المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني مفخرة للجزائر التي استطاعت أن تكرس شخصيتها كقوة ثقافية كبرى كل نص ميسر لما خلق له أدبيا كان أو صحفيا .. عرفه المهرجان الثقافي الأفريقي الثاني من خلال المركز الدولي للصحافة، وعبر ظهوره في التلفاز الجزائري، ولمن لم يعرفه أكثر هو شاعر انطلق إلى الصحافة من خلفيات أدبية متنوعة، ليحمل معه الحس الأدبي لمفهومه الإعلامي وكتابته الصحفية، مؤمناً أن صاحبة الجلالة مهنة يجب أن لا تقل رقياً عن الثقافة كما لا يجب أن تؤثر إحداهما على الأخرى، يعمل هيثم محررا ثقافيا في صحيفة الاقتصادية السعودية وقد شارك في عدة برامج ومناسبات أدبية وأقام عددا من الأمسيات الشعرية إضافة إلى حضوره في وسائل إعلام سعودية وعربية. كيف كانت بداية عشقك للحرف والكلمة ؟ لم يكن عشقا من النظرة الأولى، ولم تسبقه ابتسامة ولا موعد، ربما جاء على الأرجح دون أن أعلم، وتسلل إلى أعماقي على نحو يشبه البرد والسلام في وقت كنت أحترق فيه تماماً ، ولم يكن لحظتها ثمة درب محتمل لنجاة..لم يكن إمكاني وقتها أن أفعل شيئآ آخر غير أن أكتب. لمن يكتب الشاعر هيثم السيد؟ يكتب للحظاته العابرة ليمنحها طوق البقاء، ولهوامش حياته، ومشاعره التي لا يملك العالم القدر الكافي من العدل ليمنحها متسعاً ، لروحه التي يعتقد أنها لا تجد في العالم كله ما يكفي لاتساعها وحدها. لحظات البوح عندك..هل يحظى بها القلم أم الورق؟ لحظات البوح تولد حيث لا يمكن التنبؤ بها، حتى أنا مازلت لا أفهم لامبالاتها المفرطة في التجلي شكل بالغ التمرد على الاحتواء الظرفي، في أحيان قليلة جدا يحتويها الورق، وغالباً في ملاحظات الهاتف أو المحمول، وأحيانا لا يحظى بها أحد . فأنساها حين لا يأخذ النسيان كامل نعمته عند كل ذكرى! أيهم أقرب إلى قلبك..المقالة ، القصة ، الشعر؟ الأقرب لقلبي هي قناعتي أن كل نص ميسر لما خلق له، سواء كان أدبياً أو صحفياً أو غير ذلك، فلكل منها خصوصيته وأدواته، من واقع الممارسة فأنا أرى الشعر خيارا تعبيريا نوعيا ، ويأتي المقال بعده رغم كونه الأكثر من حيث الكم، كما أحب القصة وأعتبرها أحد أكثر الفنون الأدبية اتساعا لما تتمتع به من قدرة على تمثل العوالم وخلقها. حدثنا عن زيارتك الحالية للجزائر؟ أنا موجود لحضور المهرجان الثقافي الأفريقي الثاني، وقد جاءت زيارتي استجابة لدعوة من وزارة الثقافة الجزائرية ممثلة بسفارة الجزائر بالرياض، وهي فرصة لبث مساحة لن تكتفي من الاعتزاز والامتنان لهاتين الجهتين الكريمتين، هي المرة الأولى في دولة طالما تمنيت زيارتها، ومازلت حتى اللحظة مثقلا جمال ما شاهدت من ترحابها، تائها بين طبيعتها وطبيعة أهلها، منبهرا بنوعية الثقافة التي يتنفسها هذا البلد الغني بموارده الفنية والتراثية التي يتم تصديرها فيما بعد على هيئة ثقافة متجددة بتكوين عميق وذات حس حضاري يبعث على الفخر حقا. ما هو انطباعك عن المهرجان الثقافي الأفريقي الثاني؟ ليس من السهل على جهد تنظيمي معتاد جمع هذا الكم من الأطياف الفنية والثقافية لعشرات الدول ذات الخصوصيات المختلفة ضمن بوتقة واحدة، وبهذه الكيفية المتقنة، ولمدة طويلة قياساً بمهرجانات أقل عدداً وعدة، طبعا مع ملاحظة أنه يضم آلاف المشاركين ومئات الفعاليات ويقام في عشرات الولايات مقدماً كل الألوان الثقافية المعروفة دون أن يتخصص في فن معين، وهذا ما جعلني أسميه في مقال لي ''أولمبياد الثقافة الإفريقية" هذا المهرجان عمل ثقافي عظيم يدعو للفخر بالجزائر التي استطاعت تكريس شخصيتها كقوة ثقافية كبرى بالتوازي مع قوتها السياسية والاقتصادية والسياحية غير بعيد عن تاريخها النضالي المعروف. ما الذي لفت نظرك من فعاليات المهرجان؟ كثير من الأنشطة كانت تقوم على نوعية رفيعة من الفنون ، غير أن العرض الذي قدمته فرقة الاوركسترا الوطنية الجزائرية في مسرح الهواء الطلق هو الأروع في نظري على الإطلاق. كيف ترى واقع الحركة النقدية في العالم العربي؟ أحد أهم أدوار النقد في تقديري هو عمله على أن يكون نمو الذائقة الثقافية مواكبا للتصاعد المهول في حركة الإبداع، وذلك من خلال تقنينه للحراك الأدبي ووضعه في أطره المنهجية والفنية، لدينا الكثير من النقاد العرب لكن السؤال لا يجب أن يدور دوما حول اشتغالهم المحض بل يجب أن يقيم مدى تأثير ذلك الاشتغال على واقع الحركة الأدبية ورفع مستوى الإبداع على نحو لا ينفصل عن تنمية الذائقة المتلقية له. من هو الشاعر الذي تترقب جديده أو قديمه؟ شاعري المفضل توقف جديده ظاهريا بعد رحيله وإن كنت مازلت أقرأ جديدا له حتى في قديمه، أتحدث عن المبدع الكبير محمود درويش، على المستوى المحلي فشاعري هو الأمير بدر بن عبد المحسن، كما أتابع شعراء آخرون اعتمادا على نصوصها بالدرجة الأولى قبل أسمائها وتجاربها. الرومانسية ..هل جفت منابعها في نظرك؟ لم تجف منابعها يا أختي الكريمة بقدر ما نضبت قدرة الأدب الحديث على النهل منها، هي مدرسة أدبية رائدة يمكن تجديدها دائما إن كان سؤالك حول هذا الجانب ، وهي مفهوم يفهم عادة على غير ما يفترض فهمه عليه فيما لو أجبتك عن جانبها الآخر. ماذا عن تجربتك في الصحافة؟ أحد أكثر تجاربي صخباً وتعباً وسطوةً وانفصاماً، مازلت أمارسها دون أن أعبأ كثيرا بتصنيف ما أكتب، أرفض القولبة والمجاملة فيها، تعرفت على الكثير و تشرفت بهم، هي تجربة مثيرة بشكل يحرض دائما للمساءلة حول موقع الصحافة من إعراب جملة حياتي، وإن كنت حتى هذه اللحظة أشعر أن ثمة ما يستحق الاستمرار فيه، بعد أربع سنوات من العمل كمحرر ثقافي في صحيفة اقتصادية تتبنى هذا التنوع فيها وتدعمه بكل ما تملك. الكتاب اليوم أصبح في غرفة الإنعاش في ظل هيمنة ثورة الاتصالات، ما تعليقك؟ يخيل لي أن القارئ يرقد في غرفة الإنعاش المجاورة له، لكن دعينا لا نكون تقليديين دائما في إلصاق انهيارات نسب القراءة التقليدية بالثورة الاتصالية، العيب ليس في زماننا ولكنه في العرب أنفسهم الذين خذلوا الكتاب ضمن الأشياء الكثيرة التي يخذلونها في حياتهم،أنظري ببساطة للواقع الثقافي الغربي، ولحقيقة أن كتبهم تحظى بمقروئية عالية وتباع بكميات قياسية، رغم أن الثورة الاتصالية لديهم أضعاف ماهو موجود عربياً ، وستعرفين من المسؤول الفعلي عن اختناق الكتاب! كيف ترى واقع الشعر لدينا؟ واقع الشعر محاط بأزمات ليس أقلها أهمية غياب الرؤية الاستراتيجية لأصحابه وليس أكثرها إلحاحاً كونه يدفع الآن ثمن عجزه عن خلق شخصية واضحة بعد سنوات طويلة من الحروب الأهلية داخل أشكاله، في الوقت الذي أدى فيه فقدان هوية الشعر إلى نشوء نظريات سطحية من قبيل ''الرواية ديوان العرب'' مازال هذا الفن يمعن في الانعزالية ويرفض حسم معاركه الشكلية حتى الآن! كيف هي مشاركاتك في المهرجانات؟ مشاركاتي تحكمها أهمية الحدث واتساع نطاقه ونوعية عمله وتأثيره، والمهرجانات فرصة لتبادل الخبرات والالتقاء وربط التجارب ببعضها، ومن المهم أن لا تقف عند جوانبها الاحتفالية الوقتية بل تمتد لتؤسس لتنمية ثقافية متطورة على مستوى الفعل والتلقي. هل تؤمن بالصداقة الحقيقية؟ نعم ..إلى اللحظة الأخيرة التي تبقى حقيقة فيها. أخذ الغربيون عنا فن الرواية من ألف ليلة وليلة وطوروه كما فعلوا مع غيره، ماذا علينا أن نفعل إزاء ذلك؟ ثمة من يقول أيضاَ أن العرب أخذوا لياليهم الألف والواحدة من أمم كانت قبلهم، وعلى أية حال فمربط الفرس الأدبي ليس فيمن يأخذ ولكن فيما سيعطي، إذا كان الغربيون قد طوروا الرواية فهذا ليس مبعث مواجهة افتراضية لنفعل شيئا في المقابل، وإن كان لا بد،فعلى العرب أن يعملوا على تطوير ثقافتهم طالما هم مدركين لامتلاكهم العمق التراثي، فالمنطق يقول أن الغرب لن يستطيع استلاب أحد تراثه مالم يكن هو عاجز عن إعادة اكتشافه بما يتلاءم مع كونه أقرب الناس له. هل هيمنت ثقافة الصورة على ثقافة القراءة والكتابة التقليدية؟ بالتأكيد، فالصورة لغة عالمية لاتحتاج إلى ترجمة، التصرف الأمثل ثقافيا هو استغلال هذا الجانب لخدمة الكتابة والأدب بدل الدخول معه في مواجهة ثوابت كما يحدث عادة. ما رسالتك إلى الجيل الأدبي الجديد الذي يحتاج العون والمساعدة؟ لا تخضع لنمطية الطرح الذي يتحدث دائما وأبداً عن الرعاية والاحتضان والتبني، لا أحد سيساعدك ما لم تكن قادراً على مساعدة نفسك، كما لا أحد سيفهم تفاصيل موهبتك أكثر منك، الخبرة والنصح مهمان بدرجة أقل من إرادتك وحرصك على النهوض بمشروعك الأدبي. ما رأيك في تصنيف الكتابة الشعرية إلى نسائية ورجالية؟ تصنيف صحيح في تقديري، هناك من يعترض بحجة أنهما وجهان لعملة واحدة هي الأدب الإنساني، وهذا مبرر تلقائي لا ينظر للفوارق النوعية بين الجنسين من حيث خصوصية كل منهما وتكوينه المختلف عن الآخر، والتي تعني بالضرورة اختلافا في النمط الذهني والعاطفي وبالتالي التعبيري. الطفل هل لديه نصيب في كتاباتك الشعرية؟ نعم، في بعض الأحيان يبدو لي أن كل ما كتبته موجه لطفل يقبع داخلي، وأحيانا تعكس عبثية الفكرة صورة طفل يركض بإهمال في مخيلتي، كما أن الطفل الرمز يحضر لدي في بعض الأحيان، أما الكتابة في أدب الأطفال فلم أخضه لأسباب لا علاقة لها بقناعتي باستحالة امتلاكنا القدرة على كتابة مايليق بكونهم العقل الإنساني البكر، ذلك العقل الذي لم يطمثه إنس ولا جان من عالم الكبار المادي المزيف. ما هي رؤيتك للجمال؟ هو قدرتك أن تكون جميلا دون أن تربط ذلك بأن يكون الوجود جميلا بالضرورة. كيف ينظر الشاعر هيثم إلى مشهده الاجتماعي؟ أما الشاعر فينظر من خلال مخيلته لمدينة فاضلة مستحيلة بينما يطلب منه هيثم أن يتعايش مع ما يعيش، دون أن يفكر كثيرا في تقييمه والحكم عليه. ما هي طموحاتك وأمنياتك الثقافية؟ أن تكون الثقافة فرصتي لأمثل ما أريده ولأعبر عن ما أحسه ولأعزز ما أؤمن به، أن أكون نفسي قبل أن أكون أي شيئأ آخر. كيف توفق بين ثنائية عملك الإعلامي ومشروعك الأدبي؟ هناك ما يشبه حل الدولتين في هذه الحالة، المهم أن يكون كلا الجانبين في خدمة الآخر دون أن يكون في مواجهته، الأدب يحتاج الوصول الإعلامي، والإعلام يتطلب التكوين الأدبي، المهم أن أكون موجوداً في الجانبين بالقدر نفسه من العطاء، والمصداقية مع الذات وموازنة المتطلبات والقدرات. من هم الأدباء الجزائيون الذين قرأت لهم؟ الجزائر بلد أخاذ وغني بأدبائه أيضاً، بالنسبة لي فقد تربيت إبداعيا وأدبياً على روائع أحلام مستغانمي وواسيني الأعرج، إضافة لكثير من شعراء هذا البلد الذين يمتلكون مشاريع ثقافية واعدة ومغايرة. أيهما أقرب إليك ..الصحافة أم الإبداع؟ الصحافة تستطيع أن تكون إبداعا متى شاءت، والإبداع يمكنه أن يكون وجها إعلاميا لصاحبه من حيث لا يشاء..هذا بوقفة عابرة مع المفاهيم ، أما بالفكرة البدهية للسؤال فالمقارنة غير منطقية في نظري لإيماني بعدم استحقاق الصحافة لأن توضع في مواجهة متكافئة مع الإبداع وهي أصلا مخلوقة لتعزيز شعور الناس به..ومن هذا المنطلق ستفهمين إجابتي البديهية على سؤالك. أجب بكلمات معدودة عن : الحب...أكثر التصرفات إمعانا في عدم فهم الحب هي محاولة تعريفه.. الوطن..ما لم أكن منتميا بما يكفي لروحي ..يستحيل الانتماء لأي مكان آخر..أنا بلا وطن بالمفهوم التقليدي..وبوطن يحتوي العالم بمفهومي الخاص. الشباب..زهرة لا يفترض أن تذبل في بستان لا يليق بها ولا يشبهها. الدموع..رحمة لا يمكن أن يحظى بها إلا في أكثر لحظاتنا صدقا.. الشعر..لغة استلهام الذات من خلال الكون، وقراءة الكون في تفاصيل الذات الوحدة..أن تعيش وقتك لك ..حيث لا أحد غيرك أولى به منك..مع ملاحظة أن من نحبهم ليسوا أحداً غيرنا..وهذا يبرر وجودهم معنا ونحن وحدنا. أخيراً، أنظر إلى أعماقك وقل لي من أنت ؟ أبعد مما أرى وأقرب مما أشعر، شخص يزداد وضوحا في نظر نفسه كلما بدا غامضا للآخرين، ويحمد ربه ألف مرة كلما شعر أن معطيات هذا الزمن لا تشبهه، فهذا سبب كاف لأن يخطر في بال جمال ما.