اصطدم المواطنون مع انخفاض درجات الحرارة بارتفاع غير مسبوق في أسعار الحبوب الجافة بكل أنواعها، متأثرة بقانون العرض والطلب خلال هذا الفصل، حيث يقتنص بارونات الحبوب التي تعد في مجملها مستوردة فرصة تزايد الطلب عليها لإلهاب أسعارها واستنزاف جيوب المستهلك كل شتاء. تحوّلت الحبوب هذه الأيام إلى المادة الأكثر شعبية في البيوت والمطاعم الجزائرية، حيث حطّمت نسبة الإقبال عليها الرّقم القياسي وجمعت بذلك بين كافة الطبقات والمستويات الاجتماعية "الزّوالي" وميسور الحال، الموظف والبطال، الإطار في الدولة والعامل في الورشة، كلهم وقعوا تحت سحرها. وبينما ازدحمت المطاعم التي تقدم الوجبات الساخنة بالزبائن الذين يقفون طوابير طويلة للحصول على وجبة ساخنة، خاصة إذا كان طبق "لوبيا" أو "دوبارة"، تراجعت مبيعات محلات "البيتزا "و"الفاست فود" إلى أدنى مستوياتها. ومن خلال جولة عبر شارع "لارو تانجي" لاحظنا أن هذا الأخير يعيش انتعاشا تجاريا ملحوظا هذه الأيام، فملك اللوبيا مازال مقصدا لكل محبّي هذا الطبق الشتوي بلا منازع، يقصده الزبائن من كل صوب ونحو ومن كل الطبقات والمستويات، من طلاب الجامعة إلى إطارات الدولة، فالكل سواسية أمام رائحة اللوبيا بالكمّون التي تثير شهية الجياع على موعد الغذاء ولو على بعد عدة أمتار. اللوبيا والعدس ب250دج.. والحمص ب420دج توجّهت "الحوار" إلى إحدى المساحات التجارية بالأبيار لاستطلاع الأسعار عن قرب فاتضح لنا أن سعر الحمص فاق كل التصورات، بحيث ناهز الكيلوغرام من هذه المادة الأساسية 420دج، بينما بلغ سعر اللوبيا 250دج، وهو نفس سعر العدس، خاصة الأحمر الذي صار مطلوبا بكثرة من طرف المستهلك، أما سعر البازلاء الجافة فلا يتجاوز ال190 دج، بحيث لا تشهد هذه الأخيرة زيادة ملحوظة في أي فصل بسبب قلة الإقبال عليها مقارنة بباقي المواد حسب ما صرح لنا التاجر، وحول سؤالنا عن التباين بين أسعار التجزئة والجملة، قال عبد الرحمن/ب بأن هامش الربح الذي يحققه تاجر التجزئة لا يتعدى ال10 بالمائة من سعر الجملة، مضيفا أن أسعار الحبوب ارتفعت لدى تجار الجملة وبالتالي لا مفرّ من الزّيادات، إلا أن المستهلك يتجاهل ذلك ولا ينظر بعين التذمر إلى تجار الجملة، بينما يلقي باللوم كعادته على أصحاب المحلات. ________________________ الحاج الطاهر بولنوار رئيس الجمعية الجزائرية للتّجار: لا حل لنا سوى تشجيع الاستثمار في الصناعات الغذائية المحلية أرجع رئيس الجمعية الجزائرية للتجار الحاج الطاهر بولنوار، في تصريح خاص ل"الحوار" ارتفاع أسعار الحبوب الجافة مؤخرا إلى كثرة الطلب عليها بحلول موسم الشتاء، حيث تتصدر الطلب على مستوى المطاعم والجامعات والمستشفيات وغيرها، ما يلهب ثمنها. وأكد بولنوار أن البقول والعجائن لا تخضع للدعم ولا للتقنين، بل إلى ارتفاع سعر الدينار وانخفاضه في السوق العالمية، ذلك لأنها مواد غذائية