تسبب القروض العديدة التي منحتها البنوك في السنوات الأخيرة، في ارتفاع نسبة التعثر المصرفي لهذه الأخيرة، مما دفع الحكومة إلى اللجوء مرارا إلى تطهير محافظ البنوك العمومية، من خلال تقديم الدعم المالي للبنوك العمومية بغية إعادة بعثها من جديد. وفي ذات السياق، قال الخبير المالي، سليمان ناصر، إنه وبالرغم من أن عدد البنوك العمومية يقتصر في 6 بنوك فقط من بين 20 بنكا في الجزائر، غير أن هذه البنوك تسيطر على ما نسبته 80% من السوق المصرفية الجزائرية، وهي تسجل نسب تعثر مصرفي مرتفعة، وهي حصيلة نسبة القروض المتعثرة أو المشكوك في تحصيلها إلى إجمالي القروض في محفظة البنك هذه النسبة تساوي 11% في البنوك العمومية، مضيفا أن المعدل العالمي المسموح به لا يتجاوز 5%، وذلك بسبب تورط هذه البنوك في العديد من القروض على غرار، قروض أونساج، وكناك، وأونجام وغيرها، إضافة إلى إقراضها للمؤسسات العمومية دون مراعاة الدراسة العلمية لجدوى المشاريع. وصرح ناصر سليمان، في حديث ل "الحوار"، أن هذه الوضعية جعلت الدولة تلجأ باستمرار إلى تطهير محافظ البنوك العمومية أو ما يسمى بإعادة الرسملة، أي التدعيم المالي لها بشراء تلك الديون، هذه العملية كلفت خزينة الدولة مبلغ 3500 مليار دج منذ 1991، أي مع الدخول في مرحلة الإصلاحات الاقتصادية إلى غاية سنة 2014، وهو ما يعادل 32 مليار دولار (بسعر هذه المرحلة)، يُضاف إليها آخر عملية في هذا المجال تمت سنة 2017 وهي تساوي 42 مليار دج، أي ما يعادل 384 مليون دولار، ليصل المجموع خلال الفترة 1991-2017 إلى حوالي 32.5 مليار دولار، وهو مبلغ يكفي حالياً لإنشاء 373 بنك جديد على أساس أن الحد الأدنى لرأسمال البنوك في القانون الجزائري هو 10 مليار دج أو ما يعادل 87 مليون دولار، يضيف المتحدث. كما أفاد المتحدث ذاته أن الدولة حاولت أكثر من مرة خوصصة بعض البنوك العمومية مع بداية الألفية الجديدة، ولكن العملية فشلت لأسباب عديدة، ليزداد الأمر تعقيداً بعد صدور الأمر 10-04 لسنة 2010 من خلال المادة 6 التي تطبق قاعدة 49/51 على البنوك، مضيفا أن الأمر مستحسن في الوقت الحالي، باعتبار أن قانون المالية 2016 ينص في المادة 62 ترخص وبوضوح للحكومة بفتح رأسمال المؤسسات العمومية الاقتصادية لغاية 34% أي إمكانية بيع لغاية 66% للأشخاص الوطنيين المقيمين، مضيفا بالقول: "ثم قلنا ما المانع من بيع مؤسسات غير منتجة اقتصادياً وتعمد الدولة إلى دعمها وتطهيرها مالياً باستمرار إذا تمّ بيعها إلى القطاع الخاص لتنتج أكثر ولتساهم بفعالية أكبر في الاقتصاد الوطني، فقط يجب أن تتم العملية بطريقة علمية ومدروسة وفي إطار الشفافية والقانون وبسعرها الحقيقي". وفيما يتعلق بالخوصصة الجزئية للبنوك العمومية، قال الخبير في المالية إن هذه العملية ستساهم في إيجاد آليات جديدة للتسيير عوض التسيير التقليدي لها والذي أدى إلى إهدار موارد مالية هائلة للدولة هي في أمسّ الحاجة إليها في عز التقشف، بالإضافة إلى إيجاد منافسة أكبر في السوق المصرفية الجزائرية، والتي لا زالت تسيطر عليها البنوك العمومية بنسبة كبيرة منذ بداية التسعينيات، مؤكدا أن الخوصصة ضرورة اقتصادية في كثير من الأحيان.
–المشكل يكمن فيمن يقيم القيمة الحقيقية لأصول البنك من جهته، يرى الخبير في الاقتصاد النقدي، عبد الرحمان عية، أن خوصصة البنوك في الجزائر تجربة صعبة، باعتبار أن الخواص يفتقدون إلى الكفاءة الكاملة، والاحترافية الحقيقية لتسيير مؤسسة مالية. وأشار عبد الرحمان عية، إلى أن قانون المالية 2016 ينص على إمكانية خوصصة المؤسسات، مع استمرار الدولة في تمويل 43 بالمائة، لكن الإشكال حسبه يكمن فيمن يقيم القيمة الحقيقية لأصول البنك، باعتبار أن عملية التقييم تتطلب وجود سوق يتضمن العرض والطلب بهدف الوصول إلى سعر التوازن، مضيفا أن هذه العملية تحتاج إلى سوق المال، والمشكل في الجزائر أن هذه السوق هي البورصة، متسائلا عمن يضمن تحديد القيمة الحقيقية في ظل افتقاد البورصة للديناميكية. وعن المشاكل التي تتخبط فيها البنوك العمومية، قال عية إن الحكومة تتحمل تعثر هذه البنوك، باعتبار أنها أجبرت هذه الأخيرة على تطبيق بعض التعليمات لتمويل مشاريع عديدة على غرار أونساج وغيرها. وفي حديثه عن الخوصصة، قال المتحدث، إن الينوك الأجنبية بالجزائر لا تنقل تلك الحركية والديناميكية التي تسير بها في الدول الأخرى، مضيفا أن الإشكال يكمن في مناخ الأعمال في الجزائر وسوء اختيار الشركاء. ويرى المتحدث، أن الخوصصة تساهم في تطور الاقتصاد، وزيادة المنافسة، بالإضافة إلى تطوير أداء العنصر البشري، مشيرا إلى أن النموذج الاشتراكي الذي يكفر بالخوصصة والرأس مالية سبب فشل هذه العملية في الجزائر. سمية شبيطة