تعرف ظاهرة بيع المستحضرات الطبية والتجميلية بسوق المدية توسعا وانتشارا عبر أرجاء الولاية، حيث تعرض مواد طبية غريبة مصنوعة من خلطات شعبية يتم صنعها في مخابر عشوائية لا تتوفر على الشروط المطلوبة ولا تحتكم إلى معايير الجودة والنوعية، وأخرى يتم جلبها من خارج الوطن لا تحمل العلامات الضرورية لهذه المواد والجهة المصنعة، يحدث هذا في ظل السكوت المطبق من قبل الجهات الأمنية ومصالح مراقبة الغش وتماطل الجهات الوصية في ترقية الصحة العمومية بالولاية، "الحوار" قامت بجولة استطلاعية قادتها إلى هذه الفضاءات التي تباع فيها المواد الطبية التي تشكل خطرا على الصحة العمومية. * ترويج للسلع بمكبرات الصوت تعود مجددا إلى واجهة ولاية المدية تلك الأسواق الفوضوية التي تنظم أسبوعيا، المسيرة من قبل تجار الموت، ويظهر ذلك جليا من خلال استعراض مختلف المواد الطبية المتكونة من أعشاب برية، الموجهة أساسا لمعالجة العديد من الأمراض على حد زعمهم، وخلال الجولة الاستطلاعية التي قامت بها "الحوار" التي قادتنا إلى هذه الفضاءات التي تعرف إقبالا كبيرا على تلك المواد التي يروج لها أصحابها بواسطة مكبرات الصوت لتصل إلى أقصى السوق، على أنها صالحة لعلاج الأمراض المستعصية، حيث تجد المرضى المغلوبين على أمرهم يصطفون أمام الطاولات المنضدة عليها مختلف الخلطات المستحضرة من أعشاب طبية وأخرى مجهولة الصنع والمصدر، وبأثمان مغرية، والغريب في القضية أن هذه السلع تعرف إقبالا كبيرا من قبل هؤلاء الذين يتمسكون بخيط رفيع لإيجاد بصيص أمل عله يكون شفاء لسقمهم.
* الاكتئاب …اللقلق…تقوية المناعة…في الصيدلية الموازية بالمدية وأنت تتجوّل داخل هذه الأسواق تتراءى لك تلك الأنواع من الخلطات الغريبة، ومن أجل إقناع الزبون واللعب على أوتار مشاعره الرقيقة لاستمالته تجد البائع يتفنن في شرح تفاصيل الخلطة، مع ذكر أسماء مثل الأعشاب الطبية التي تم استخلاصها منها والأمراض التي تقوم بمداواتها، فتجدها صالحة لكل الأسقام إلا السام، ومن جملة الوصفات المستحضرة نجد مواد طبية صنعت بطريقة غير معروفة صالحة لعلاج الاكتئاب، اللقلق، تقوية المناعة، العقم، السرطان، الضغط الدموي، السكري وداء المفاصيل "الشقيقة"، "المعدة"، "القولون" و"الكلى" و"البرد"، "تصفية الدم"، "أعشاب البواسير" و"الربو" و"الحساسية" وغيرها من الأمراض المتداولة في المجتمع.
* الحيلة…الفطنة…قلة الضمير سلاح المشعوذين لتحقيق مآربهم واصلنا سيرنا عبر الفضاءات التجارية الغائبة عن أعين المصالح المعنية بالحفاظ على الصحة العمومية، وتوقفنا عند أحد التجار وهو يستعرض مختلف أنواع عسل النحل بمختلف الألوان وبنكهات متعددة، حيث يشرع في ذكر الأعشاب البرية التي تتغذى منها النحل وملكتهم، حيث يقوم المشعوذ الذي طبعته الحيلة وقلة الضمير لاستغلال الناس بصنع أنواع متعددة من المحاليل بأذواق مختلفة وتعطى لها أسماء مثل عسل "الحبة السوداء"، "السحري"، "الربو"، "الكاليتوس"، "الليمون"، "الزعتر"، العسل "الأسود"، وتباع بأثمان باهظة تتراوح أسعارها مابين 3500 و 5000 دج، وهناك خلطة يفضلون تسميتها بالسحرية، حيث يتم طبخ العسل مع عشبة "أزير" ويتم تصفيتها وتحفظ في الثلاجة حد درجة التجمد، ويوهمون الناس على أساس أنها مصنوعة من غذاء ملكة النحل يصل ثمنها إلى 8000دج، ناهيك عن المواد الطبية التي يزعمون أنها صالحة لجميع الأمراض الجسدية والنفسية وحتى الغيبية من أوجاع الرأس والمعدة والسحر والعين.
