تنتعش تجارة المفرقعات والألعاب النارية في الجزائر مع اقتراب مناسبة المولد النبوي الشريف كل عام، إذ تنتشر في الشوارع طاولات عليها مختلف أنواع "المفرقعات والشماريخ" المستوردة من الصين. ويجد الشباب الجزائري في هذه المناسبة الدينية فرصة لكسب بعض المال من جراء بيع "المحارق" كما يسميها الجزائريون، وذلك باعتبار أن "إشعال المفرقعات" من العلامات الخصوصية لذكرى "المولد النبوي" في البلاد. وبالرغم من خضوع القدرة الشرائية للعائلة الجزائرية لضغطٍ كبير من جراء غلاء الأسعار بعد تراجع الدينار الجزائري إلى ثلث قيمته نتيجة الأزمة المالية التي عصفت بالبلاد جراء تراجع أسعار الذهب الأسود في الأسواق البترولية العالمية، إلا أن الجزائريين لا يستطيعون إحياء هذه المناسبة الدينية بدون شراء الألعاب النارية التي يُخصص لها مبالغ مالية طائلة. وتتراوح أسعار المفرقعات والألعاب النارية ما بين 100 دينار و 3000 دينار حسب حجمها ونوعها وصنفها، ويبلغ ثمن علبة مفرقعات من الحجم الصغير 160 دينار، فيما يصل سعر الشماريخ إلى 3000 دينار. وفي سياق الموضوع أجمع كل الفاعلين في المجال إلى جانبهم رجال الدين أن إحياء المولد النبوي الشريف باستعمال المفرقعات تبذير وإهدار للأموال خاصة ونحن في عز الأزمة الاقتصادية.
* ما يقدم من إحصائيات حول سوق المفرقعات أرقام نسبية غير مؤكدة في هذا الصدد قال الخبير الاقتصادي, عبد الرحمن عية، إن تكلفة شراء المفرقعات للاحتفال بالمولد النبوي الشريف يصل إلى 10 مليار دينار جزائري ويجب أولا أن نعرف الطريقة التي تدخل بها هذه المواد لأن قوانين الجمهورية منعت استيرادها ودخولها السوق الوطني, مضيفا بالقول "يجب على المواطنين التفكير بعقلانية والاهتمام بشراء مواد تعود بالفائدة عليه بدل شراء المفرقعات التي تضر بصحته وأمواله"، داعيا إلى تشديد الرقابة على هذه المواد التي تدخل البلاد، كونه يترتب عنها تكلفة مالية إضافية تثقل كاهل العائلات من جهة والاقتصاد الوطني من جهة أخرى خاصة وأن هذه المواد يتم استيرادها بالعملة الصعبة -حسبه- مما يؤثر على الخزينة العمومية. ومن جانبه قال المحلل الاقتصادي كمال رزيق في حديثه مع "الحوار" إن المفرقعات التي تباع الآن بكثرة قبيل المولد النبوي الشريف أدخلت إلى الجزائر بطريقة غير قانونية، مستغربا في السياق إقبال المواطنين على شراء هذه المواد وإهدار أموالهم فيها في الوقت الذي يدعي فيه أنه فقير وظروفه المادية صعبة، داعيا بالمقابل إلى إعادة النظر في هذا النشاط وتوجيه الأموال المخصصة لاستيراد هذه المواد في المشاريع التنموية التي من شأنها النهوض بالاقتصاد الوطني بدل تبذيرها في أمور بدون معنى. وفي ذات السياق تساءل الخبير الاقتصادي بوزيان مهماه في اتصال مع "الحوار "حول كيفية استيراد المفرقعات وبأي أموال تتم عملية الاستيراد التي تقوم على العملة الصعبة ويتم استخراجها من البنوك العمومية بطبيعة الحال بالرغم من صدور قرار عدم استيراد مثل هذه المواد، أم هي أموال من السوق الموازية يتم تحويلها, مشددا في ذات السياق على ضرورة تضافر جهود كل المجموعة الوطنية بغية بناء منظومة تربوية اجتماعية وثقافية واعية تتحكم