أصيبت الجزائر يوم الأربعاء 23 رجب 1439 ه الموافق ل 11 أفريل 2017 في طيرانها حين أصيبت طائرة عسكرية قادمة من بوفاريك إلى بشار وتندوف فأودت بحياة الركاب جميعا وهم 257 رحمة الله عليهم. قائد الطائرة كان في غاية العظمة والشجاعة والبطولة حين سعى بكلّ ما لديه لإنقاذ الطائرة وإنقاذ ركابها، وحين لم يستطع رغم تكرار محاولات الإنقاذ اختار أقلّ الأضرار فسار بالطائرة بعيدا عن السّكان وسقطت في بستان خال من السّكان وكان سببا في إنقاذ مدينة بأكملها من الدمار والخراب والحرق والهلاك، كما تحدّث بذلك أحد العسكريين عبر فضائية جزائرية حين قال إن قائد الطائرة تحدّث مع برج المراقبة قائلا: لا أستطيع إنقاذ الطائرة لكني سآخذها إلى مكان خال من السّكان، فعظمة الطيار الجزائري أنّه وهو مقبل على الموت لا محالة فكّر في تخفيف الأضرار وتقليل الخسائر فكان البستان أقلّ ضررا من المدينة الآهلة بالسّكان، فظلّ بطلا وهو يواجه الموت بأقلّ الأضرار رحمة الله عليه. وللوقوف على عظيم ما قام به الطيار الجزائري يكفي الوقوف على بعض الأمثلة الجزائرية والغربية ومقارنتها، ومنها: منذ سنوات قليلة، طيار ألماني يغلق بابه على نفسه مانعا مساعده من الدخول فأودى بالطائرة عمدا صوب الجبال، فكانت النتيجة هلاك كلّ من في الطائرة وعددهم – فيما أتذكر – 365 مسافر بسبب انتحار الطيار الألماني وهلاك كلّ من في الطائرة. وفي اليونان قبطان يكون أوّل الفارّين بجلده حين يعلم بغرق السّفينة التي كلّف بقيادتها، ويترك من ورائها ركاب السّفينة وطاقمها يواجهون بمفردهم الأمواج المتلاطمة وأنياب القرش، فكانت من أحطّ الأعمال التي قام بها القبطان وما كان له أن يفضّل نفسه على غيره وهو المكلّف بحمايتهم وإنقاذهم ورعايتهم. وفي سنة 1982 يسافر وزير الخارجية الجزائري محمّد الصديق بن يحي رحمة الله عليه ليصلح بين إيران والعراق إثر اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، فأصيبت طائرته بصاروخ وقتل وزير الخارجية الجزائري ومن معه وهو متجه للوساطة وإطفاء الحرب. و"بعد التحقيق تأكّد أن الصّاروخ الذي قتل وزير الخارجية محمّد الصديق بن يحي هو صاروخ عراقي، فقال صدام حسين لمبعوث الجزائر: " إني أعوّل كثيرا على الحسّ العربي للرئيس الشاذلي بن جديد"، وطالب على إثرها الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد: "أن لا تنشر نتائج التحقيق، وأن لا يذكر للشعب الجزائري أن صاروخا عراقيا هو الذي فجّر الطائرة وكان سببا في قتل وزير خارجيتها، والوفد المرافق له". ويفهم من هذا المثال أنّ الجزائري يموت ويضحي من أجل الجزائري، ويموت ويضحي من أجل غيره لإقامة الصلح والتقريب بين الإخوة والجيران. وما يجب ذكره أنّه سبق للطيار الجزائري أن شارك في حرب 1973 ضدّ الصهاينة والجزائر يومها حديثة عهد باسترجاع السّيادة الوطنية والتي لم يمرّ عليها سوى 11 سنة فقط، وشاركت الجزائر ب 2000 جندي وسربين من الطائرات التي لا تملك غيرها كما أسمع الآن لأستاذ جزائري عبر فضائية جزائرية وهو يؤكدّ ذلك. ومن عظمة الطيار الجزائري أنّه لم يشارك يوما في ضرب إخوانه ولا جيرانه، ولم يتحالف يوما مع عربي ولا أجنبي ضد إخوانه ولا جيرانه. أختم مقالي بما كتبته عبر صفحتي بمجرّد ما سمعت الفاجعة التي مسّت الجزائر: وأنا أتابع خبر انفجار طائرة عسكرية جزائرية عبر الفضائيات الجزائرية التي أودت ب 257 ، استوقفتني صور الجنود الجزائريين الذين ماتوا رحمة الله عليهم، وكلّهم حيوية وشباب وأناقة وجمال وأمل واندفاع حتّى قال أحد الضباط الجزائريين المتقاعدين من شدّة التأثر: "On ne meurt pas au printemps" "لا نموت في الربيع"، لأنّ هؤلاء الشباب يمثّلون الربيع وهم في زهرة شبابهم ويعتبرون نافذة تطلّ من خلالها الجزائر على يومها وغدها. اللهم ارحم جنود الجزائر وعائلاتهم، وارزق أهلهم الصبر والثبات، وادخلهم الفردوس، وارزق الجزائر الثبات والدوام على ما ينفع ويفيد.