عرفت الحاج الصديق التاوتي، عن طريق ابنه مصطفى كمال التاوتي، في بداية التسعينات، وقمت بتكريمه في جمعية كنت عضوا نشطا فيها. وقد جرى تكريم الدكتور التاوتي بقصر الثقافة مفدي زكريا في عام 2002، ثم قمت بتكريمه صحبة كوكبة من رجال الأغواط عندما كنت نائبا عن ولاية الأغواط.
قبيل حفل تكريمه بقصر الثقافة اتصلت بأحد الشبان من أبناء الأغواط، ليتصل بالدكتور التاوتي لإبلاغه بحفل التكريم الذي ننوي تنظيمه له، و لكن الشاب راح يقول لي، ومن هو الصديق التاوتي هذا؟، و رحت أقول له معاتبا إياه: من لا يعرف أمثال التاوتي ليس جديرا به أن ينتسب للأغواط أو يفاخر بأنه أغواطي، ولكن هذا الشاب بعد أن عرف بعد يومين من يكون الدكتور الصديق التاوتي، راح يعتذر لي ويقول لي هذه قامة وطنية وإسلامية كبيرة. كنت أسمع عن الرجل من خلال العديد من المناصب السامية التي تقلّدها عقب استرجاع الاستقلال الوطني، مثلما كنت أتابع بعض خطواته في أعقاب تعيينه نائبا لرئيس البنك الإسلامي بجدة، وخاصة بعد أن راحت الصحافة تتحدث عنه منذ مطلع الثمانينات، بعد الاكتشاف الإنساني الكبير الذي قام به الرجل بالنسبة للمنفيين الجزائريين إلى كاليدونيا. وكان الحديث الشائع قبل ذلك في الشارع الجزائري، يتطرق بحسرة إلى المنفيين الجزائريين إلى "كايان"، إذ لم يكن منفيو كاليدونيا الجديدة قد دخلوا الذاكرة الجزائرية حتى تلك الفترة إلى أنْ أخرجهم إلى السطح هذا الرجل الدكتور الصديق التاوتي، فراح الجزائريون يتحدثون عن المنفيين الجزائريين بكاليدونيا في كل مكان من أرض الجزائر، في الشارع، في المقاهي، وفي الأندية، وفي المؤسسات الرسمية، وخاصة بعد أن راحت وسائل الإعلام الوطنية بما فيها التلفزة العمومية الجزائرية لاحقا تعرض أشرطة تثير الأحزان عنهم، كواحدة من كبرى جرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر.
ولد الصديق التاوتي في 5 فيفري 1924 بمدينة الأغواط، درس في المدرسة التي أقامها الشيخ مبارك الميلي عندما جاء إلى الأغواط في عشرينات القرن الماضي، ثم درس في مدرسة الشهيد أحمد شطة قبل أن يرسله والده عام 1938 إلى مدينة دلس ليدرس في القسم المخصص للأهالي، وهي التسمية التي كانت تطلق على الجزائريين باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية في العرف الاستعماري، وهناك درس في مدرسة الفنون التقنية والصناعة. كان المستعمر لا يسمح للجزائريين بمواصلة الدراسات العليا، عكس زملائهم الأوروبيين الذين كانوا مفصولين عنهم في أقسام خاصة بهم تسمح لهم بمواصلة الدراسات العليا. ولحسن حظ الصديق التاوتي وزملائه، أنه بمجرد انتهاء الفصل الدراسي، والحصول على دبلوم تقني عام 1940، حتى راحت قوات دول المحور التي كانت مُمَثَّلةً في ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية واليابان والدول التي كانت في صفها، مثل بلغاريا وفنلندا والمجر ورومانيا تقصف عام 1940 تلك المدرسة وتحولها إلى خراب، بعد قصفها من قبل الطيران الحربي لدول المحور، و لكم أن تتصوروا لو كان طلبة تلك المدرسة مازالوا في أقسامهم وقت القصف.
