فؤاد البطاينة المشهد أمامنا فيه مؤشرات على حدوث ولادات استثنائية، على صعيد المنطقة والعالم، قد ترى النور من مخاض الأزمة السورية، ومن شأنها أن تقلب المعادلات والتوازنات الدولية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، وأن تنسحب بالضرورة على الشرق الأوسط وتنهي اختلال التوازن في القوة والتأثير المطلوبين في المنطقة صهيونيا، وربما تشكل بيئة لاستنبات مشروع عربي نهضوي من تحت الرماد، ذلك أن الفوضى في المنطقة اتسع أبطالها غير المتوقعين، وما عاد إيقافها حكرا على صناعها، ولا نتائجها حكرا لهم أو عليهم، وأصبحت فعلا فوضى كافية لأن تكون خلاقة، فالنظام لا يخرج إلا من الفوضى، والفوضى تمتد والنظام سيمتد على قياس امتداد الفوضى، لا على قياس من أشعلها فحسب، فهناك أثار جانبية قاتله على إسرائيل والمشروع الصهيوني في المنطقة، وعلى أمريكا في طريقها للتحقق.
ترمب، بوتين، أردوغان وإيران،كلها ظواهر تاريخية جديدة في النظام الدولي القائم، لا تصب محصلتها في صالح المشروع الصهيوني في المنطقة والعالم، سواء في تحالفها أو في تصادمها، وهي عوامل التغيير، ففوضى المنطقة الدموية والسياسية والجفرافية من أجل تحقيق فكرة الشرق الأوسط الجديد على هامش المشروع الصهيوني مستهدفة الوطن العربي وشعبه، قد قامت على ركائز معينة، أتناول منها ما قام على خطأ صهيوني إستراتيجي، وأترك الأثار الفكرية والسياسية التي تركها بوتين وترمب على شعوب دولتيهما، والركيزة التي أقصدها هي الاستخدام الصهيو أمريكي للدين.
إنها الركيزة التي تخطت في عِظمها تصادم المشروع الصهيوني مع مصالح تركياوإيران كدولتين وقوميتين راسختين، أقول تخطتها إلى جعل الاسلام والمسلمين في قفص الاتهام، وإذا كان المخططون قد نجحوا في جعلنا بموقع الدفاع عن الاسلام،كمتهم بتهم هم صانعوها رغم ما في ذلك من إفك وانجرار لتعزيز مخطط سياسي صهيوني محافظ يستهدف ثقافة الأمة وهويتها على طريق بروتوكولات حكماء صهيون الخيالية، إلا أنهم فشلوا وخسروا حين لم يدركوا بأن الثقافة الإسلامية والتهمة تلك ليست شأنا للعرب وحدهم، بل هي مقوم أساسي لثقافات كل شعوب دول المنطقة الإسلامية، وتركيا تعلم بأن الحالة عندما تستقر في المنطقة ستكون مستهدفة، وتدرك تماما معنى وضع الرموز التركية القديمة والجديدة هدفا معاديا في مناورات الحلف الأطلسي، مؤخرا. إن من كان يعتقد أن إيران مستهدفة من المعسكر الصهيوأمريكي من دون تركيا منذ اندلاع الفوضى على الأرضين العراقية والسورية يجانبه الصواب، ويجانب من يعتقد بتناقض المصالح العليا للدولتين أيضا، فمشروع الفوضى الخلاقه الذي قد ابتدأ بتشكيل خطر مادي وسياسي على مصالح البلدين، ما لبث أن تحول إلى خطر قوامه الثقافة الإسلامية واستهداف منتسبيها، على خلفية تأثير استخدام الدين على المجتمعات والساسة والجيوش الغربية. ومع أن أردوغان بدأ يُظهر تعاطفه السياسي مع الفلسطينيين على خلفيتة الإسلامية، ويظهر تمردا ونوعا من استقلالية القرار في حلف الأطلسي، إلا أن قرار