عن جليسة لأطفالهن تواجه العديد من الأمهات العاملات بقسنطينة، إشكالا حقيقيا خلال كل صائفة بسبب غلق دور الحضانة لأبوابها، ما يضطرهن للبحث عن جليسة بديلة لأطفالهن يكون موثوقا و آمنا. الأمر الذي يتعذر على الكثيرات منهن خصوصا بالنسبة للأمهات اللاتي تجدن صعوبة في استئمان أشخاص غرباء على سلامة أبنائهن، بسبب ما يشاع عن الإهمال و سوء المعاملة التي يتعرضون لها من قبل بعض الجليسات و المربيات ناهيك عن تعلم سولكات و ألفاظ سيئة تنعكس سلبا على تنشئة هؤلاء الأطفال وحتى على نفسيتهم . إذ يطرح هذا المشكل خلال كل صائفة، بالنظر إلى أن العديد من الرياض المتواجدة على مستوى الولاية و المقدرة ب 39 روضة ، تعمد لإعلان عطلتها السنوية خلال شهر جويلية و 15 يوما من شهر أوت ، حيث تعلق كافة خداماتها إلى غاية منتصف شهر أوت ، تاركة أولياء الأطفال المقيمين على مستواها في رحلة بحث عن بديل موثوق لاحتضان أطفالهم في انتظار عودتها للنشاط . عائلات ترفض استقبال أحفادها و أولياء يضطرون للتناوب خلال السنوات الأخيرة التي عرفت خروج المرأة أكثر للعمل، تحول مشكل غلق دور الحضانة إلى هاجس حقيقي بالنسبة للعديد من الأمهات اللواتي لا تملكن بديلا عائليا لاحتضان أطفالهن طيلة النهار. ففي الوقت الذي تجد بعض العاملات حلا مباشرا بتحويل أطفالهن إلى منازل أهلهن و إيداعهن في أمانة جداتهم أو فرد آخر من العائلة ، تواجه أخريات صعوبة كبيرة في إيجاد بديل مناسب و موثوق، بالنظر إلى أن كثيرا من الجدات أصبحن يرفضن احتضان أحفادهن بحجة تراجع صحتهن و ضيق صبرهن أو لانشغالهن بدروس محو الأمية أو بزيارة الاقارب و التسوق و غير ذلك. و بالمقابل تضطر أخريات إلى استجداء الجيران و معارف الأصدقاء لقبول احتضان أطفالهن، فتتحملن تكاليف مرهقة مقابل الحضانة المنزلية تصل إلى 5000 دج شهريا بالنسبة للطفل الواحد ، مع اشتراط وجبة الغذاء، الغيارات و وجبة خفيفة للمساء، وذلك في الحالات التي تكون فيها العاملة أما لطفل وحيد. في وقت تضطر الأمهات اللاتي تملكن أكثر من طفل واحد إلى دفع ما يتعدى 15 ألف دج شهريا كنفقات حضانة أطفالهن حسب العدد، وهي الأعباء التي تعد مرهقة بالنسبة لهن مقارنة بما يدفع لدار الحضانة التي لا تتطلب في العادة أكثر من 3000 آلاف دج للطفل شهريا، بالرغم من الفرق الكبير في مستوى التكفل و نوعية الخدمات التي يحظى بها الأطفال المقيمون على غرار التغذية المتوازنة و التعليم . هذه الوضعية جعلت كثيرا من السيدات العاملات تفكرن في تأجيل إجازاتهن و برمجتها للتزامن مع فترات عطل دور الحضانة ، هذه الأخيرة التي تبرمج بدورها وقف نشاطها مع العطلة السنوية لقطاع التعليم، بحكم أن الغالبية العظمى من زبائنها عاملات بهذا القطاع، كما أوضحت السيدة نادية أم لطفلين في الثانية و الثالثة من العمر عاملة بمؤسسة خاصة ببلدية عين سمارة . وأخبرتنا في هذا الصدد بأنها تضطر إلى التنسيق مع زميلاتها في العمل ليتنازلن لها عن شهر جويلية كعطلة ، حتى تتمكن من مجالسة أطفالها خلال فترة غلق دار الحضانة الوحيدة الموجودة بالبلدية معلقة : « واجهت الكثير من المشاكل خلال الصائفة الماضية عقب رفض ابنتي الكبرى البقاء عند جدتها والتأقلم مع وضعها الجديد بعدما أغلقت دار الحضانة أبوابها ، ما دفعني لوضع برمجة خاصة هذا العام تجنبا لأي مفاجئات خصوصا وأنني لا أثق في جليسة «. أما الدكتورة وسيلة أم رامي الساكنة بحي الدقسي عبد السلام ، فقد أخبرتنا بأنها أصبحت تخاف الصائفة لأنها