يعد مسجد ''ابن فارس'' الواقع بالقصبة العليا بالعاصمة منارة للعلم والمعرفة وقطبا من أقطاب الحركة الفكرية الإسلامية منذ قرون. وهو من بين المساجد التي طالتها همجية اليهود وفرنسا الاستعمارية فرغم محاولات المستعمر المتكررة لطمس هذا المعلم التاريخي ومحوه من خريطة الجزائر، إلا أنه ظل يقاوم ويلات الزمن تركا بصماته في سجلات التاريخ الإسلامي. موقع مسجد ابن فارس يقع مسجد ابن فارس في شارع '' كاتون'' ميسى ملائكة حاليا بقلب قصبة مدينة الجزائر العتيقة التي قهرت الجبابرة وصمدت أمام آلة الدمار لفرنسا الاستعمارية. أصل تسمية المسجد يعود أصل تسمية المسجد ''بن فارس'' حسب ما أجمع عليه كل من زين الدين العربي إمام خطيب بذات المسجد وعضو المجلس الإسلامي الأعلى وكذا الدكتور بن حموش واعتمادا على ما جاء في كتابه ''مساجد مدينة الجزائر وزواياها وأضرحتها في العهد العثماني'' في تصريحهم ل ''الحوار''، نسبة إلى الحي الذي يقيم فيه الحاج علي عبد العزيز بن فارس الذي فر من ويلات الأندلس بعد سقوطها سنة 1492 ودخل إلى مدينة بجاية التي كانت قبلة للعلماء الأجلاء فجاء إلى مدينة الجزائر العاصمة واستقر بحي القصبة، حيث كان عاملا فقيها وتاجرا غنيا، بعدها شغل منصب معلم ومازال نسله متواصلا لوقتنا الحاضر فأحفاده مايزالون يقطنون بالقبة بالجزائر العاصمة ''عائلة بن فارس''، كما يشار إليه في العقود ابتداء من 1082 المواقف ل 1678 - 1779 وكانت هذه المنطقة تدعى من قبل ذلك ''حومة فوق بن قروعليس من''سيدي الحربي'' إلى ''ابن فارس''. تأسس مسجد ''بن فارس'' طبقا لما جاء في بعض المصادر التاريخية العام ,1400 وهو عبارة عن مسجد صغير كان يسمى ''سيدي الحربي'' نسبة لأحد أولياء الله الصالحين، وكان لهؤلاء الأولياء دور بارز في حياة الأفراد سواء من الناحية السياسية والاجتماعية إلى أن احتلت فرنساالجزائر وعاثت في أرضها فسادا ودمرت البنية التحتية للثقافة والدين وسط المجتمع الجزائري الذي عاش في ردهات الظلومات جراء تهديم معالمه الحضارية. هدم المسجد وتحويله إلى معبد لليهود مباشرة بعد أن تربعت السلطات الفرنسية على عرش الجزائر، قامت ببيع المساحة المحيطة بالمسجد ليهود الجزائر الذين قاموا بهدم المسجد وبنوا مكانه معبدا لهم في سنة .1845 استرجاع بن فارس مكانته الدينية بقي مسجد بن فارس معبدا يهوديا إلى غاية حصول الجزائر على سيادتها وحريتها، حيث كانت تناضل على جبهتين استرجاع حريتها المسلوبة من جهة واستعادة ايديولجيتها الدينية من جهة أخرى. ومن أشهر الأئمة الذين تعاقبوا على مسجد بن فارس الشيخ ''عبد اللطيف سلطاني'' وهو أول إمام يؤم الناس بهذا المسجد عشية استرجاعه، إضافة إلى الشيخ أحمد سحنون والعلامة محمد شارف. صمم مسجد بن فارس الذي كان عبارة عن معبد يهودي المهندس اليهودي ''قيوشن'' الذي حوّل هندسة مسجد كتشاوة بتصميم الكنيسة، وهو الذي وضع ساعة جامع الجديد بالعاصمة. وتمتد قاعة الصلاة الفسيحة في شكل مربع مقسم على الطرفين الأيمن والأيسر بشرفتين تطلان على وسط المسجد، وفي الأعلى ترتفع قبة كبيرة هي الشكل البارز الذي يستعمله اليهود عادة في البلاد العربية في معابدهم، قبل أن تضاف إليه المئذنة فيما بعد لتعطيه الآن هيئة الجامع من الخارج. وتوجد به غرفة سقفها ''سداسي الأضلاع كشكل نجمة داود''، وعلى امتداد جدران الغرفة مكتبة تتوزع فيها كتب التفاسير والفقه وطبعات مختلفة للقرآن الكريم، وتبلغ مساحته 29,60 مترا مربعا. وقد أخذ هذا المسجد رقم 18 من شارع كاتوت عيسى ملائكة حاليا، حيث تم إزالة كل الآثار من الداخل التي تشير إلى كون المكان كان معبدا يهوديا في السابق، وأضيف إلى هيئته الخارجية مئذنة، هذا فضلا عن حفر المحراب وتزيينه بالآيات القرآنية ويحتوي على صومعة إضافة إلى قبة. يتكون المسجد من أربع ''سدات'' اثنتان منها خاصة بالرجال والأخرى خاصة بالنساء، وهو يتشكل من ثلاثة أبواب. الطقوس الدينية المعتمدة في مسجد بن فارس يترك مسجد بن فارس على غرار المساجد المنتشرة في الجزائر العاصمة آثارا إيجابية على الحياة المجتمع الجزائري، فالشبكة الحضرية من المساجد والزوايا والمدارس تبين مدى التغطية الواسعة للنظام التعليمي الأساسي للمجتمع من جهة واستقلاليته عن دواليب الدولة وتقلبات الحكم، فقد كان لكل مؤسسة مواردها المالية الخاصة المستقلة القائمة أساسا على نظام الوقف الذي يؤمن لها تمويلها الدائم، رغم الاعتقاد السائد آنذاك ببركة الأضرحة وحمايتها للمدينة وقدرات الأولياء التي طغت على الشؤون العامة للحياة اليومية لسكان الجزائر من زواج واستشفاء وطلب الذرية. الإمام زين الدين العربي: مازلنا نحافظ على قراءة الحزب الراتب أشار زين الدين العربي إمام خطيب بمسجد بن فارس منذ العام 1987 إلى أن الشباب يواظبون في هذا المسجد على حفظ وقراءة الحزب الراتب كل يوم قبل صلاة المغرب، وتارة أخرى يؤجل إلى بعده مع حفظة القرآن، كما يتم تقديم دروس خاصة بطلبة العلم والمعرفة.