أغلب المهتمين بالأدب يقرون بأهمية الروسي ودوره في إثراء الإبداعات العالمية، دوستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وغيرهم من الأسماء، التي خلدتها الذاكرة الأدبية، جعلتنا لا نتوقع كبوة لهذا الأدب، كأنما فصدته ضد التقهقر والاضمحلال.. إلا أن الواقع كما عاينه النقاد ومتتبعو الحركة الأدبية يقول أن ما كتب من أعمال خلال السنوات الأخيرة لا يرقى إلى مرتبة الأدب الروسي الذي كتب فيما مضى. أكثر الكتابات اللاحقة تغلب عليها التفاهة، وتتسم بالتسطيح في معالجة جوهر الواقع، والولوج إلى قلب الأشياء بتلك القدرة الأسطورية التي تميز بها شيوخ الأدب الروسي.. كل شيء تغير اليوم في الأدب الروسي وفق المتغيرات السياسية والجغرافية والاقتصادية والإيديولوجية التي شهدتها المنطقة، ما عاد الإنسان الروسي اليوم مثل سابقه.. تغيرت نظرته للأشياء واكتسب ذهنية أخرى، وأصبحت له اهتمامات وانشغالات مختلفة عن ذي قبل.. وبما أن الأدب يشبه الإنسان، ويعكس حياته فهو حتما سيلقى نفس التأثير.. المراقبون يرون أن نقاط القوة فيه واتجاهاته وآفاقه وأبعاده تغيرت.. بل يلاحظون أنه انقسم، ما عاد أدبا واحدا شاملا: ثمة الأدب المركزي وهو ما أطلق عليه الأدب رقم واحد، ورغم هيمنة هذا النوع من الأدب الذي يسمى أدب ما بعد الحداثة، إلا أنه خال من أي ألق إبداعي ولم يأت بأي إضافة يمكن مقارنتها بالإنتاجات السابقة، فهو أدب هستيري مفكك متأزم ما جعل القارئ يعاني من الكآبة المسطحة فاضطر للالتفات إلى الأدب الثاني.. هذا الأدب الذي يحتل المرتبة التالية يحاول أن يستقطب القارئ بمزيد من الضجيج والبهرجة، مع اعتماده على تحريك الغرائز وانتهاج إباحية التعبير والمشاهد الساخنة، ليجد القارئ نفسه في النهاية مفرغا بعيدا عن أي قيمة جمالية أو إنسانية تعطي لحياته معنى.. ويأتي الأدب الثالث وهي حركة أدبية تتقدم ببطء إلا أنها التزمت بدرب الأقدمين.. وفضلت السير على النهج الكلاسيكي والمحافظة على نفس الفطرة وراحت تؤسس لنفس القيم الجمالية والجدارة الفنية.. هذا الأدب كما يراه المحللون يتحدث عن نفسه بلغة إنسانية واضحة أي بلا هستيريا، ما جعله يصنف كأدب جيد استطاع أن يجدد الإبداع الروسي، وتمكن من أن يشكل حركة أدبية إيجابية تشهد عليها أعمال قيمة مثل رواية ''النبع'' لجورج أورويل .. وعموما فإن الأدب الحقيقي الجديد لم تظهر تباشيره قبل ,.1997 كان لا بد أن يظهر هذا الأدب بعد خيبة أمل فرضتها أحادية الأفكار، وهاهو مثلا ألكسي تسفيتكوف ب ''مجرد صوت'' وأليج يرماكوف ب ''علامة وحش'' وفيكتور بيليفين ب ''آمون رع'' وغيرهم من الأسماء التي لمّعت من جديد وجه الأدب الروسي وأعادت له إشعاعه وألقه السالف.