عادة ما تفضل تأجيل عطلتها السنوية إلى شهر رمضان غير أن توقف الحضانة في شهر جويلية من كل عام ، كثيرا ما يخلط أوراقها ، خصوصا و أن ابنها صاحب السنة و النصف يواجه صعوبة في التأقلم مع البدائل الجديدة حتى وإن كانت بيت أهلي كما قالت ، « لذا ألجأ أنا و زوجي الموظف إلى التناوب على مرافقته بالبيت ما يضيع علينا العطلة السنوية لأنني أغلق العيادة عندما يعود هو للعمل «. جليسات الأطفال حل مؤقت ومكلف يفرض هذا الوضع على العديد من الأمهات العاملات ضغطا كبيرا ،فمسؤولية الأطفال تجبرهن أحيانا على التسلل قبل انتهاء ساعات الدوام أو التأخر في الالتحاق بمناصبهن وهناك من الأمهات من تأخذ أبناءها معها إلى أماكن العمل لعجزها عن إيجاد جليس لهم. ما شجع بالمقابل العديد من ربات البيوت على التوجه لفتح شبه رياض على مستوى منازلهن ، أين يستقبلن يوميا من ثلاث إلى ستة أطفال مقابل مبالغ جد معتبرة ، الأمر الذي حول نشاط الجليسة إلى حرفة مربحة، خصوصا و أنهن يفرضن شروطهن على زبائنهن وفق ما يوفر راحتهن، إذ تحددن ساعات الاستقبال و تشترطن أعمار الأطفال المقبولين، كما ترفضن أحيانا تغيير الحفاظات مرارا أو استقبال الأطفال المرضى، حتى أنهن تأبين العمل في الأيام التي يرتبطن خلالها بمواعيد محددة كالأعراس و المناسبات . و يعد هذا النشاط حسب بعضن مربحا، حيث يصل مردوده إلى 30 ألف دج في الشهر حسب عدد لأطفال. وهو ما شجع الإقبال على ممارسته من قبل العديد من الفتيات العاطلات عن العمل اللاتي يجدن فيه فرصة للكسب و بأقل جهد ، إذ تستثمرن بطالتهن في مجالسة الأطفال ، خصوصا وأن الطلب أصبح كبيرا على ‹›المربية›› أو ‹›جليسة الأطفال». إذ تؤكد السيدة ‹›فائزة››موظفة بأحد البنوك بقسنطينة بهذا الخصوص، بأن الكثير من المربيات يعمدن خلال فترة الصيف إلى انتهاز الفرصة وزيادة مطالبهن المالية ، وهو أمر تبرره جليسات الأطفال بكون المجالسة مسؤولية كبيرة لا تعني حراسة الطفل عند غياب الوالدة فقط بل رعايته والعمل على جعله بعيدا عن الأخطار المختلفة. انعدام ضوابط منظمة للنشاط وراء غياب المناوبة يعود السبب وراء غلق دور الحضانة لأبوابها خلال كل صائفة حسب ما أوضحته السيدة ‹›حياة ‹› مديرة إحدى دور الحضانة بحي سيدي مبروك ، لمجموعة من المسائل التنظيمية التي تخضع للنظام الداخلي لكل دار. « فأغلب دور الحضانة كما قالت ،تعمد إلى غلق أبوابها من أجل أشغال صيانة و تنظيف دورية ، وهو إجراء أكدت بأنه غير فجائي بل يتم إخطار الأولياء به مع مطلع كل سنة جديدة ،من خلال إطلاعهم على القانون الداخلي لدار الحضانة بكل تفاصيله ،غير أن العديد من هؤلاء الأولياء لا يأخذون الأمر على محمل الجد وهو ما يخلف حالة الإرباك التي يشتكون منها «. هذا في وقت يقترح فيه المعنيون العمل عن طريق نظام المناوبة و وتقسيم المعلمين و المرشدين إلى مجموعات تعمل خلال فترة العطلة الصيفية بالتناوب كحل بديل و بالتالي تجنب الغلق التام للدور. و هو المقترح الذي أكدت مصالح النشاط الاجتماعي بالولاية ، بأن قرار تفعيله خارج عن صلاحياتها لكون شرط المناوبة غير منصوص عليه ضمن المرسوم التنفيذي المنظم لنشاط أصحاب هذه المرافق ، بعكس شروط التكفل و الترخيص التي تعد جد صارمة . وعليه فإن مسألة المناوبة بين هذه الدور أمر راجع للتنسيق بين ملاكها و مسيريها ، باعتبار أن صلاحيات مديرية النشاط الاجتماعي لا تخول لها الحق في فرض هذا الشرط أو منع أي روضة أطفال من غلق أبوابها في أي وقت من السنة .