تعتبر ظاهرة العنوسة من المشاكل العويصة التي تهدد وتنخر جسم المجتمع الجزائري الذي بات يعرف في السنوات الأخيرة ارتفاعا لافتا لهذه الظاهرة، حيث تشير الأرقام المتوفرة من خلال إحصائيات المعهد الوطني للاحصاء إلى وجود 11 مليون فتاة عانس، منهن قرابة 5 ملايين يفوق سهن ال 35، أي بنسبة 31.1، وبزيادة سنوية مقدرة ب 200 ألف عانس هذا وقد كشفت بعض الدراسات الحديثة التي أجراها خبراء عن منظمة التنمية التابعة للأمم المتحدة وباحثين جزائريين عن وجود أكثر من مليون ونصف شخص يقطنون بالعاصمة غير متزوجين سواء من الذكور أو الإناث، بالمقابل بلغت نسبة المتزوجين حوالي 32.42 بالمائة، كما أثبتت عملية المقارنة التي أجرتها نفس المنظمة بين عوانس الجزائر ونظرائهن في بعض البلدان العربية أن عددهن يفوق عدد سكان ليبيا، بل يفوق حتى عدد 3 دول خليجية مجتمعة، وهو الأمر الذي جعل المتتبعين لهذه الظاهرة يطلقون على الجزائر اسم "دولة العوانس" باعتبارها رائدة للدول التي تتفشى فيها هذه الظاهرة، ويرجع المختصون في هذا المجال أسباب ارتفاع العنوسة في الجزائر إلى أوضاع الاقتصادية القاسية التي يواجهها اقتصاد البلاد منذ أزمة 1991، وهو ما تسبب في زيادة البطالة وهجرة بعض الجزائريين لأوربا للبحث عن سبل العيش الأفضل، وكذا تأخر سن النضج عند الرجل إلى حدود لا تسمح له بالزواج قبل بلوغ 25 سنة، ناهيك عن ارتفاع تكاليف الزواج إلى حدود خيالية في بعض المناطق بسبب التقاليد والاعراف في قضية المهور، والتي تحولت إلى مجال للتباهي والمنافسة بين المناطق مثلما هو حاصل في الغرب الجزائري، على غرار التكاليف الباهضة و"التعجيزية" التي تفرضها بعض عائلات ولايتي سيدي بلعباس وتلمسان كصداق العروس، وفي سياق مرتبط بمحاولة احتواء استفحال ظاهرة العنوسة والتخفيف من نسبة انتشارها قدمت بعض الدراسات جملة من الحلول المثالية أهمها تشجيع الزواج المبكر، انشاء صندوق وطني للزواج، تشجيع تعدد الزوجات وإنشاء نوداي للعوانس حتى يتم تمكينهن من الخطبة، وأثبتت التجارب الواقعية لبعض الجمعيات المختصة في هذا المجال انخفاض نسبة العنوسة ببعض المناطق على غرار واد ميزاب بولايتي الوداي وغرداية ومنطقة ورجلان بولاية ورلة التي تكاد ظاهرة العنوسة تنعدم بها بسبب انتهاجهم لسياسة المذهب الإباضي الذي يشجع على تقاليد الزواج الجماعي، زيادة على نجاح جمعية العزابة النشطة بمناطق جنوب البلاد إلى حد بعيد في تشجيع الشباب على الزواج المبكر قبل بلوغ سن 24 عاما للرجل و20 سنة للمرأة، وانطلاقا من كل هذه المعطيات تبقى هذه الظاهرة من أهم القضايا المطروحة على مستوى المجتمع الجزائري والتي تستدعي تضافر جهود الجميع بغية التقليل ولو نسبيا من سبل انتشارها.