في طريقة الترفيه في مثل هذه المناسبات بعيدا عن العنف والفوضى ومنح البهجة للأطفال والمراهقين، مضيفا بالقول "يحتاج المجتمع إلى الترفيه وهو حق أساسي يجب ضمانه مهما كانت الظروف بشرط أن يكون مؤطرا وله محددات اجتماعية واقتصادية تتناسب مع مداخيل الأسر الجزائرية والقدرة الشرائية لأرباب العائلات, وحول رأيه في استعمال المفرقعات للاحتفال بهذه المناسبة قال ذات المتحدث إنه يجب توفير البديل حين يمنع استيراد وبيع هذه المواد في الأسواق لأنه سيتم تداولها بطريقة غير شرعية في كل الأحوال، وبالتالي فالمنع ليس هو الحل للحد من هذه الظاهرة, داعيا في السياق إلى تشديد الرقابة على استيراد المفرقعات وتطهير السوق الوطنية من كل الألعاب النارية الموجهة للأطفال والتي تستورد بطريقة غير شرعية وتباع بعيدا عن الرقابة الرسمية والتي يمكن تداولها عبر التراب الوطني. ومن جهته قال الخبير الاقتصادي، الدكتور ناصر سليمان، «لا يمكنني التكهن بالمبلغ المالي الموجه لشراء المواد النارية على اختلاف ألوانها وتحت مسميات متعددة، والموجهة أساسا للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، كما لا يمكن ضبط حجم المبيعات التي يحققها تجار المفرقعات، وذلك لتعذر الوصول إلى رقم حقيقي ثابت مسند إلى قاعدة رسمية»، ويقول ناصر في تصريحه ل "الحوار" إن نسبة استخدام المواد المفرقعة تختلف من عائلة لأخرى ومن شخص لآخر، وهذا ناتج ربما لما لمسناه في السنوات الأخيرة من تنظيم حملات توعية في المساجد وعبر وسائل الإعلام المختلفة، والتي تؤكد في خطاباتها وتحليلاتها في كل مرة مدى خطورة المفرقعات على مستعمليها، لذلك يتعذر الإدلاء برقم معين دون الاستناد إلى معطيات رسمية التي تقدمها الجهات الأمنية كقطاع الجمارك وشرطة الحدود، وكل ما يقدم من إحصائيات في غياب الجهة المعنية تبقى مجرد آراء ذاتية غير مؤكدة.
* الاحتفال بالمولد النبوي بالمفرقعات تبذير والدين نبذ التبذير وفي سياق متصل يرى إمام المسجد الكبير الشيخ علي عية في اتصال مع "الحوار" أن الشعب الجزائري اعتاد على الاحتفال بالمولد النبوي الشريف إلا أن استعمال المفرقعات للاحتفال بهذه المناسبة "حرام ولا يجوز"، معتبرا شراء هذه المواد من طرف المواطنين تبذير والدين نبذ التبذير إضافة إلى أنه يسبب عدة أضرار كحرق البيوت والسيارات وترهيب الحامل وتخويفها مما يؤدي ذلك إلى إسقاط جنينها والكثير من الحوادث التي تودي بالأطفال إلى المستشفيات في الكثير من الأحيان بدون أن ننسى الحالات التي يتم فيها بتر عضو من الأعضاء بسببها. وحول الطريقة الصحيحة التي يجب أن يتبعها المواطنون للاحتفال بهذه المناسبة قال علي عية إنه يجب تحسيس المواطن وزرع الوازع الديني حتى يقتدي بما جاء في الكتاب المقدس والسنة النبوية. ولم يختلف رأي إمام مسجد حيدرة الشيخ جلول قسوم حيث قال إنه لا يجوز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف باستعمال المفرقعات لأن الذنوب تتضاعف عندما نحتفل بشيء لا يرضي الله تعالى ورسوله وفيه تبذير للأموال وضرر مادي, فالعديد من المنازل أحرقت وأصيب الأطفال أثناء استعمال هذه المواد، مضيفا أنه يجب على المواطنين تجنب