كتب ابن خلدون منذ 800 سنة في مقدمته الشهيرة: عندما تنهار الدول يكثر المنجمون والمتسولون.. والمنافقون والمدّعون... والكتبة والقوّالون.. والمغنون النشاز والشعراء النظّامون.. والمتصعلكون وضاربو المندل... وقارعو الطبول والمتفيقهون... وقارئوا الكفّ والطالع والنازل... والمتسيّسون والمدّاحون والهجّاؤون وعابرو السبيل والانتهازيون.. تتكشف الأقنعة ويختلط ما لا يختلط.. يضيع التقدير ويسوء التدبير.. وتختلط المعاني والكلام.. ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل.. "عندما تنهار الدول".. يسود الرعب ويلوذ الناس بالطوائف.. وتظهر العجائب وتعم الإشاعة.. ويتحول الصديق إلى عدو، والعدو إلى صديق.. ويعلو صوت الباطل.. ويخفق صوت الحق.. وتظهر على السطح وجوه مريبة.. وتختفي وجوه مؤنسة.. وتشح الأحلام ويموت الأمل.. وتزداد غربة العاقل وتضيع ملامح الوجوه.. ويصبح الانتماء إلى القبيلة أشد التصاقا.. وإلى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان.. ويضيع صوت الحكماء في ضجيج الخطباء.. والمزايدات على الانتماء.. ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين.. ويتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة.. وتسري الإشاعات عن هروب كبير.. وتحاك الدسائس والمؤامرات.. وتكثر النصائح من القاصي والداني.. وتطرح المبادرات من القريب والبعيد.. ويتدبر المقتدر أمر رحيله، والغني أمر ثروته.. ويصبح الكل في حالة تأهب وانتظار.. ويتحول الوضع إلى مشروعات مهاجرين.. ويتحول الوطن إلى محطة سفر.. والمراتع التي نعيش فيها إلى حقائب.. والبيوت إلى ذكريات والذكريات إلى حكايات.
- المنجمون هم رجال وزارة الدين في قنوات العار الفضائية، والمتسولون هم المهاجرون من إفريقيا وسوريا، والمنافقون هم المناضلون في أحزاب البرلمان سلطة ومعارضة، والمدعون والكتبة والقوّالون هم رجال الثقافة والإعلام في الصحف والفضائيات، وضاربو المندل وقارعو الطبول هم جماعات المناشدة للعهدة الخامسة، والمتفيقهون هم أعضاء المجالس الإسلامية العليا وجمعيات الدين، وقارئو الكف والطالع والنازل تعرفونهم في قنوات العار! يضيع التقدير ويسوء التدبير هي السلطة، يختلط الجهاد بالقتل هم رجال العشرية الحمراء وما يجري في اليمن وسوريا وليبيا. ويلوذ الناس بالطوائف، علويو سوريا وأكراد العراق ومهني الجزائر.. وتظهر على السطح وجوه مريبة مثل ولد عباس وأويحيى وأبو جرة وحنون وعمارة بن يونس وغول وغيرهم كثير.. يضيع صوت الحكماء، مهري وآيت أحمد مثلا.. ويتقاذف أهل البيت الواحد بالعمالة، وصف قادة جبهة التحرير لأعضاء العقد الوطني في روما بالخيانة (مهري، بن بلة وآيت أحمد) وصفتهم حكومة جبهة التحرير بالخونة! تحاك المؤامرات والدسائس (حكاية الكوكايين ومحاربة الفساد).. ويتدبر المقتدر أمر رحيله، حالة شراء المسؤولين لعقارات في أوروبا، ويقلق الغني على ثروته، حالة ربراب.. يتحول الوطن إلى محطة سفر، حالة الجزائر اليوم.. والمراتع إلى حقائب، كل الشعب الجزائري قشّه مرزّم اليوم؟! لله درك يا ابن خلدون.. ولك الله يا جزائر!