من قال أن الجزائري يفضل شراء أي شيء على أن يشتري كتابا.. أنا أول من كان يعتقد ذلك، لكن البارحة فقط تغير رأيي... وعرفت فجأة كم كنت مخطئة في حق القاريء الجزائري ..ولعلي لست وحدي في ذلك.. بل كل من شهد معي تلك الزحمة وتلك اللهفة وذاك التدافع أمام مدخل المعرض الدولي للكتاب المقام حاليا في المركب الأولمبي محمد بوضياف لتأكد أن المقروئية عندنا بألف خير وأن الكتاب عندنا بألف عافية.. كيف لا؟.. والناس يقصدونه يوميا طيلة أيام العرض ال 01 قادمين من كل ولايات الوطن، منهم من قضى ليلته يطوي المسافات طيا على متن سيارة أو حافلة، ومنهم من بات ليلة في عربة قطار ينتظر بفارغ الصبر وصوله صباحا لجنّة الكتاب التي تفتح له سنويا أبوابها ليتزود بما يحتاج من الكتب والمؤلفات . من عاش مثلي ذاك الحشر الذي تشهد بوابة المعرض يوميا وسط العراء وتحت أشعة الشمس الحارقة، سيكذب نفسه ويكذب كل من يدعي أن لا يلقي بالا للكتاب ولا أحد يرضى بإنفاق فلس لاقتناء كتاب.. بأم عيني وأم دهشي شاهدت الملايين والملايين تتفق وتنفق بكامل الرضى بل بمنتهى المتعة والفرحة لشراء ما أمكن شراءه من كتب ومؤلفات شتى .. أقول ذلك لأني كنت منهم ومعهم... مع الجموع الغفيرة خضت معركة للدخول للمعرض تحت شمس ازدهت كما تجب وتشتهي ب ''تشويط'' رؤوسنا وشواء لحمنا كدت أن استسلم وأنسحب من المعركة لكن ولعي بالكتب كان أقوى وشوقي للقاء جديد الإصدارات كان يمدني بقوة لا أدري من أين أتتني.. ودخلنا جنة الورق ..ومن وسط الساحة لفحتنا رائحة الكتب، فرحة الدخول أنستنا تلك العذابات.. عذابات الانتظار.. دخلت مع ''الغاشي'' مهرولة إلى الكلمات إلى الرفوف.. أجواء الداخل ليست هي أجواء الخارج وجوه أخرى وملامح أخرى وأصوات أخرى، جموع قادمة تنضم إلى جموع سابقة وهكذا حتى ينقضي النهار.. نهار بمضيه الزائر في المعرض سابحا بين أمواج البشر .. متنقلا من أكداس الكتب.. وماذا تكفي الرفوف لمثل هذا السيل الغزير للقراء.. لا أحد ينتبه لأحد، لا أحد يعرف أحدا، الكل ذاهل عن الكل.. الأعين معلقة في الورق بألوانه وبريقه وعناوينه وأسعاره .. الكتب التي قرانا عنها في الانترنت، والكتب التي سمعنا عنها فقط والكتب التي ولا يمكن أن تتخطى يوما أبواب مكتباتنا هي الآن بين أيدينا تحت أنظارنا وفي متناولنا فقط لأيام معدودات .. فكيف لا يهون كل شيء في سبيلها؟ وكيف لا نخوض من أجلها المعارك ونتكبد مشاق السفر ونتحمل الجوع لأننا سلمناها ميزانية مؤونة شهر عن طيب خاطر.. والله عن طيب خاطر..