مستوردة في مجملها وليست محلية، وبالتالي فهي تستورد بالعملة الصعبة وتخضع لتقلبات سعر الأورو والدولار. لكن، أضاف محدّثنا، يشتكي المواطنون من سعرها المرتفع بالذات في فصل الشتاء لأن الطلب عليها يكثر في هذا الفصل، فكل الجزائريين بدون استثناء يفضلون البقول والعجائن خلال هذا الفصل، وبالتالي يرتفع سعرها أكثر لأنها تخضع لقانون العرض والطلب. وأرجع بولنوار ارتفاع أسعار البقوليات أيضا إلى التلاعب ومضاربة مسيري غرف التبريد بالأسعار بهدف الربح السريع. وأضاف بولنوار "طبق "الدوبارة" الشعبي الذي اجتاح المطاعم في الفترة الأخيرة يتكون أساسا من مختلف أنواع البقول، وعلى رأسها الحمص، هذه المادة التي تعد مكونا أساسيا في أغلب الأطباق الجزائرية صرنا نستوردها بعدما كنا ننتجها محليا، نحن اليوم نعيش على الاستيراد فحسب، وحتى المواد التي كنا ننتجها من قبل تراجعنا عنها، وعليه نطالب رجال الأعمال والمستثمرين بزيادة الإنتاج المحلي وعدم الاعتماد كليا على المنتج المستورد، ونحن قادرون على ذلك، …ولا حل لنا سوى تشجيع الصناعة الغذائية المحلية والاستثمار فيها لنكون في مأمن من تقلّبات سعر الصرف، لأن من يتأثر بها هو "الزّوالية" ومحدودي الدخل في الجزائر، حيث ينددون بارتفاع أسعار هذه المواد الغذائية الأساسيّة لأنها لم تعد في متناول أيديهم". _________________________________ أخصائي التغذية كريم مسوس ل "الحوار": الحبوب غذاء صحّي بامتياز يمد المستهلك بالطاقة خلال الشتاء أكد أخصائي التغذية كريم مسوس في تصريح ل"الحوار" بأن اعتماد الجزائريين خلال فصل الشتاء على الحبوب يعد نظاما غذائيا صحيا بامتياز، فالبقول الجافة مصدر جيد من البروتينات والألياف الغذائية، وهي لا تسبب أي نوع من الأمراض لا السكري ولا الكولسترول، كما أنها بريئة من أمراض ضغط الدم والشرايين، بل وحتى المصابين بالأمراض المذكورة بإمكانهم استهلاكها بصفة عادية، ورغم احتوائها على القليل من الدهون والصوديوم فإنها توفر البوتاسيوم بغزارة، وبعضا من الكالسيوم والحديد والمعادن الأخرى. كما أنّ اقتران الحبوب الجافة بأيّ نوع من البروتينات يجعل منها غذاء صحيا بامتياز، وحتى بدون لحم، أضاف مسوس، هي مساوية في فوائدها للّحوم، لذلك يقال إن البقوليات هي لحوم الفقراء، ومن فوائدها أيضا أنها تعمل على تقوية العظام وعلى تحفيز خلايا الدم، بالإضافة إلى أنها غنية بالألياف الطبيعية وبالأملاح المعدنية والعناصر الغذائية، تخفض الكولسترول وتضبط السكر في الدم. وأضاف أخصائي التّغذية، أن صحّة الجزائريين كانت أحسن بكثير خلال سنوات السّبيعينات والثمانينات حينما ساد هذا النظام الغذائي، بحيث لم نعرف انتشار الأمراض المزمنة على هذا النحو، لا كولسترول ولا أمراض الضغط ولا حتى البدانة التي تحولت إلى مشكل حقيقي يهدد صحة الأجيال الجديدة بصفة خاصة. ……………………………………………….