عاد الشاب التاوتي إلى مسقط رأسه بالأغواط، وراح يساعد والده في التجارة بمحلات لبيع الدراجات والعجلات المطاطية كان يمتلكها والده بمدينة الأغواط. التاوتي في السجن .. كانت الأغواط في تلك السنوات من أربعينات القرن الماضي مشتلة للوطنية، إذ أن معظم الشباب إنضووا في صفوف أفواج كشفية، ومن بينها فوج "الرجاء" التابع للكشافة الإسلامية الجزائرية التي كانت بحق مدرسة مبكرة للوطنية والنضال. كان من بين زملائه الذين عملوا على تأسيس فوج الرجاء للكشافة عبد القادر دهينة وميموني، وكان قد سبقهم إلى العمل الكشفي قائد كشفي بارز من أبناء الأغواط هو الطاهر التجيني، أصيل عين ماضي، الذي تولى قيادة الكشافة الإسلامية الجزائرية في أعقاب استشهاد القائد الأول للكشافة الإسلامية الجزائرية، الشهيد محمد بوراس. كما انتظم الصديق التاوتي رفقة عدد من الشبان في بعض الأحزاب، خصوصا حزب الشعب الجزائري الذي كان وعاء للحركة الوطنية في منابعها الأولى. مأساة هوية منفية وقد كان محمد حراث من بين أبناء الأغواط الذين ارتبطوا بالنضال مبكرا، حيث راح يقوم بجمع المال لحزب الشعب، وكان الصديق التاوتي أحد الأعضاء النشطين في حزب الشعب إلى جانب زميله محمد حراث. جمع أولئك الشبان كميات معتبرة من المال، قام محمد حراث بإرسالها عبر حوالة إلى زعيم حزب الشعب مصالي الحاج. علم البوليس السري الاستعماري بقصة الحوالة، فألقى القبض على ثمانية شبان من أبناء الأغواط، كان من بينهم الصديق التاوتي ومحمد حراث. أصدرت سلطات الاحتلال بعد محاكمة صورية حكما يقضي بسجن محمد حراث لمدة عشر سنوات، وعلى الآخرين ومن بينهم الصديق التاوتي بعقوبة ثلاثة أشهر سجنا. بعد خروجه من السجن، لاحظ الصديق التاوتي أن البوليس السري الاستعماري كان يترقب خطواته، فقرر أن يغادر مدينته مكرها واتجه إلى القنادسة بولاية بشار حاليا. كانت لوالده علاقة ببعض الأعيان هناك، حيث احتضنوا ابنه الصديق وساعدوه في السكن عندهم، والحصول على وظيفة في مناجم الفحم بالقنادسة. وبعد فترة عُين مسؤولا للفرع البلدي الذي تم استحداثه بالقنادسة، والذي كان تحت رقابة السلطات العسكرية الاستعمارية، ولكن الصديق عاد من جديد للعمل في المنجم، بعد أن لاحظ غضب السلطات العسكرية عليه بسبب مساعدته في عملية نجاح بعض قادة حزب الشعب والبيان في المنطقة، من أمثال باقي بوعلام باسم حزب الشعب، والخلادي باسم حزب البيان، في انتخابات المجلس الجزائري عام 1947 ، في الوقت الذي لم يفز فيه حمزة بن بوبكر، المحسوب على فرنسا في تلك الانتخابات. لم تكن السلطات العسكرية الاستعمارية التي كانت تُسَيِّرُ المنجم حتى ذلك الوقت تعرف ملف الصديق التاوتي، خاصة ما يتعلق بقصة سجنه في الأغواط بسبب جمع المال لصالح حزب الشعب. ولكي يكون أكثر حرية في التعاون مع ثورة أول نوفمبر ودعمها، طلب الصدِّيق التاوتي من السلطات العسكرية الاستعمارية أن تسمح له بزيارة المغرب. كان الأمر يتطلب تحضير جواز سفر، وعندما اطلع الضابط الفرنسي على ملف الصديق التاوتي، بما في ذلك أسباب اعتقاله في السجن بالأغواط، بعد أن طلب الوثائق المتعلقة بالملف من المصالح الإدارية في الأغواط، استدعاه لمكتبه وراح يسأله: لماذا الذهاب للمغرب بالذات؟ قال التاوتي: سأشتري الألبسة والأدوات المدرسية لأبنائي. آه.. و لكن لماذا لا تشتريها من وهران هي أقرب لك من المغرب؟ هي غالية الثمن سيدي الضابط، لكنها رخيصة في المغرب. و لكن قل لي ما قصة سجنك في الأغواط ، فهل تريد أن تفر الآن وتلتحق بالفلاقة انطلاقا من الأراضي المغربية؟ حاول الصديق التاوتي التنصل من "التهمة الحقيقية"، و لكن الضابط الفرنسي أخرجه من مكتبه بالقوة بعد أن رفض أن يعد له طلب جواز السفر، و من ثمة رفض أن يسمح له بالسفر للمغرب. لم يبق التاوتي مكتوف الأيدي أمام هذا الاستفزاز، خاصة بعد أن لاحظ أن العساكر الفرنسيين راحوا يراقبون حركاته وسكناته، فقرر الهروب نحو المغرب لكي يلتحق بالثورة. حدث ذلك في عام 1956 حيث جرى إخفاؤه في شاحنة كانت معبأة بصناديق فارغة للخضر كان قد تم جلبها من المغرب. ونظرا إلى أن قيادة الثورة كانت في حاجة ماسة إلى الدعم المالي، فقد سهلت للصديق التاوتي مهمة الالتحاق بمصنع خريبقة للفوسفاط بالمغرب. في هذا المصنع، أقام الصديق التاوتي بحكم تجربته شبكة علاقات واسعة لجمع الدعم المالي للثورة الجزائرية، ومن هناك عرف مختلف قادة جبهة وجيش التحرير الوطني، الذين بقي يمدهم بالدعم المالي إلى غاية استعادة الاستقلال عام 1962. * ينحاز لبن بلة وبومدين .. بالرغم من علاقاته مع جماعة المالق بقيادة عبد الحفيظ بو الصوف، الذين كانوا يتمركزون بالمغرب وكانوا على علاقة وثيقة به وخاصة ابن مدينته عمر ثليجي أحد المقربين من بوالصوف، إلا أن الصديق التاوتي إنحاز خلال أزمة الحكم في صائفة 1962 إلى جماعة المكتب السياسي بقيادة بن بلة وبومدين، وهكذا وقع الاختيار عليه ليكون من بين الإطارات التي سيَّرت المرحلة الانتقالية مع عبد الرحمن فارس في الصخرة السوداء ببومرداس. في أعقاب التحاق بن بلة بالرئاسة أُلْحِقَ التاوتي بفريق الرئاسة مكلفا بالتكوين المهني. انتُخِبَ في مؤتمر الحزب لجبهة التحرير الوطني في 1964 عضوا في اللجنة المركزية، ثم في المكتب السياسي و كلف بالإدارة والمالية. استدعاه الشريف بلقاسم، عندما كان وزيرا لوزارة الإرشاد القومي، التي ضمت ثلاث وزارات، هي التربية والتعليم العالي والإعلام ليكون مديرا للمنح، حيث كان له الفضل في إرسال آلاف الطلبة للخارج للدراسة، وخاصة للبلدان العربية. وقد مكنته الفترة التي قضاها عقب الإطاحة بالرئيس بن بلة بعد 1965 مسؤولا لمحكمة الجرائم الاقتصادية من أن يعرف كثيرا من الحقائق عن الجريمة الاقتصادية، وهو الأمر الذي جعله يقوم لاحقا ببحثٍ معمق حول هذا الموضوع، نال به شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من جامعة السوربون بباريس. في 1968 عاد لوزارة المالية حيث كان وراء إنشاء معهد المالية ببن عكنون بعد ذلك، مثلما كان وراء إنشاء معهد مستغانم للفلاحة عقب انتدابه لوزارة الفلاحة التي كان على رأسها المرحوم الطيبي العربي. وأثناء وجوده بوزارة المالية، قدم الدكتور الصديق التاوتي للحكومة مشروعا لإنشاء