* أعشاب برية ممزوجة بمواد طبية صيدلانية… وتضليل المرضى ولم يتوقف مكر هؤلاء الباعة عند هذا الحد، بل امتدت أيادي التدليس والغش نحو صنع خلطات بمواد صيدلانية مثل "الفياغرا" و"الفنطولين" و"البيتاميتازون" وهي أقراص يتم طحنها وإضافتها إلى خليط مصنوع من أعشاب، وابتياعها للذين يعانون من الضعف الجنسي والمصابين بداء الربو، والسكري، بالإضافة إلى أقراص "البيتاميتازون" لإنقاص الوزن والقضاء على الحساسية، ومستحضرات التجميل المشوشة التي تعود بالسلب على بشرة الإنسان، ويوهمون الناس بنجاعة مفعولها، فضلا عن خلطات مضاف إليها مواد كيماوية ومعدنية ممنوعة من الاستعمال منها "بنزين التريوبتين" و "الديكزاميتازون" و"البنج" و" الأسيد ساليسيلسيك" التي تستعمل في علاج الإكزيما وممنوعة في غير الصيدليات وتستعمل في الإجهاض وقد تسبب نزيفا دمويا عند المرأة قد يؤدي إلى الوفاة، ووصفات أخرى منتهية صلاحيتها يتم طحنها وتعبأ في علب تحمل أسماء شرقية، لإيهام الناس بأنها قادمة من بلاد المشرق العربي أو من قارة آسيا، ولا تحمل اسم المصنع أو عنوانه ورقمه التسلسلي وتاريخ الصنع وانتهاء الصلاحية، وهي في الحقيقة يتم صنعها في بيوت بالأحياء بعيدا عن الرقابة.
* صيادلة الأعشاب بلا ضوابط أكدت ثلة من الأطباء الذين استطلعت "الحوار" آراءهم أن استفحال ظاهرة المتاجرة بأرواح الناس من طرف هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم خبراء في الطب البديل راجع إلى غياب الرقابة القانونية لردع كل من تسول له نفسه اللعب بعقول الناس وتدليسهم وممارسة الغش عليهم من خلال المستحضرات المستخلصة من الأعشاب بعضها ظاهر ومعروف وبعضها لا يعرف هويته، كما طالبوا بضرورة فتح معاهد وإدراجه ضمن المنظومة التعليمية لتكوين أخصائيين في هذا المجال وتوفير منظومة قانونية لتنظيم الطب البديل بالجزائر. وأشار الدكتور مصطفى بن يخلف إلى أن المؤهلات التي ينبغي على أطباء الأعشاب امتلاكها تتركز في ضرورة المعرفة العلمية بأسس ومباديء قوانين الطب وخضوع الطبيب المعني لتكوين أكاديمي وامتلاكه شهادة معترف بها ومعرفة مكونات الأعشاب وتصنيفها ومقاديرها وكيفية حفظ الأعشاب وتخزينها، وأكد بن يخلف أن مهنة الطب البديل تنجر عنها أخطار وخيمة إن لم يقم العارف بها بخلطها ومزجها بعناية حتى تعطي نتيجة فعالة دون إحداث أضرار جانبية لا يحمد عقباها. وطالبوا بتنظيم مهنة طب البديل وفي هذا الإطار أوضحت المحامية "س.ع "، في تصريحها ل "الحوار"، أن عديد المنتجات غير الخاضعة للرقابة وليس لها أي علامة مسجلة أو علامة جودة وهذا الغياب في التنظيم فسح المجال أمام ممارسة عشوائية، مطالبة بضرورة تقنين الطب البديل في بلادنا. المدية: بلال سناء