الجزائريون يستهلكون 2 قنطار من الحبوب سنويا استوردت الجزائر خلال السنة المنصرمة ما يعادل 1.6 مليار دولار من الحبوب الجافة، منها 7.8 مليون طن من القمح الصلب، 400 ألف قنطار من العدس و 600 ألف لوبيا، بحسب تصريح أدلى به المدير العام للديوان الجزائري للمهني للحبوب، محمد بلعبدي لوسائل الإعلام، وهو ما يصنف المواطن الجزائري من بين أكبر مستهلكي الحبوب محتلة بذلك المرتبة الرابعة عالميا، بحيث يقدر معدل استهلاك الحبوب في العالم 1.2 قنطار للفرد سنويا، بينما يتعدى استهلاك الجزائري المعايير العالمية ب 2 قنطار من الحبوب سنويا. …………………………………………… الخبير الفلاحي مستشار التصدير عيسى منصور ل"الحوار": نستورد حاليا أربعة أضعاف ما ننتجه والاكتفاء الذاتي حلم بعيد أكد الخبير الفلاحي عيسى منصور أن الإنتاج الوطني من الحبوب لا يفوق ال 5 ملايين قنطار، فيما تستورد بلادنا ما بين 6 إلى 7 ملايين طن، وهو ما يجعل حلم الاكتفاء الذاتي بعيد المنال حاليا، ودعا في تصريحه ل"الحوار"إلى ضرورة العمل على الاكتفاء الذاتي لتحقيق الأمن الغذائي قبل التفكير في جعل الفلاحة بديلا للمحروقات. * ما هي العوامل التي من شأنها رفع إنتاج الحبوب في الجزائر برأيكم؟ – إن إنتاج الجزائر من الحبوب لم يعرف تطورا كبيرا منذ الاستقلال وتبعية الجزائر للخارج في ما يخص الحبوب في ازدياد مع تنامي النمو الديمغرافي وركود إنتاج الحبوب فنحن ننتج سنويا ما يقارب ال 35 مليون قنطار، فيما نستورد 13 مليون طن بقيمة لامست ال 3 ملايير دولار. من الغريب أن نتناسى هاته الشعبة الاستراتيجية والأساسية ولم نفكر جديا في تطويرها رغم كل البرامج التي طبقت منذ سنة 2000 مع انطلاق المخطط الوطني للتنمية الفلاحية والتي رصدت فيها أموال طائلة لأجل النهوض بالقطاع الفلاحي، لقد تم خلال تطبيق هذا البرنامج تحويل كل الأراضي غير المنتجة للحبوب (دون سقي) إلى أراضٍ لغرس الأشجار المثمرة والزيتون مع تطبيق السقي وذلك بتسهيل عمليات حفر الآبار وتم بذلك تقليص المساحات المخصصة للحبوب خاصة في المناطق السهبية، كان بالأحرى سقي هذه المساحات قبل الحكم عليها بضعف الإنتاج وتحويلها. إن الحبوب في بلادنا تنتج بطريقة تقليدية وتعتمد في غالبيتها على الأمطار من 3ملايين و 500 ألف هكتار مخصصة للحبوب لا تتجاوز المساحة المسقية 220 ألف هكتار، معدل الإنتاج لا يتعدى ال 10 إلى 12 قنطارا في الهكتار على أقصى تقدير فيما يمكن تجاوز ال 50 قنطارا في الهكتار عندما يحترم المسار التقني مع اعتماد السقي الكلي أو التكميلي حسب المناطق. لأجل رفع إنتاج الحبوب يجب الاهتمام بالمنظومة ككلّ، يجب احترام المسار التقني واستعمال البذور التي تتلاءم مع المناخ، خاصة بالنسبة للقمح اللين الذي نسجل فيه عجزا كبيرا إذ أن الإنتاج لا يفوق ال 5 ملايين قنطار فيما نستورد ما بين 6 إلى 7 ملايين طن، كما يجب أيضا اعتماد السقي