كثيرا ما يثمن حرفيو ولاية المسيلة بعض المواد التي تعتبر بدون قيمة بالنسبة لعامة الناس إذ يمزجونها وينحتونها ويصقلونها أو يضربونه بعد التسخين، لتغدو أداة تزين ركنا من أركان البيت أو محملة للمفاتيح أو لوحة لآية قرآنية أو زيتية لكنها بالرمال. ويصادف المتجول بأزقة وشوارع بعض مدن ولاية المسيلة على رأسها بوسعادة صورة مجسمة لعقرب أو لجمل أو لنخلة، تمكن صانعوها من مزج بعض من المواد التي يبدو للبعض أن لا قيمة لها لتصبح تحفة فنية راقية، حيث تتحول حبات الرمل البحري وبعض حصى الوادي، بل وحتى نواة التمر، إلى لوحة مجسمة لعقرب يوضع على جدار البيت لتزيينها أو لطرد النحس حسب المعتقد السائد. ويصنع ذيل مجسم العقرب وأرجله من نواة التمر وكيس السم من حبيبات رمل البحر البيضاء وهذا في حيز صغير مصنوع من اللوح يلون كما لو كان رملا تزحف عليه العقرب. وتقع أعين المتجول عبر أزقة وشوارع بوسعادة على معروضات باعة بمحال ضيقة من بينها جمال مجسمة، أدمجت فيها بعض من الأدوات التي يستغني عليها الناس كالجبس والحطب بل ويتمكن النحاتون الفنانون من الاقتراب من صورة الجمل أكثر فأكثر، عندما يلونونه بالرمل، وهذا اقتداء بذلك التشابه الكبير بين لون الجمل والرمال التي يسير عليها. بوسعادة.. موطن آخر لفن اللوحات الرملية الزائر لمدينة بوسعادة قد يصاف في كثير من الأحيان البعض من فنانينها وهم يرسمون لوحات رملية عناوينها مختلفة وذات قيمة جمالية نادرا ما تظهر في اللوحات الزيتية. وحسب بعض من هؤلاء، فإن الرسم بالرمل أصبح في الوقت الراهن ''مزدهرا'' ببعض مناطق المسيلة خصوصا ببوسعادة وأولاد سيدي إبراهيم، على غرار باقي المناطق ذات الطبيعة الصحراوية حيث لا يتطلب ذلك سوى اللوح والرمل والألوان المائية والغراء، لكنه يحتاج إلى الكثير من اللمسات الفنية والجد والصبر حتى يتم الحصول على لوحة فنية تزين بهوا في بيت فاخر أو مرفق عمومي. وبالرغم من براعة هؤلاء في الرسم باستعمال الرمل، إلا أنهم لا يزالون متواضعين في طرحهم آملين أن يصلوا إلى حيث لم يصل إليه أسلافهم أو مبتكرو هذا العمل الفني حتى أن البعض منهم أصبح يفكر حاليا في كيفية تجسيم رسومات باستعمال الرمل، كما يستعمل الحديد أو الحجر في بعض بقاع العالم. ويحتاج هؤلاء حسب بعضهم إلى تسويق منتجاتهم والتعريف بها من خلال معارض وطنية، وذلك قصد توسيع رقعة الرسم على الرمل واعتماده كتخصص من الفن التشكيلي. وغير بعيد عن الرمل كثيرا ما يقوم نحاتون حرفيون بإضفاء لمسات جمالية على أداة جاهزة للاستعمال على غرار الأقلام الجافة التي ينزع غطاؤها العاجي ليعوض بمثيله الخشبي أنتج من عيدان نبات الدفلة. ويقوم هؤلاء الحرفيون بحفر عود الحلفاء وقياسه مع غطاء البلاستيك للقلم ويضيفون إليه لمسات جمالية تتمثل في نحته وتلوينه حتى يصبح قلما بمضمون أجنبي وظاهر بوسعادي ويغتنم هؤلاء الفنانون الفرصة عندما يتجولون عبر ضفاف الأودية لجلب عيدان الدفلة لاستعمالها ليس أغطية للأقلام فحسب بل حاملات مفاتيح تكتب عليها الأسماء المتداولة في المنطقة والبلاد وكثيرا