الحرارة هذه الأيام أثرت على كل شيء .. على حركة المرور على حركة البطون على حركة الأسواق .. على لون الوجوه .. على الأكل والشرب على الخروج والدخول . وأثرت أيضا على الكتابة .. الكلمات أصبحت رخوة تقطر عرقا .. والأقلام ما عادت تحتمل حبرها النازف.. والأوراق بالكاد تتقبل لمسة حرف واحد أو عبارة خفيفة تحط على لحمها الأبيض.. أنا اليوم لا رغبة لي في الكتابة .. ليس لأني لا أريد ملاقاة القارئ بل لأني أحس الكلمات داخل جعبتي تحولت إلى ''مرقة'' ويلزمها وقت معين ودرجة حرارة محددة حتى تتماسك.. وتستعيد قوامها وألقها وتأخذ مكانها سواء على الورق أو على شاشة الكمبيوتر بمنتهى الثقة والاعتداد .. غريب مفعول الحرارة هذا .. وعجيب مدى تأثيرها على الطقس وعلى الأشياء وعلى كيان الإنسان وحياته عامة.. يحسب الإنسان أنه سيد نفسه وسيد الطبيعة، ولكن الواقع أنه الخاضع الأكبر لها ولكل شيء.. لكل ما تمليه أحكام المناخ وما تفرضه التغيرات الجوية وأوامر الطقوس من أبسطها إلى أكبرها.. يكفي أن ترتفع درجة الحرارة شيئا ما لتجده فارا من مكانه ومن نفسه باحثا عن البرودة أينما كانت في البر والبحر والهواء .. في المشروبات والدلاع والبطيخ وأنواع المثلجات .. ويكفي أن يبرد الجو وتنزل درجة الحرارة عن المقياس المعتاد لتجده باحثا عن أي مصدر دفء يعيد إليه مرونته وحركته العادية .. تغير المناخ وتبدل الطقوس على ما يسببه من إزعاج للإنسان قد يصل حد الإصابة ببعض الأمراض فهو لا يملك إلا أن يحبه ويشتاق إليه إن تأخر فصل ما عن الوصول أو مكث فصل آخر أكثر من وقته .. هو الإنسان هكذا خلق منصاعا لغريزة التجديد والتغيير.