أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، بصراحة، أن العملية التي بدأها الجيش التركي، الأربعاء، بدعم من التحالف الدولي شمالي سوريا، لا تقتصر على محاربة تتظيم داعش المتشدد بل تطال أيضا ضرب القوات الكردية. وقال أردوغان، بعد وقت وجيز على بدء التوغل البري والقصف، إن "العملية العسكرية تستهدف داعش وميليشيات حزب الاتحاد الديمقراطي في شمال سوريا"، قاطعا الشك باليقين بشأن الأهداف الحقيقة للحملة. وتأكيد أردوغان جاء بعد إشارات مبطنة عكستها تصريحات وزير الداخلية التركي، أفكان آلا، حول الهدف الحقيقي من العملية العسكرية، التي بدأتها أنقرة بعد ضوء أخضر أميركي-إيراني، ومباركة روسية. وُأطلقت العملية تحت شعار طرد داعش من مدينة جرابلس الحدودية، إلا أن تصريحات آلا ألمحت أن التطورات بين أنقرة وطهران وموسكو، أرخت بظلالها على مسار الحرب السورية، قبل أن يحسم أردوغان ذلك. والعنوان الأكبر لعملية خلط الأوراق في سوريا ليس إلا تقدم القوات الكردية على الشريط الحدودي بين سورياوتركيا، الأمر الذي أثار مخاوف أنقرة وطهران بشأن تشجيع أكراد الداخل على تصعيد حراكهم. ويخشى البلدان أن يساهم نجاح أكراد سوريا في السيطرة على مناطق واسعة من ما يعتبرونها كردستان التاريخية، في تصعيد حراك أكراد إيرانوتركيا الرامي إلى نيل الاستقلال، أو بالحد الأدنى الحكم الذاتي. والهواجس المشتركة دفعت البلدين إلى تجاوز الخلافات بشأن الحرب السورية، إذ تخلت تركيا على ما يبدو عن أولوية رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، مقابل مشاركتها على الأرض بالتصدي للمشروع الكردي. وللحفاظ على "سيادة الأراضي السورية" ووحدتها كما قال أردوغان، شنت القوات التركية، بمساندة من الجيش السوري الحر، هذه الحملة، التي تعد في الوقت نفسه عملية استباقية ضد أي أحلام كردية إيرانية تركية. واللافت أن الولايات المحدة أعلنت دعمها للعملية، ما ينذر ببداية تخلي واشنطن عن أحد أبرز حلفائها في سوريا، وحدات حماية الشعب الكردي التي قدمت لها الدعم في طريق سيطرتها على مناطق سورية عدة. وكان مسؤول أميركي كبير قال إن الولاياتالمتحدة ستوفر غطاء جويا للعملية التي بدأت قبل ساعات من نائب الرئيس الأميركي، جو بايدن، لتركيا، حيث من المقرر أن يلتقي بأردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدريم. وتحاول الولاياتالمتحدة من خلال زيارة بايدن إزالة التوتر الذي شاب العلاقات مع أنقرة، بعد الانقلاب الفاشل الذي دبره، وفق السلطات التركية، رجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولاياتالمتحدة. ويبدو أن الأكراد في سوريا سيدفعون ثمن إصلاح علاقات الحليفين التركي الأميركي، والتقارب بين أنقرة وطهران وروسيا، التي لم يصدر عنها أي موقف بشأن عملية توغل القوات التركية في الأراضي السورية. وفي هذا السياق، تحدثت معلومات عن خطة أميركية لتقسيم المنطقة من مدينة جرابلس وحتى الباب، بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، التي تعد الغطاء لوحدات حماية الشعب الكردي. ووفق هذه المعلومات، تسيطر تركيا على الشطر الشمالي من المنطقة من جرابلس حتى مارع، مقابل دخول قوات سوريا الديمقراطية إلى الباب، لكن أنقرة تطالب بضمانات أميركية من أجل عدم تقدمها إلى عفرين. وإزاء هذه التطورات، قال زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، صالح مسلم، في تغريدة على موقع تويتر بعد بدء العملية التركية، إن أنقرة ستخسر في "مستنقع" سوريا كتنظيم داعش المتشدد. ووحدات حماية الشعب ينظر لها على أنها الذراع العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، الذي حارب داعش بدعم أميركي، وتقول أنقرة إنه يرتبط بالمسلحين الأكراد الذين يشنون حركة تمرد على الأراضي التركية منذ 1984. وتضع العملية في شمال سورياتركيا على الطريق الصحيح لمواجهة القوات الكردية التي تسيطر على نحو 600 كلم من الشريط الحدودي، من ضفة نهر دجلة الغربية وصولا إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات. فجرابلس تقع على الضفة الغربية لنهر الفرات الذي يعبر من تركيا إلى سوريا، وتعد احدة من آخر المدن المهمة التي يسيطر عليها داعش بين المناطق الخاضعة لسيطرة الأكراد في محافظتي حلب والحسكة شمال سوريا. وتكتسب المدينة موقعا مهما، وسقوطها في قبضة الجيش الحر، سيقطع الطريق عن المشروع الكردي الرامي إلى توسيع نطاق سيطرته من الضفة الغربية لنهر دجلة، إلى ريف حلب الغربي على الحدود مع لواء الإسكندورن. وكان الأكراد أعلنوا في مارس الماضي النظام الفيدرالي في مناطق سيطرتهم، بعدما وسعوا رقعة انتشارهم، سواء بالقتال، أو مستغلين انسحاب القوات الحكومية تدريجيا من المدن والبلدات ذات الغالبية الكردية. الوكالات