الأشياء التي تضر بهم وتسبب لهم الأذى ويجب الاقتداء بالنبي (ص) وقراءة سيرته ومختلف الكتب الدينية المفيدة وتقديم دروس في هذه المناسبة المباركة والاحتفال بعقلانية وموضوعية بدل استعمال المفرقعات فهي بدعة وحرام وغير جائزة شرعا. قال رئيس نقابة الأئمة جلول حجيمي إنه يستحب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف بشرط أن يكون مضبوطا بضوابط شرعية لأنها تحرك مشاعر الأطفال لحب الرسول (ص) والاقتداء به وعليه فإن استعمال المفرقعات للاحتفال من طرف المواطنين غير جائز لأنه يسبب الضرر والشريعة الإسلامية لا تحب الضرر وتدعو إلى تجنبه. * سوق المفرقعات بالجزائر يشكل خطرا على الاقتصاد قال رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الحاج الطاهر بولنوار عن سوق المفرقعات والألعاب النارية في الجزائر إنه نشاط تجاري ممنوع كون القانون ينص على ذلك ويمنع تسويقها لكن بالرغم من هذه التدابير القانونية إلى أن هناك كميات معتبرة تدخل بطرق التوائية إلى السوق الوطنية. وربط ذات المتحدث هذه الفوضى الموجودة في هذا النشاط إلى ثلاثة عوامل، حيث أكد أن من بين هذه العوامل المشجعة لمزاولة هذا النشاط التجاري في المناسبات الدينية وغيرها هو ارتفاع الطلب الكبير عليها بالرغم من ارتفاع أسعارها مقارنة بالدول المجاورة، إضافة إلى انتشار نقاط البيع الموازية الفوضوية إلى جانب عدد المستوردين الذين يسيطرون على هذا النشاط في المناسبات الدينية على غرار المولد النبوي الشريف. وأوضح ذات المتحدث في حديثه ل "الحوار" أن سوق المفرقعات بالجزائر يشكل خطرا على الاقتصاد من خلال الربح الضائع والتقديرات الحالية للحجم الإجمالي لسوق الألعاب النارية والمفرقعات بالجزائر الذي يتراوح ما بين 10 مليار دج و 15 مليار دج تعود النسبة الكبيرة من هذا المبلغ إلى المستوردين الناشطين في المجال، وعليه نطالب بتقنين هذا النشاط وتنظيميه مع تشديد الرقابة لمنع دخول هذه المنتجات التي تشكل خطرا على صحة المستهلك والمواطن عموما. ومن جهته أكد الأمين العام لمنظمة حماية المستهلك بلعباس حمزة أن جمعيته تندد بشدة بهذه الظاهرة مع اقتراب الاحتفال بالمولد النبوي الشريف كون هذا التقليد في الوقت الحالي أي مع الوضع الاقتصادي الراهن لايسمح للأسر الجزائرية بالمزيد من الأعباء الإضافية أي أن اقتناء المفرقعات والألعاب النارية تكلف العائلات الجزائرية مصاريف إضافية، مشيرا في الوقت نفسه إلى الخطر الذي تشكله هذه الألعاب النارية على صحة المستهلك، الأطفال والشباب بالنظر إلى نوعية وأصناف هذه الأخيرة التي تخلف كل عام تشوهات وإعاقات وعاهات لمستعمليها خاصة على مستوى العينين والأصابع، وعليه دعا المتحدث الأولياء إلى مراقبة أبنائهم وكذا على مستعملي المفرقعات خاصة الشباب منهم أن يتحلوا باليقظة والحذر أيام الاحتفال بهذه المناسبة الدينية. هذا وقال المتحدث في حديثه ل "الحوار" في اتصال هاتفي إن معدل المبالغ التي تصرفها العائلات الجزائرية يوم الاحتفال بالمولد البنيوي الشريف يتراوح ما بين 50 ألف دج و 60 ألف دج للعائلة الوحيدة وهو ما وصفه بحرق الأموال أو بتفجير الأموال. مناس جمال. سمية نعماني