تتزاحم الأحداث وتتوالى في عالمنا العربي وتزداد بؤر التوتر ويكبر حجم التمزق في الأوطان وتزداد التوترات وتلوح النهايات وتتوالى النهايات المحزنة فى اليمن في ليبيا في العراق في سوريا وفي مصر والدول التي نجت من أتون الحروب تتهددها النيران من حولها وتتقاذفها موجات من الجرائم العابرة للحدود وبقايا الإرهاب والترهلات السياسية التي حوّلت المجتمعات العربية إلى قبائل أو تكاد وهل يمكن للقبيلة أن تحافظ على الأمن والسلم والوحدة في مجتمعات تغيب فيها الدولة أو يراد لذاكرة الشعوب أن تنسى أو تتجاوز.. إنها حالنا التي نعيشها ولكأن التاريخ يعيد نفسه. فمنذ قرون خلت ولا تزال كتابات عبد الرحمن بن خلدون تقرأ الواقع بين ظهراني الناس، تقرأ طبائع الناس وسلوكهم وتقرأ سياسات الأنظمة والدول وتشخّص حالها ومآلها، فرحم الله ابن خلدون، وضع الإصبع على الجرح، لقد أتقن الوصف وأبدع في الإيجاز فقد قال في مقدمته في القرن الرابع عشر ميلادي مايلي: "…..عندما تنهار الدول يكثر الانتهازيون وتتكشف الأقنعة ويضيع التقدير ويسوء التدبير ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل ويسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف وتظهر العجائب وتعم الإشاعة ويتحول الصديق إلى عدو والعدو إلى صديق ويعلو صوت الباطل ويخفق صوت الحق وتظهر على السطح وجوه مريبة وتختفي وجوه مؤنسة وتشح الأحلام ويموت الأمل وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقا وإلى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان. ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء والمزايدات على الانتماء ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين، ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة. وتسري الإشاعات عن هروب كبير وتحاك الدسائس والمؤامرات وتكثر النصائح من القاصي والداني وتطرح المبادرات من القريب والبعيد ويتدبر المقتدر أمر رحيله والغني أمر ثروته ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين ويتحوّل الوطن إلى محطة سفر والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب والبيوت الى ذكريات والذكريات إلى حكايات". أليس هذا حال أمتنا وواقعها وما نعيشه فهل نصغ للتاريخ ونأخذ العبر والدروس.