البنك الإسلامي، وهو المشروع الذي تبناه وزراء مالية الدول الإسلامية في مؤتمرهم المنعقد بمدينة جدة السعودية في ديسمبر 1973. وقد رأى هذا المشروع النور عام 1975، إذ أصبح فيه الصديق التاوتي نائبا لرئيس البنك، قبل أن يصبح مسؤولا رئيسيا للأقليات الإسلامية في العالم بالبنك. توفي -رحمه الله- في 28 نوفمبر 2005، لكن أعماله بقيت خالدة تذكّر الأجيال بمنجزات الرجل، مثلما يتذكره الجزائريون المنفيون إلى كاليدونيا الجديدة، حيث يبكون فراقه بكل مرارة وحسرة. في عام 1993 كنت مازلت مديرا جهويا على رأس المحطة الجهوية للتلفزيون بورقلة، في تلك الفترة عُين مصطفى كمال التاوتي، مديرا جهويا للخطوط الجوية الجزائرية بورقلة. و منذ أول لقاء ارتبطنا بعلاقات صداقات ما تزال متينة إلى اليوم، خاصة أن مصطفى يواصل تلك المهمة النبيلة التي كان والده قد بدأها منذ اكتشافه للمنفيين الجزائريين وأسلافهم في كاليدونيا الجديدة قبل ثلاثين عاما. لقد كنت كلما أزور الحاج الصديق التاوتي – رحمه الله – في بيته بحي العناصر بالعاصمة، إلا وأشعر أنني مع والدي الحاج محمد رحمه الله، كانت زوجة الصديق التاوتي الحاجة حليمة – رحمها الله – تشعرني بحنان الأم كذلك، فهي التي كانت تقدم لي الحلويات والشاي على الطريقة المغربية مثلما تقدم لي الكسكسي على طريقة أهل الأغواط، وقد بقيتُ محافظا على هذه الزيارات حسبما تسمح به الظروف بعد وفاة الحاج الصديق رحمه الله، إذ كنت أقوم من حين لآخر بواجب الزيارات للحاجة حليمة قبل وفاتها رحمها الله، فأشعر بدفء الأمومة التي تشعرني بها والدتي الحاجة فاطنة، رحمها الله. الرجل "الكاليدوني" يكتشف المنفيين؟ لم تكن مأساة الجزائريين الذين تم نفيهم عقب المقاومة التي خاضها الحاج المقراني عامي 1870 1871 معروفة لدى الجزائريين حتى الثمانينات. كان الدكتور الصديق التاوتي يشغل منصب نائب رئيس البنك الإسلامي بجدة، وهو البنك الذي كان قد وضع عليه بصماته، إلى جانب رئيس البنك الدكتور محمد علي المدني، ابن المدينةالمنورة. كان من بين النقاط التي أثيرت على البنك مسألة مساعدة الأقليات المسلمة في العالم، وهي المهمة التي أضيفت إلى أعباء الدكتور الصديق التاوتي. في بداية الثمانينات، عقد البنك مؤتمرا للأقليات المسلمة، وكان من بين الحضور مسلم من أستراليا، يدعى "فضل الله ويلفوت". تحدث الرجل إلى الدكتور الصديق التاوتي وقال له: أنت المكلف بملف الأقليات دكتور صديق؟، رد عليه: نعم أنا المكلف بالملف. لماذا لا تذهب إلى كاليدونيا الجديدة، فهناك جالية مسلمة تقدر ب20 بالمائة من السكان، و تقول إنها مغاربية. قاده هذا الكلام أن يتوجه إلى كاليدونيا، جزيرة تقع على حوالي 18 ألف كيلو متر من الجزائر، تقطعها الطائرة عبر باريس في ظرف 27 ساعة، وكانت البواخر تقطعها أثناء فترة النفي للجزائريين أثناء الاحتلال في فترة أربعة أشهر ونصف الشهر يرمى خلالها في عرض البحر بجثث العديد من الموتى أو بمن يحتضرون من أولئك الجزائريين المنفيين من بلادهم بسبب المقاومات التي كانوا يخوضونها ضد المحتل الفرنسي. وللتذكير، فإن الباخرة