ما يصادف المشتري اسمه مكتوب على الحاملة. وكثيرا ما يتحول جزء من عود الدفلة إلى مجسم لقنينة أو قارورة أو لوحة معلقة بشكل فني راقي تحمل حكمة أو بيتا شعريا أو آية قرآنية. ويفضل هؤلاء استعمال عود الدفلة عن الخشب لكونه أبيض تظهر فيه الكتابة بالحبر الصيني ويكفي بعدها أن يطلى بالورنيش الشفاف، عكس ما إذا كان الخشب أحمر، فإن الكتابة عليه تصبح أصعب وأقل وضوحا بل وحتى الخشب الأحمر صلب كثيرا مقارنة مع الأبيض. وإذا ما سئل عامة الناس عن جدوى استرجاع بعض القطع من حديد النبض للشاحنات أي ''لام روصور'' فإن البعض منهم قد يرجع ذلك إلى بيع الحديد المسترجع غير أن جواب المختصين في صناعة ''الموس البوسعادي'' يكون سريعا ومقنعا مفاده استعمال ذات القطع الحديدية في صناعة ''الموس البوسعادي''. والسر في اختيار هذا النوع من الحديد دون سواه يعود حسب بعض صناع ''الموس البوسعادي'' لكونه صلبا يطوى كما شاء له بعد أن يسخن، وعكس هذه الحالة، فإن الفولاذ على سبيل الذكر قد ينكسر حينما يدق بعد تسخينه بدرجة حرارة عالية. ''الموس البوسعادي'' رمز الأصالة يؤكد صناع ''الموس البوسعادي'' بأن الورشات التي مازالت محافظة على إنتاجه لا تتعدى 5 موزعة عبر بوسعادة والخبانة وسيدي عامر وعين الحجل، غير أن الدافع التجاري كثيرا ما أثر على الجانب الفني والجمالي، حيث إن ''الموس البوسعادي'' ينحت بعد صقله لتنقش عليه كلمة ''بوسعادي''. ويمزج الحرفيون الفنانون بين عدة مواد أهمها الحديد الصلب وقرن الماعز الذي يتم انتقاؤه بدقة بما يتناسب مع مقبض حقيقي ذي رونق وجمال طبيعيين غير منمقين، كما يقوم صناعه بإنتاج غمد من الجلد الصافي تكتب عليه في أغلب الأحيان كلمة ''بوسعادي'' أو ''الله أكبر'' أو ''لفظ الجلالة'' وعلى المقبض يقوم الصناع بمسك هذا الأخير مع الموس بواسطة سلك مذهب تم التخلي عنه من طرف صناع اللفائف الكهربائية ومن بقايا الألمنيوم يقوم بعض الحرفيين بتحويل هذه المادة إلى تحف فنية ومستعملات يومية، حيث يذوبون المادة لتصبح مقبض باب السيارات على مختلف أصنافها حتى أن البعض أصبح يلجأ إلى اقتنائها بدل المصنوع من البلاستيك. ويلون البعض الآخر مقابض أبواب مدخل الفيلات وأقواسها، حيث يبرزون في أعمالهم الفنية نماذج من وسائل التجميل كانت فيما سبق تزين مداخل البيوت وأبوابها كمقبض عبارة عن قبضة حديدية لمجسم يد يطرق بها الباب أو بعضا من الدبابيس النحاسية مختلفة الأحجام والأنواع تزين الأبواب الكبرى لمداخل البيوت. وتمكن بعض من الكهربائيين المحترفين الاستفادة من المنتجات السالفة الذكر للمزج بين التقليدي والحرفي والحديث، حيث بادر البعض منهم إلى وضع مكبس الناقوس البيتي تحت قبضة الحديد حيث أنه برفعها وتركها لا تصدر صوتا للطرق بل صوت جرس الباب. وفي الوقت الذي تخلى فيه العارفون بالحلفاء عن إنتاج الحصيرة والأفرشة والسجادات يحافظ البعض منهم على الحرفة في جانبها الفني حيث أصبحوا يحولونها إلى مجسمات في شكل قنينات وقلل وأواني لشرب الماء كالقنينة أي إناء شرب الماء مصنوع من الحلفاء مشبع بالقطران.