هل يمكن اعتبار ارتفاع نسب الزواج في الجزائر مؤشرا صحيا لاقتصاد البلاد ورفاهية العباد؟ ..وهو الذي ما فتئ يتراجع في السنوات العجاف إلى درجة أن البعض صار يتهم الجزائريين بالعزوف عن الزواج . بل ويذهب إلى أبعد من ذلك حين يطلق على الجزائر تسمية ''دولة العوانس''؟ أم أن الأمر لا يعدو كونه محاولة لحاق بعض العزاب بما تبقى من سنوات شبابهم حتى لا يحكموا على أنفسهم بالعزوبية مدى الحياة ؟ قد تكون أرقام الزيجات التي تسجل بالحالة المدنية تبعث على التفاؤل فعلا، وكنا سنربطها حتما بعودة الأمن والأمان إلى ربوع الوطن بعد أن عزف الكثير من الجزائريين عن التفكير في إتمام نصف دينهم في سنوات الموت والدمار.كما كنا سنعتبر أيضا بأن البحبوحة المالية التي تعيشها الجزائر في عصر الذهب الأسود هي الدافع الذي شجع الكثير من عزاب الجزائر الذين بلغ عددهم حسب إحصائيات رسمية 18 مليون شاب على دخول القفص الذهبي.لولا أن 80 بالمائة من هؤلاء العرسان الجدد يعانون أزمة سكن خانقة وبحاجة إلى سقف يؤويهم . فالعرسان الذين تجاوز عددهم 150 ألف زوج سنويا والذين لم يشملهم مشروع المليون سكن . إما أنهم يقطنون في المسكن العائلي للزوج أو الزوجة، وإما أنهم في أحد أقبية العمارات التي اكتظت بساكنيها. ومن أراد منهم أن يفلت من قبضة ''الدّمار'' عليه بتكبد مصاريف الإيجار ودفع '' دم فؤاده '' لملاك البيوت والعقارات ثم العيش بنصف مرتب ونصف رغيف . وأغلبهم يجافي مضجعه النوم عند كل موعد جديد لدفع القسط..طبعا فمصائب قوم عند قوم فوائد . وبين هذين الفريقين يبقى ثالث وهو فريق الأزواج على الورق لأنه محصى كذلك في الحالة المدنية بعد أن ألزمت مصالح غلام الله الأئمة عبر الوطن بعدم قراءة الفاتحة. إلا بعد تقديم العقد المدني توقيا لما صار ينجم عن زيجات تبقى لسنوات طويلة مع وقف التنفيذ .ليس بسبب تلاعب العرسان كما قد يقول البعض .بل لأن هؤلاء العرسان الشباب لم يجدوا سقفا يؤويهم ولو كان من صفيح . والغريب أنه في وقت يبحث فيه الشباب عن ''غار'' يؤويه .تتعالى صيحات أهالي الموتى بالعاصمة لأنهم لا يجدون قبرا يوارون فيه جثامين موتاهم. فالعاصمة فيما يبدو قد ضاقت بالأحياء وبالموتى، والمطلوب من العاصميين اليوم هو إما عدم الموت وإما الدفن خارجها . والأغرب أن يحدث ذلك في وقت تطالب فيه عائلات بأكملها بترحيلها من المقابر التي تقطنها منذ سنوات السبعينات كانت آخرها 35 عائلة تنشد فصلها عن عالم الأموات بمقبرة سيدي يحي ببئر مراد رايس وقبلها في العالية دون أن يحرك ذلك ساكنا للمسؤولين ويدفعهم إلى اتخاذ إجراء يرحم الموتى من صخب الأحياء والأحياء من سكون الموتى.