وتوسيع المساحات المسقيّة التى من المفروض أن تمس 600 ألف هكتار سنة 2019 حسب البرنامج المسطر آنفا ولكن المشروع يراوح مكانه بسبب ترشيد النفقات التي اعتمدتها السلطات العمومية بعد انهيار أسعار النّفط، كما يجب أيضا التحكم في عمليات الحصاد والتخزين. إن بعض المختصين في الميدان أكدوا ضياع ما يقارب ال30 بالمائة من المنتوج بسبب قدم الحصادات وكذا عدم ملاءمة هياكل التخزين التي تفتقر إلى أدنى الشروط الأساسية للحفظ السليم من التحكم في الحرارة والرطوبة * هل بإمكان الجزائر تحقيق الاكتفاء الذاتي وتأمين احتياجات المواطن من الحبوب والتخلي عن الاستيراد ؟ – تحقيق الاكتفاء الذاتي من الحبوب في الوقت الراهن غير ممكن وذلك للأسباب التي ذكرناها آنفا، إننا نستورد حاليا تقريبا أربعة أضعاف ما ننتجه، إنها تبعية شبه كليه لا يمكن لها أن تزول بين عشية وضحاها. إن استيراد القمح اللين تضاعف ثلاث مرات في عشر سنوات من جراء تغيير النمط الاستهلاكي للمواطن الجزائري الذي أصبح يستهلك أكثر القمح اللين (الفرينة) خاصة مع استعمال الأفران الحديثة (Boulangeries rotatives ) وكذا تفشي محلات الفاست فود، فلا يمكن للاحتياجات أن تزيد مع ازدياد عدد السكان فكيف للوضع أن يتحسن إن لم نرفع من الإنتاج ؟ لا يمكن أن نتحدث عن الاكتفاء الذاتي في الحبوب ما دامت تعتمد في غالبيتها على الأمطار وكما ذكرنا من قبل يجب الاهتمام بالمنظومة ككل من عمليات قبل الزرع إلى عمليات ما بعد الحصاد ومن الضروري تطوير الإرشاد الفلاحي حول شعبة الحبوب. * هل يمكن للفلاحة بأن تكون بديلا للنفط في الجزائر؟ – هذا شعار يتم تداوله منذ انهيار أسعار النفط ولكن يبقى شعار أجوف إلى أن يثبت العكس، ففي الميدان ليس هناك ما يوحي بتجسيد هذا الشعار. هل اهتممنا يوما بالقطاع الفلاحي كما اهتممنا بقطاع المحروقات، هل استثمرنا في القطاع الفلاحي كما استثمرنا في قطاع المحروقات؟ كيف لنا إذا أن نعول على قطاع نتناساه إبان البحبوحة المالية ونتذكره مع بداية الأزمات؟ مشاكل القطاع الفلاحي ليست وليدة اليوم بل هي تراكمات منذ السنوات الأولى للاستقلال أين تم الاعتماد على الصناعة لأجل بناء الاقتصاد الوطني ظنا من أصحاب القرار في ذلك الوقت أن تطوير قطاع الصناعة سيجر حتما معه القطاعات الأخرى ولكن مع الأسف بعد أكثر من نصف قرن من الاستقلال لا الصناعة تطورت ولا القطاعات الأخرى سارت على المنوال. عندما نريد أن تكون الفلاحة بديلا للمحروقات فهذا يعني أن تصدير المنتجات الفلاحية تكون في حدود ال 35 مليار دولار، كيف يكون لنا ذلك ونحن لا نصدر حتى مليون دولار واحد من المنتجات الفلاحية؟ لذا فلا يمكن أن نطلب المستحيل ولا يمكن أن نطلب من الفلاحة ما لا تطيق، من الضروري أن نعمل على الاكتفاء الذاتي أولا ومن ثم تحقيق الأمن الغذائي قبل التفكير في جعل الفلاحة بديلا للمحروقات. روبورتاج: سامية حميش