التي حملت اسم كالفادوس أبحرت من شواطئ الجزائر يوم 18 سبتمبر 1874، ولم تصل إلى سواحل كاليدونيا الجديدة إلا في جانفي 1875، أي بعد أربعة أشهر و16 يوما، وهي واحدة من بين خمسة بواخر نقلت عددا من الجزائريين المنفيين إلى تلك الجزر، رمي منهم عشرة أشخاص جزائريين في البحر، حسب المصادر الفرنسية نفسها. في الفندق الذي أقام فيه الدكتور تاوتي بنوميا، التقى بشخص يدعى "لولو"، واسمه الحقيقي علي بن أحمد لوسيا. من ثنايا الحديث، عرف الدكتور التاوتي أن الرجل من أصول جزائرية، بل إنه من نفس ولايته الأغواط، فهو من آفلو وأمه من مدينة الأغواط !!. كانت فرحة كبيرة شعر بها الاثنان، إذ تجمع حول التاوتي ما يزيد عن مائة شخص جاؤوا على متن 50 سيارة لاستقبال هذا الجزائري الذي راح يحي فيهم الذاكرة ويعيد لهم العزة بالانتماء لوطن ثار أجدادهم وآباؤهم لتحريره من المحتل، وطن اسمه الجزائر ظلوا محرومين طيلة 130 عاما حتى من معرفة هوية الانتماء إليه، فقد كانوا يعيشون الفراغ والضياع والنسيان والغربة بعد أن عاش آباؤهم وأجدادهم قبل ذلك حرقة المنفى ودفنوا حيث ماتت معهم تلك الحرقة. * أحد أحفاد المنفيين إلى كاليدونيا ومنذ عام 1982 والتاوتي لا يتردد في زياراته إلى كاليدونيا إلى أن توفي رحمه الله عام 2005، فراح ابنه مصطفى يحيي سيرة أبيه بغرس بذور تواصل لم تنقطع، حيث راح العديد من الجزائريين يزورون الجزائر ويتواصلون مع عائلاتهم بالزيارات وبكل الوسائل الأخرى. وإن كنت أنسى، فإنني لن أستطيع أن أنسى الزيارة التي قام بها عدد من أبناء الجالية الجزائرية بكاليدونيا إلى الجزائر، ومن بينهم "العيفة" و"بوفناش" عام 2004 بمناسبة الذكرى الخمسين لاندلاع ثورة أول نوفمبر 1954، حيث كنت وقتها مكلفا بالدراسات والتلخيص بمصالح رئاسة الحكومة منتدبا لدى وزارة الجالية الجزائرية بالخارج. كنا وقتها في استقبالهم، وكان معنا الدكتور التاوتي، رحمه الله، الذي جاء خصيصا لحضور مراسيم حفل الاستقبال، حيث نسي أعضاء الوفد الزائر الوفد الرسمي الجزائري الذي جاء لاستقبالهم، إذ كانوا يسارعون لاحتضان الدكتور الصديق وكأنه والدهم، في منظر اختلطت فيه الفرحة بالدموع. وقد كان من نتائج هذا التواصل الذي بنى جسره الأول الدكتور الصديق التاوتي بناء مسجد هناك، كما ألف الدكتور الصديق التاوتي كتابا ممتعا عن منفيي كاليدونيا تحت عنوان: «المنفيون إلى كاليد ونيا الجديدة: مأساة هوية منفية". كما تم إنجاز العديد من الروبورتاجات والأفلام الوثائقية التي عرضت في التلفزيون العمومي وفي عدة قنوات جزائرية وأجنبية، وتم عرض هذه الأشرطة متبوعة بمحاضرات ونقاشات في العديد من الجامعات والمؤسسات الثقافية الجزائرية تناولت مأساة هؤلاء المنفيين التي تدخل ضمن الجرائم الكبرى التي ارتكبتها القوة المستعمرة بالأمس ضد الشعب الجزائري. رحم الله الصديق التاوتي، فقد كان جزائريا كاليدونيا بامتياز، فلولاه ما عرفنا بقصة هؤلاء المهجرين الجزائريين إلى تلك البقعة النائية، و لولاه ما عرف هؤلاء أنهم ينتمون إلى وطن قاوم آباؤهم وأجدادهم من أجل تحريره، هو الجزائر.