انفكاكه عنه واتجاهه نحو الشرق، بدأ لدى اكتشافه بأن أمريكا وإسرائيل كانتا وراء الانقلاب العسكري الفاشل، وأن الدول الأوروبية التي واظبت على رفض تركيا في الإنضمام إلى اتحادها لعقود وترفض ألبانيا الواقعة في وسطها، قد وقفت لجانب الانقلاب العسكري بصورة ما بعد فشله، وأن الأطلسي خذله في حادثة إسقاط الطائرة الروسية وجعله يصعر خده للروس ة، ولكنه كان تصعيرا ثمنه كبير يحمل معه كرامة ومستقبل الأمة التركية إلى العلا. لقد جعلت الأزمة السورية وأحداثها من أوروبا وأمريكا كتابا مفتوحا أمام أردوغان، قرأ فيه بأن الشرق شرق والغرب غرب لا يلتقيان، وأن تركيا كانت تنتمي للحلف للأطلسي والأطلسي لا ينتمي لها، وأن أمريكا ترمب التي بدأت تعزل مصالحها عن مصالح أوروبا بدأت تستهدف مصالح تركيا لحساباتها ولحساب إسرائيل، وأن المتابع يرى التمسك الروسي بتركيا هو إستراتيجي والتقاط للحظة عظيم وفي وقته، وأن تمسك تركيابروسيا هو كذلك أوأكثر، ومن هنا فقد تجتهد روسيا لتلاق تركي إيراني في تحالف معها. مكتسبات عظيمة ستحققها روسياوتركيا من تحالفهما، تكون حاسمة في جعل روسيا هي الدولة العظمى إستراتيجا والقادرة على تحقيق ذاتها ومصالحها في العالم على قياسها، وعلى إنهاء التفرد الأمريكي، فتركيا جغرافيا لا تثمن حيويتها للحلف الأطلسي، ولا يثمن لروسيا تركها للحلف. وأعتقد بأن عملية بناء الثقة وعربون التحالف قد قدمته روسيالتركيا بشكل جلي جدا، عندما قدمت لتركيا منظومة صواريخ س 400 ، ونشرت لنفسها في سوريا س 300. فعلى ماذا ترسم تركيا؟، أقول بالتأكيد لن يخرج أردوغان من المعادلات القائمة في المنطقة بأقل من تركيا نووية، وتصريح أردوغان الأخير لسنا بحاجة إليه لنفهم ذلك، وروسيا لديها الإستعداد الكامل جدا لتقديم العون العلمي والدعم السياسي لذل، بل وتنظر إليه كتعزيز لها ولسياستها المقبلة، وتركيا تمتلك كل وسائل واحتياجات بنية المشروع النووي المادية والعلمية، وعلينا هنا أن نتذكر بأن قوة ما في العالم لن تكون قادرة على منع إيران أيضا من تصنيع القنبلة. ما يهمنا هنا كعرب، هو أين موقعنا، وموقفنا سيكون اتجاه أنفسنا واتجاه المشروع الصهيوني في فلسطين وفينا، وأين إسرائيل ستكون، وبهذا أقول كلمة معترضة بأن الردع النووي كان وما زال شرعا مشروعا لمصر وحماية كرامتها وقوتها ومائها وأمنها الوطني والقومي، بل خلق هذا الردع حاجة وعلاجا لدولة بأوصافها، حصة العرب ستكون كبيرة. إن التغيير الجذري النوعي سياسيا وعسكريا وتحالفيا في تركيا، سيصنع التغيير المنشود في العالم وفي المنطقة رأفة ربانية بأمة العرب، وسيثبت أقدام إيران ويُفعل قدرتها وينهي استهدافها ويرشد مشروعها، وسيحجم المشروع الصهيوني إن لم ينهيه في بلادنا. ما أعظم أن تكون تركياوإيران دولتين حرتين رادعتين متكاملتين، لا متنافستين. إنها ستكون عطية الرب للعرب ولفلسطين في زمنها، وإنها ستقوي من عزيمة شعوبنا وتحبط عزائم حكامهم وتفتح الطريق أمام توازنات نظيفة تسمح بمشروع عربي نهضوي من تحت الرماد.