في عصرِ عمرَ بن عبدِ العزيز، رضي الله عنهُ، جُمعت الزكاةُ، وأرادَ أن يوزِعَها فلمْ يجدْ فقيرًا واحدًا في أنحاءِ الأمةِ، لماذا لم يجد عمر -رضي الله عنه- فقيرًا في دولته؟. بعد التمعن والوقوف على هذه المعاني الخالدة، يتضح أنهم كانوا أغنياء بالقناعة، بعزة النفس، لا يمدون أيديهم ولو كانوا محتاجين …كان لا يوجد بينهم الجشع والطمع والأنانية كأيامنا هاته، التي انتشرت فيها سلوكات ومظاهر لا تعرف فيها المعوز من غيره، ولا الغني من الفقير، فكلهم أصابهم مرض الطمع، أقل ما يقال عن هذه السلوكات بأنها مخالفة لتعاليم الإسلام .. هذه المظاهر والسلوكات أفرغت شهر الصيام من دروسه وعبره، وتعطى لقفة رمضان هالة من التعريفات وعناوين بارزة تضر بالفقراء والمعوزين، كقولهم بمناسبة شهر رمضان، وفي إطار العملية الوطنية للدعم الغذائي، مساعدة الأشخاص المعوزين والمحتاجين تحت إشراف مؤسسة؟. للسبق الصحفي.. ورقة سياسية ..للأحزاب… رياء للأفراد.. فبمال الدولة يحسنون، وبمال الدولة يفضلون، وبمال الدولة يختارون، حيث ستحصل كل أسرة على قفة من الإهانات الغذائية على شكل أكياس تدل على الفقير، وإشارة إلى الفقر، فالتسجيل فيه أذى وحملها ونقلها فيه أذى، أين التعفف؟، ويكتبون بعناوين عريضة فيها إيحاءات وإحالات إلى المنعم والمكرم عليهم كقولهم: يعكس هذا العمل الخيري النموذجي الدلالات القوية للعناية بالأشخاص المعوزين في هذا الشهر الفضيل، كما تندرج هذه البادرة الطيبة في إطار تكريس ثقافة التضامن والتآزر وقيم التكافل.. إلخ، هل هذا هو التضامن المشار إليه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)- [أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]، فكرامة المؤمن أولى بالرعاية والعناية من قفة رمضان، وما تحمله من معان لا تليق بالمسلم. لماذا أضيفت القفة لرمضان، رمضان يضاف إليه، كما قال الله عز وجل (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَات مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَر َعِدَّةٌ مِنْ أَيَّام أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يريد بكم العسر)، رمضان شهر التراويح!، رمضان شهر محاسبة النفس ومجاهدتها، شهر رمضان شهر الحرمان من متع الدنيا!، شهر رمضان شهر الصبر …إلخ. قفة رمضان تنظيمها فتنة وتوزيعها جحود وتأخيرها اتهام، محاكمات، منازعات، تحايلات، سب وشتم، تخلو من الحسنات مجلبة للسيئات، تفتح للطامعين من ذوي النفوس المريضة الشهية كل سنة قبيل رمضان.
شغلت قلوب وعقول الفقراء شهرين قبل رمضان! شغلت قلوب وعقول المسؤولين شهرين قبل رمضان، وشهرين بعد رمضان!، فكم من لقاءات وندوات، ربت فيهم الطمع والجشع والأنانية وحب الذات، فكرامة المؤمن وعزة المؤمن يجب المحافظة عليها وعدم إهدارها تحت اسم قفة رمضان، فلقد سمعت ندوة حول هذا الموضوع في قناة جهوية لولاية بومرداس، وتجادل المتكلمون أصحاب الصناديق والجمعيات، وحللوا ووقفوا على أن هناك تحايل، وتصريحات كاذبة، والدليل أن تحيين قائمة المعوزين انخفضت إلى أكثر من النصف، بمعنى أن قفة رمضان أعطت الناس كيف يكذبون باسم رمضان. باسم رمضان… فكيف جعلتم المعاني الروحية الكريمة والعظيمة التي جاء بها شهر الصيام، ونسبتم إليه قفة رمضان هذا نسب تشريف أم تكريم!. فرمضان جاء لمجاهدة النفس والشيطان والتضييق عليهما بالجوع والعطش، بمعنى نصوم لنجوع، نصوم لنعرف قيمة نعم الله علينا، نجوع لنتذكر الفقير واليتيم والجائع طوال السنة!