لا أحد مثلنا نحن والعرب عامة أتقن وأبدع في كيفية الاستهتار بالوقت، كأننا لم نخلق لشيء مثلا خلقنا لاحتقار الوقت وتجاهل قيمته، لا نعرف شيئا في هذه الدنيا مثلما نعرف كيف نبذره ونبخس من دوره وأهميته في ترقية مفهومنا للحياة.. منذ الأزل وإلى حد الساعة لازلنا على نفس جهلنا وغبائنا في معاملة الوقت.. لا فرق عندنا بن ساعة ودقيقة، بين يوم أو شهرين أو سنة أو عقد من الزمن.. شيء واحد، نعم واحد فقط جعلنا فجأة نتنبه لقيمة الوقت وغلائه، أصبح من ذهب بعد أن كان من قصدير أو من لا شيء، فجأة صرنا نقدر عاليا أهمية الثانية قبل الدقيقة ونحسب قدرها وثمنها بدقة فيزيائية.. لا حق لنا في الخطأ أو سوء التقدير ما إن يحضر ذاك الشيء بين أيدينا حتى ينقلب الواحد منا إلى عداد وقت، وتنصب كل أمالنا وطموحاتنا على ربح ثانية أو دقيقة وجعلها في حوزتنا، لا نحتمل ذهابها بلا أن نستغلها في فائدة ما، بلا أن تجني مقابلها ربحا ما.. هذا الشيء العجيب الذي يجعلنا في لحظات من أكبر مقتصدي الوقت وأكثر الناس المدركين لأهمية حساب الدقائق والساعات حتى لا تقول الأيام والشهور وعلاقتها بمحتويات جيوبنا وحافظات نقودنا عرفنا رغما عنا ورغما عن جهلنا وتعنتنا المزمن في رفس الوقت ورميه خارج رؤوسنا وحياتنا ولقننا أحسن الحلول وأذكى الحيل للاحتفاظ بأقصى عدد من الثواني والدقائق والساعات واستغلالها لأطول فترة ممكنة، حتى طريقة كلانا تتأثر بخوفنا وحرصنا على الوقت فالكلمة تصبح بحقها. كل عبارة لها ثمن وكل جملة لها ثمن.. لذلك تجدنا حريصين على قول المختصر المفيد عوض تلك الثرثرات والجعجعات الفارغة التي لا نتوقف عن ملء لحظاتنا بها دون أي مقابل يذكر ما عدا قتل الوقت وانتهاك حرمته.. وكذلك لا يمكن للوقت أن يدين بشيء لأحد مثلما يدين للهاتف المحمول دوره في خلق وعي آخر لقيمة الوقت عند مستعمليه، على الأقل بات يحظى بتلك اللحظات التي يشعر فيها بالاحترام والتبجيل والقيمة المادية والمعنوية العالية وتخلص من إهانة التبذير، ومن منا لا تتسارع دقات قلبه قبل أن تتسارع كلماته وهو يجري مكالمة مع أحدهم عبر المحمول خشية مرور الثواني دون أن يقول ما أراد قوله.. أخوف ما يخافه مستعمل المحمول ألا يقدر قيمة الوقت ولا يعرف كيف يستغلها فتكون النتيجة خسارة باهضة يدركها في الغالب بعد فوات الأوان.. نتعشم أن ينجح المحمول في تدريبنا على تقدير الوقت وحسن استغلاله.. والمؤسف أننا والمحمول نعرف جيدا أن الأمر ما كان ليكون كذلك لولا كلفة الوقت التي يفرضها المحمول على صاحبه.. هكذا نحن لا نولي بالا ولا نخاف إلا من الأشياء التي لها علاقة بجيوبنا.