بعدما كانت الأعشاب الطبية لسنوات حكرا على الأسواق الأسبوعية كجانب من جوانب حفظ التراث والأصالة، اقتحمت هذه السلعة مجال التجارة وفتح الشباب محلات وطاولات لبيع هذه المواد دون أن يملكوا أية شهادة علمية تبيح لهم وضع وصفة عشبية واحدة قد يكون عقارها أخطر من الأدوية المقدمة في الصيدليات، كما أن بعضهم قد فشل في مزاولة الدراسة ليستقر به الأمر على فتح محل لبيع الأعشاب الطبية والمستحضرات والزيوت باختلاف أنواعها· من خلال جولتنا عبر شوارع العاصمة لاحظنا الانتشار الواسع لمحلات بيع الأعشاب، فوجدنا أنواعاً مختلفة من الأعشاب المركَّبة والمفردة تباع في هذه المحلات، بعضها مصنوع في مصانع أضحت معروفة لدى العام والخاص، مشيرا في ذات الوقت أنه يجتهد للبحث في مجال الأعشاب الطبية تروج تجاريا لأنواع كثيرة من المستحضرات العشبية بدعوى عدم وجود أعراض جانبية لها مثل الدواء، وأقبل عليها الناس كل الإقبال والمرضى بصفة ملفتة للانتباه، وهناك أدوية تباع على شكل خلطة سحرية أو عقدة ابتدعها بعض أصحاب المحلات وجعلوها تحت أسماء متعددة يقومون من خلالها بناءً على قراءات عابرة في كتب أطباء مشهورين، ونحن بدورنا تقدمنا من بعض أصحاب الطاولات فاطلعنا على بعض أسرار هذه الهواية المثيرة والخطيرة في آن واحد، حيث يرى أحدهم أن التكوين العلمي ضروري لفتح محل للأعشاب الطبية رغم أنه لا يملك هذا التحصيل نظرا لمعالجته الفردية، ولكنه يسعى جاهدا للحصول عليه، وعن الإشكلات التي تصادفه في الطريق يقول أنا دائما أواجه صعوبات في هذا العمل لأنني بصراحة لا أملك مؤهلات وأنا بعيد عن الاحتراف، لذا أحيانا تصادفني بعض الأمراض لا أعرف الدواء الذي يناسبها، ولدى سؤالنا عن الأمراض التي يقوم بمعالجتها أجاب بكل صراحة الأمراض النفسية كالاكتئاب، القلق، الحزن، الحساسية، الربو السكر والضغط الدموي خاصة الكولسترول، ويرى أن لكل مرض طبيعة دوائه وجرعته الخاصة به، ففي مجال الأمراض النفسية يستعمل أعشاب مهدئة مثل (الترنجان) وفي أمراض السكري هناك الخزامة وكل مستحضر مر المذاق من الأعشاب، أما داء السرطان فهناك الحبة السوداء· وما لفت انتباهنا أكثر هو وجود الخلطات أو العقد مثل إحدى الوصفات الموضوعة تحت اسم عقدة السحر، وهي مجموعة من الأعشاب تم خلطها باستعمال عسل السدرة الجبلي· ويقول صاحب المحل إنها فاعلة في علاج السحر، والسؤال المطروح كيف يمكن تشخيص حالة المريض ومعرفة دوائه وبأنه مسحور، هل الأعراض كافية لمعرفة ذلك أو تصريحات المعني، وبالتالي تصبح هذه العقدة وسيلة للتخفيف عن مريض بالسحر بناء على درجة اعتقاده في العلاج العشبي البديل، فهل من السهولة أن تفتح محلات لبيع الأعشاب الطبية دون خبرة لدى بعض الأشخاص المسؤولين عن أرواح من يتناولون هذه الأدوية التي قد تكون قاتلة في بعض الأحيان مثل الحرمل الذي يتم بيعه في بعض المحلات كما قال أحد الباعة والمستعمل في علاج داء السكري· وفي هذا الصدد تعرضت العديد من الحالات للأذى فليس كل الخلطات السحرية للعلاج فقط بل مفعولها يؤدي إلى نتائج وخيمة، حيث تعرضت إحدى النساء المدمنات على الأدوية العشبية إلى الإجهاض بسبب تناولها عشبة طبية وهي حامل في شهرها الثالث، ولولا لطف الله لكانت في عداد الأموات ليرفع بعدها زوجها شكوى ضد هذا البائع ليقف أمام العدالة، ويبقى السؤال مطروحاً عن سبب لا مبالاة السلطات ورفضها التدخل لتنظيم سوق الأعشاب في الجزائر بعد أن غزاها المشعوذون ونصبوا أنفسهم (أطباء أعشاب) لتحقيق أرباح ضخمة على حساب المغفلين، دون أن يكون لديهم أي مؤهل أو دراية بسوق طب الأعشاب·