، نصوم لندرب أنفسنا على مكاره الأيام، نصوم كدولة، كشعب، كأمة للتقليل من الإنفاق لا زيادة فيه، فإذا كان التبذير والتشجيع على الإنفاق والزيادة فيه من الكبائر، فكيف نقول لعامة الناس، وهنا نعطي فكرة للتفكير لذوي العقول السليمة أن معدل الإنفاق في الشهر مثلا 50 ألف دينار جزائري للعائلة المتوسطة، فتكون في شهر رمضان تقسيم ثلاثة، أي ندخر ثلث الإنفاق، فما لكم كيف تحكمون، ولكن نحن في بلادنا نعصى الله بنعم الله علينا، نعصى الله في وقت الطاعة في الشهر الفضيل، فالتاجر يجعل من رمضان مناسبة ل ؟؟؟!!، وكل إنسان يتاجر في رمضان، فالكلام عن الأكل والاستعداد لرمضان بالأكل كلها تجعل الجزائريين والجزائريات يصومون ثلاثة أشهر بدل الشهر!، فما لكم كيف تحكمون، فشهر رمضان هو فرصة يجب على كل مسلم حريص على رضى الله عز وجل وغفرانه أن يستغلها في العبادة والطاعة لله وحده، فلا ينشغل في شتى الأمور الأخرى من طعام وشراب وسهرات وغيرها من الأمور التي ابتدعها الناس، والتي تضيع عليهم هذه الفرصة العظيمة التي يكون فيها الخير الوفير والأجر العظيم. فكان السلف الصالح رضي الله عنهم مقتدين برسول الله صلى الله عليه وسلم، يستقبلون رمضان استقبالاً حافلاً مليئاً بالفرح لهذه الفرصة العظيمة التي جعلها الله عز وجل لمن أراد أ ن يستقبله بالتوبة والمغفرة، لا يستقبلونه بقفة نسبت لرمضان ظلما وزورا، فالصيام وحده يعدّ من العبادات التي لم يحدد لها الله عز وجل أجراً، بل إنّه يجزي بها كل إنسان بحسب طاعته وإخلاصه في عمله، فهو عز وجل العليم بما في القلوب، وهو الكريم أيضاً، فكان الصحابة رضوان الله عليهم يدعون الله عز وجل في الستة الأشهر التي تسبق رمضان بأن يبلغهم رمضان وأن يعينهم على عبادته فيه ويدعون الله عز وجل ستة أشهر فيما بعد رمضان بأن يتقبل منهم عبادتهم في ذلك الشهر، كما أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان يستقبل رمضان بقوله: (مرحباً بمطهر ذنوبنا)، فقد كان يعلم -رضي الله عنه- بما لهذا الشهر من الأجر العظيم والخير الجزيل. وكان الصحابة -رضوان الله عليهم – يستقبلون رمضان بالدعاء وطلب الغفران من الله عز وجل، ولا يستقبلونه بالكلام عن قفة رمضان، فكانوا -رضوان الله عليهم- يكثرون من الدعاء في ليالي رمضان وفي نهاره، وفي السجود والقيام، فوردت عنهم -رضوان الله عنهم- العديد من الأدعية التي كانوا يكثرون منها في رمضان، فكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- يقول عندما أفطر: اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تعفو وتصفح إنك أنت الكريم …
أصبح الصيام يعرف بقفة رمضان! رمضان وفضله ومكانته يعرفها الجميع، والمعرف لا يعرف، لكن فقط تظهر للقارئ الكريم بعض المظاهر والسلوكات التي أفرغت شهر الصيام من الاستفادة من دروسه وعبره، هل هذا هو التضامن المشار إليه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى)- [أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير]، فكرامة المؤمن أولى بالرعاية والعناية!، من قفة رمضان وما تحمله من معان لا تليق بالمسلم. أصبح رمضان يخوف الناس ويدخل عليهم الرعب والهلع، كيف نقول لهؤلاء لقد جاءكم شهر كريم فيه فيه..!، حرج كبير بسبب شهر رمضان …أصبح رمضان محرج، وكيف أصبح رمضان يخوف، لا حول ولا قوة إلا بالله. ورغم استفادتهم من قفة رمضان يقولون إن هذه القفة لا تغطي احتياجاته لأسبوع، فضلا عن شهر كامل، واعتبروا هذه القفة لا تغني ولا تسمن من جوع.. طريقة التوزيع هي إهدار لكرامة الفرد الجزائري!.