يتضح جليا أن الحراك السياسي وانتشار الاستقالات والانشقاقات، وكل الحركات الاحتجاجية التي تشهدها الأحزاب السياسية، بخلفية التحضير للانتخابات التشريعية المقبلةو بدأت تمهد الطريق لعودة ظاهرة التجول السياسي قبل التحاق المواعد الانتخابي أو حتى قبل انطلاق الحملة الانتخابية بشكل رسمي. والظاهرة ليست وليدة اليوم، بل كانت موجودة عبر كامل المحطات الانتخابية التي عاشتها البلاد بعد دخولها التعددية الحزبيةو ما اثر على توازن العديد من التشكيلات الحزبيةو خاصة المعارضة منهاو التي أصبحت بيوتها عرضة لمثل هذه الهزات الارتدادية التي تضربها مع اقتراب أي موعد انتخابي وتكون بدايتها عبر الاستقالات الجماعية لمناضليها وإطاراتها. ويبدو أن هذه الظاهرة الجديدة في الحراك السياسي للأحزاب لم تنج منه حتى الأحزاب السياسية المصطفة في صف المعسكر الموالي، التي تعرف هي الأخرى انشقاقات واستقالات بدعوى وحجج مختلفة، بغض النظر عن طموحات الإطارات المنشقة منها، وفي هذا الإطار عرف حزب تجمع أمل الجزائر تاج الذي يرأسه عمار غول استقالة رئيس كتلته البرلمانية كمال عبازي بدعوى أن "تاج" خرج عن نطاق العمل الديمقراطي والمؤسساتي، وأنه قد تحوّل إلى مطية لتحقيق مآرب حزبية ضيقة. بعد أن تحول إلى حلبة لصراع الزمر والأشخاص، وفريسة للولاءات ومجموعات الضغط والمصالح نتيجة لممارسات التضييق والتهميش والإقصاء التي ذهب ضحيتها الخيّرون من مناضلي وإطارات الحزب، والمصير نفسه لحزب طلائع الحريات لرئيسه المعارض ورئيس الحكومة الاسبق علي بن فليس، الذي طعن في مصداقيته استقالة العضو السياسي الإضافي في المكتب السياسي عبد الرزاق عجاج الذي رمى المنشفة قبل الالتحاق بحزب الأفلان، بالإضافة إلى تقديم قيادات ومؤسسي حزب طلائع الحريات استقالاتهم رسميا، والتي بلغت 88 مناضلا من بينهم 52 استقالة كلهم من مؤسسي الحزب ومناضليه بولاية بجاية ، 36 مناضلا بولاية تيزي وزو، بحجة التهميش والإقصاء، في ظل الأحادية والانفرادية في اتخاذ القرارات المصرية للحزب. وكان هذا النزيف قد عرفه منذ حوالي شهر بيت جيلالي سفيان الذي عرف استقالة جماعية لأعضاء المكتب البلدي لحزب جيل جديد لولاية تيارت، من تولي مهامهم وتمثيل الحزب على المستوى الولائي، مبررين ذمتهم ومسؤوليتهم التمثيلية ، بسبب إلغاء جيلالي سفيان دور الحزب كمؤسسة للتكوين والنضال وحرية التعبير والمشاورة في اتخاذ القرارات المصيرية للمؤسسة الحزبية وانفراده مع أعضاء المكتب الوطني في تسييره دون الرجوع إلى القيادات الولائية.
* تغير برامج وأهداف الأحزاب وراء الاستقالات ويتبين من هذا أن كل المنشقين من هذه التشكيلات الحزبية يتفقون بالنظر إلى مبررات استقالتهم على سوء التسيير الداخلي للأحزاب لكلا العسكرينو والتهميش الذي طالهم، غير أن هذه الحجج تبقى مشبوهة إلى حد ما، لأنه كان بإمكانهم اتخاذ هذا القرار في وقت سابقو أي قبل اقتراب الموعد الانتخابيو ما يفتح الباب لطرح العديد من التساؤلات عن الغاية منها والجهة التي تقف وراء هذه الظاهرة. وفي هذا الصدد، أكد المحلل السياسي أحمد ميزاب في اتصالي هاتفي مع "الحوار" أن هذه الظاهرة يمكن أن تكون مرتبطة بالمرجعيات التي تتمشى عليها الأحزاب، وإلى المسار والمنهج الذي تبنته الأحزاب السياسية لمواصلة الفعل السياسي قبل الانتخابي، خاصة حديثة النشأة، وكذلك إلى طبيعة الأهداف المسطرة التي تبدأ بمنهج وتنتهي بمنهج مغاير تماما ، مضيفا أن الاحتمال الثاني مرتبط في إطار اختيار التوجه للقيادات وللإطارات الناشطة في هذه التشكيلات الحزبية التي تتعثر كلما اقتراب أي موعد انتخابي معين، وأشار محدثنا إلى سياسة التهميش الممارسة داخل الحزب على القيادات والإطارات التي تخلف ديناميكية في النشاط الحزبي ، ما يجعلها تنشق فور اقتراب الاستحقاقات بحثا عن بديل ومواقع أفضل لها في التشكيلات الحزبية المستقبلة لها، وحسبه فإن هذه الظاهرة تؤثر بشكل مباشر على هذه الاحزاب التي تبقى تعيش في حلقة مفرغة بحثا عن إعادة نفسها لسد الشغور الناتج من رحيل الكفاءات والناشطين بها. آما من جهته، ربط الأمين العام لحركة البناء، احمد الدان، في اتصال هاتفي مع "الحوار" الظاهرة بوجود ظاهرة مزدوجة لبعض الشخصيات المالية او العشائرية التي تتقوى بالأحزاب عند الترشح، كما أن هناك بعض الأحزاب التي تستقوي في الساحة السياسية بحجم المشاركة الانتخابية فتبحث فقط عن أية جهة تضمن لها التمثيل بقائمة في الولاية او البلدية، اي في الدائرة الانتخابية، وهنا نلاحظ أن الرابط بين بعض الأحزاب وبين من يمثلها هو رابط موسمي سرعان ما يزول مع نهاية الموعد الانتخابي، حسبه. مناس جمال