لا تكتب بالكلمات .. أكتب بالأشياء وبالمشاعر .. وابتعد عن كل لغة نقدية وكل لغة متخففة حتى من الوصف والسرد.. هذه نصيحة قدمها الشاعر الكبير ماكس جاكوب لشاعر شاب .. تبدو بسيطة .. ولفرط بساطتها يتعذر على من يكون مخولا لكتابة الشعر إبداعيا ونفسيا وفكريا وثقافيا أن ينفذها.. أن نكتب بالأشياء وبالمشاعر والأحاسيس ليس مهمة سهلة .. وليست في متناول كل من يقول أنا مبدع وأنا شاعر.. والكتابة بالأشياء والابتعاد عن استعراض العضلات اللغوية والمعرفية يطوح بالكاتب إلى الطرف الآخر من الإبداع .. فهو لا يكون معنيا بالعملية الإبداعية بما يلزمها من روح فنية .. ورؤى فلسفية وما تتطلبه من هالة ميتافيزيقية طبيعية .. تكون مثل إناء ملطخ بالزينة والألوان مزوق بالصور والأشكال التعبيرية على اختلافها .. لكن داخله تجده عامرا بالخواء .. ولا شيء غير الخواء .. الأعمال الشعرية والإبداعية الخالدة ما كانت لتتبوأ تلك المكانة لولا تكويناتها التلقائية الضاربة في صميم الأشياء.. فأعمال شكسبير وغوته ونيرودا ونويل وهوميروس وغيرهم من العظماء ما كانت لتخلد ولا لتحتفظ بوهجها وألقها أبدا لو انشغلت بالكلمات.. الأعمال العظيمة تجعل الكلمات هي التي تنشغل بها .. تكون في خدمتها لا العكس .. النص وروح النص هما من يصنعان الكلمات .. هما من يقولان لها كوني .. كما ولدتك المعاني .. كما أنجبتك المشاعر وكما خرجت من بطن الأشياء ..